ليوم واحد على الأقل ، كان شبح شرعيتين تتنافسان على السلطة يلوح في الأفق بشكل كبير في تونس.

في 30 مارس / آذار ، على الرغم من تحذير الرئيس قيس سعيد بأنهم تصرفوا “بشكل غير قانوني” ، صوّت 116 نائباً من أصل 217 نائباً على إلغاء القرارات والمراسيم الصادرة عن الرئيس منذ يوليو / تموز ، عندما قام بتجميد أنشطة البرلمان ، وإقالة الحكومة. وأعلن “إجراءات استثنائية” تسمح له بالحكم دون منازع.

ووصف سعيد تحرك النواب بأنه “محاولة انقلاب فاشلة” وأعطى تعليماته تبعاً لذلك بأن تتولى النيابة العمومية تتبعهم قضائيا. والأهم من ذلك أنه أعلن عن حل البرلمان دون تقديم موعد الانتخابات التشريعية المقرر إجراؤها في ديسمبر.

ولم يتضح إلى أين يعتزم النواب التوجه بعد ذلك. وقالوا إنهم سيبحثون في جلسات افتراضية مقبلة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية  التي تواجه البلاد. وساد الاعتقاد أنهم ربما يصادقون على قوانين جديدة رغم أن أنشطتهم مجمدة بمقتضى مرسوم رئاسي.

بدا سعيد خائفًا من هذه المناورة ، حتى وإن كان ذلك التحرك البرلماني رمزياً إلى حد كبير ، فهو يهدد بمحو البناء السياسي بأكمله الذي وضعه ، علاوة على ذلك ، فإنهم يسعون لخلق مصدر مواز للشرعية.

خلافا للآمال التي كانت معلقة على تونس بعد انتفاضات الربيع العربي كرائدة في مجال الانتقال الديمقراطي الناجح، فقد بدت  البلاد وكأنها تتقدم  في اتجاه نموذج الجارة ليبيا حيث تتنافس حكومتان على السلطة، رغم أن الوضع في تونس يختلف كثيرا عن الوضع في ليبيا.

ربما كان النواب المتمردون على سلطة الرئيس يريدون كسر جدار الصمت الذي أحسوا وكأنما هو بدأ ينطبق عليهم في الداخل والخارج.

كان النواب المتمردون يحاولون على الأرجح كسر جدار الصمت الذي يخشون أن يقترب منهم في الداخل والخارج. ربما شجعتهم الزيارة التي قام بها وكيل وزارة الخارجية الأمريكية أزرا زيا إلى تونس في نهاية مارس الماضي ، حيث شدد على “قلق الولايات المتحدة بشأن المسار الديمقراطي لتونس”.

بعد تحركهم ، تلقى البرلمانيون جرعة إضافية من الاهتمام من واشنطن وأوروبا. ولكن معظم الجمهور في الخارج كان في الواقع مشغولا تماما بأحداث أوكرانيا لدرجة أنها لم تلحظ ما كان يحدث في تونس.

كان الجمهور في الداخل منشغلاً بالقلق من الأزمة الاقتصادية ، حيث اصطف الناس في طوابير للحصول على الخبز خلال الأيام الأولى من رمضان.

منذ “تجميد” النشاط قبل ثمانية أشهر تقريبًا ، لم يتمكن المشرعون من إصلاح سمعتهم داخل البلاد. فبالرغم من تزايد الانتقادات لدى النخب السياسية، كل حسب توجهاتها إما لبطء نسق اتخاذ القرارات من قبل سعيد أو لقلة اهتمامه بإقامة حوار يشرك الآخرين، لا يزال الجمهور يضع الكثير من عبء مشاكل البلاد على عاتق النواب.

فهؤلاء النواب إضافة لتصرفاتهم المخيبة للآمال عموما منذ 2014، فشلوا مثلا في إنشاء المحكمة الدستورية، وهي مؤسسة لو أنشئت لساعدت على احتواء الكثير من الخلافات السياسية قبل أن تتفاقم. كما أن قيام مثل هذه المحكمة كان من شأنه الحد من الصلاحيات الواسعة التي يتمتع بها اليوم الرئيس/ وبدلاً من ذلك، كان يتمتع بحرية تأويل النصوص الدستورية التي يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها مليء بالثغرات والتناقضات.

