هل فات الأوان لإنقاذ كوكبنا من تغير المناخ الكارثي؟ ربما؛ فبالنظر إلى الأعداد المتزايدة من السيارات الكهربائية التي تسير على الطرق، والانخفاض السريع في تكلفة الطاقة المتجددة، والمناقشات الحديثة حول احترار الكوكب، قد نعتقد أن البشرية تسير على المسار الصحيح نحو تغيير كيفية إنتاجها واستهلاكها للطاقة. حتى المعارضين لقضية المناخ فقدوا مصداقيتهم واُستبعِدوا من المناقشات حول مستقبل الكوكب. ولكن رغم هذه التغييرات الجذرية، فإننا نسير على طريق خطيرة تؤدي بنا إلى عدم تحقيق الأهداف الرئيسية في معركة السيطرة على الاحترار العالمي.

فوفقًا لأحدث النتائج، لم نحقق على الأرجح الهدف الرئيسي لاتفاقية باريس لعام 2015 بشأن تغير المناخ. الهدف من اتفاقية باريس، وهي التشريع الأكثر طموحًا في العالم بشأن تغيير المناخ، هو الحد من الاحترار العالمي ليصل إلى أقل من 1.5 درجة مئوية مقارنة بمستويات ما قبل الثورة الصناعية. ورغم أن هذا ممكن من الناحية العملية، فإن العلماء يساورهم الشك بشأن تمكننا من تحقيق هذا الهدف، الأمر الذي قد تكون عواقبه وخيمة.

أصدرت الشهر الماضي الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، وهي هيئة من العلماء والباحثين تتبع الأمم المتحدة، تقريرها النهائي الذي جاءت نتائجه مفجعة. وقد أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش عن نتائج اللجنة بقوله إننا «نتجه نحو نسبة احترار عالمي تزيد عن ضعف الحد المُستهدف الأقل من 1.5 درجة مئوية». لعبت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ دورًا جوهريًا في وضع حد الاحترار العالمي الأقل من 1.5 درجة مئوية وإقناع العالم بأهميته، وقد صرحت على نحو حاسم بأننا إذا فشلنا في الوصول إلى هذا الهدف، فستكون العواقب وخيمة من حيث الجفاف وارتفاع مستويات المحيطات وغيرها من الكوارث المناخية الأخرى.

إنَّ وضع هدف الاحترار العالمي الأقل من 1.5 درجة مئوية قد أدى إلى نشأة الاستثمارات في البيئة والمسائل الاجتماعية والحوكمة، وتنويع أصول الشركات، وزيادة الاهتمام بمصادر الطاقة المتجددة. رغم ذلك، فلم يكن كل شيء يدعو للتفاؤل؛ فيمكن كتابة العديد من المقالات حول فشل التعاون الدولي حول تغير المناخ. على سبيل المثال، من المعروف أن الولايات المتحدة في عهد الرئيس دونالد ترامب سحبت دعمها لاتفاقية باريس، الأمر الذي كان سيكتب نهاية الاتفاقية قبل أن تبدأ. شهد كذلك مؤتمر الأمم المتحدة الأخير المعني بتغير المناخ (COP 26) ضغوطًا تمثّلت في النزاعات الجيوسياسية بشأن أفضل الطرق التي ينبغي اتباعها لتحقيق أهداف مناخية ملموسة. علاوةً على ذلك، فإن الارتفاعات الأخيرة في أسعار النفط والآثار المترتبة على الطاقة نتيجة غزو روسيا لأوكرانيا تثبت على نحو قاطع اعتماد المجتمع الدولي على الوقود الأحفوري. وربما تكون مبيعات سيارات تسلا قد ارتفعت ارتفاعًا هائلًا، لكن معظم الناس ما زالوا يعتمدون على محركات الاحتراق الداخلي التي تستهلك كميات هائلة من الوقود الأحفوري. بعبارة أخرى، لم نصل إلى ذروة إنتاج النفط بعد.

مع قرع المجتمع العلمي ناقوس الخطر بشأن أهداف الاحترار العالمي، ينبغي علينا طرح بعض الأسئلة الصعبة، مثل ما تأثير عدم تحقيق هدف الاحترار العالمي المنصوص عليه في اتفاقية باريس على استمرار المبادرات المناخية؟ رغم إخفاقات التعاون الدولي، ثمة فرص يمكن اكتشافها في الأخبار الخطيرة حول هدف الاحترار العالمي الأقل من 1.5 درجة مئوية. على سبيل المثال، لم يكن النقاش العالمي حول تغير المناخ نشطًا وبعيد الأثر بهذا القدر من قبل؛ فقد تم إيقاظ وعينا الجمعي من سباته بشأن تغير المناخ على نحو غير مسبوق في تاريخ البشرية وصار الناس في مختلف المجتمعات والطبقات يدركون عواقب التراخي عن مواجهة هذه القضية.

هذا أمر مهم بالنظر إلى ما يجب تغييره؛ فتحقيق أهداف الاحترار العالمي سيتطلب استثمارات غير مسبوقة في تقنيات الطاقة الجديدة. هذا يعني أيضًا أن البنية التحتية للطاقة الحالية التي تعتمد على الفحم والنفط والغاز الطبيعي يجب أن يتوقف تشغيلها قبل مواعيد وقف التشغيل المجدولة. من وجهة نظر اقتصادية، يبدو مثل هذا الإجراء مناقضًا للعقل والبديهة. بالنظر إذن إلى التكلفة التي ينطوي عليها الأمر، فإن الطريقة الوحيدة لتنفيذ مثل هذه الإجراءات هي التعاون السياسي واسع النطاق والقدرة المؤسسية للدول؛ أي أن السبيل الوحيد لإحداث تغيير حقيقي هو من خلال سلطة الدول وتعاونها، لا الأفراد.