لا تزال الطبقة السياسية منقسمة جدًا بحيث لا تمثل تهديدًا حقيقيًا لسعيد ، على الأقل في الوقت الحالي. واعتبارا لاستغراقها في كثير من الأحوال في الجدل العقيم حول المسائل الدستورية فهي لم تستطع إقناع الجمهور بجدوى الاهتمام بالمسار الديمقراطي المتعثر. هذا بالإضافة إلى أن البرلمان كان دوما من أقل المؤسسات التي تحظى بثقة الرأي العام.

أما الغرب فهو يجد مصداقيته محل تشكيك بعد استمراره لمدة أكثر من عقد من الزمن في الإشادة بالمسار الديمقراطي رغم مناطق خلله الواضحة.

لكن وسط المخاوف التي تغيم الأفق السياسي ، كانت هناك مؤشرات على أن سعيد ربما يعدل منهجه ، مع الحفاظ على المبادئ الأساسية لأجندته السياسية. لا يريد الرئيس إجراء انتخابات مبكرة قبل أن يُدخل تغييرات على القانون الانتخابي والدستوري ، بناءً على استنتاجات الاستشارة العامة التي أجريت مؤخرًا عبر الإنترنت. هناك أيضًا إشارات إلى أنه قد يكون على استعداد لتعديل مواعيد الاقتراع والاستفتاء السابق ، وربما لم يعد يفكر في إصلاح لجنة الانتخابات المستقلة.

ونتيجة اجتماعه بعدد من  منظمات المجتمع المدني فقد انتعشت الآمال بأنه قد يكون يمهد لحوار وطني بما يفتح آفاق التوصل إلى توافق واسع بعد أن كان غير متحمس كثيرا للموضوع في السابق.

وقد شملت الاجتماعات التي عقدها في قصر قرطاج اتحاد الشغل ومنظمة رجال الأعمال وعمادة المحامين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان. وهي منظمات كانت شكلت “رباعي الحوار” الذي قاد النقاشات السياسية التي مكنت البلاد سنة 2013 من الخروج من أزمة سياسية خانقة إن لم يكن تجنب الحرب الأهلية.

ويشار إلى أن الاتحاد العمالي، وهي منظمة ذات تأثير واسع في تونس، قد أعربت عن مساندتها لحل البرلمان و عبرت عن استعدادها للمساعدة على تيسير سبل إقامة حوار وطني. ولكن لا يُعرف الى أي حد سوف تقبل بالشروط التي يضعها سعيد لمثل هذا الحوار وكذلك باستنكافه من التواصل مع الأحزاب السياسية. ولكن المنظمة النقابية ترى بالتأكيد فائدة كبيرة يمكن أن تجنيها من التحالف مع سعيد باعتبار الاعتقاد السائد بمعارضته للإجراءات التقشفية التي قد تفرض على تونس في إطار الاتفاق مع صندوق النقد الدولي على قرض بقيمة 4 ملايين دولار.

السؤال الآخر المطروح هو هل أن سعيد قد يقبل بتسريع النسق الزمني الذي يتبعه في اتخاذ القرارات بما يتواءم ونسق المطالبات باستئناف المسار الديمقراطي وهل بإمكانه أن يقتنع بأنه لن يستطيع إنجاز ذلك لوحده.

ما تبقى هناك تساؤلات عما إذا كان مفهوم سعيد للحوار الوطني يسمح بتشريك ما يكفي من الأطراف الفاعلة كي يخفض من درجة التوتر في البلاد.

ويبقى عنصر الزمن عاملاً حيوياً في هذا المسار. وسعيد ليس له ترف انتظار ثمانية أشهر أخرى (مثل تلك التي قضاها منذ يوليو الماضي) قبل أن يضع مسارا انتخابيا مقبولا من الأغلبية على السكة.

والانتخابات في حد ذاتها لا فائدة من وراءها إن سقطت في مستنقع الصراع على الشرعيات بين المعسكرات السياسية المتنافسة،  وهو أمر ستكون من جملة تداعياته الحد من نسبة المشاركة في الانتخابات.

وحتى بدون مثل هذه التعقيدات المحتملة، تواجه تونس جملة من المخاطر المحدقة بها والتي سوف تحتاج لاجتنابها خلال الأشهر القادمة من أجل سلامتها واستقرارها.

 

أسامة رمضاني هو رئيس تحرير ذي أرب ويكلي، وعمل سابقًا في الحكومة التونسية و في مناصب دبلوماسية في واشنطن.

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: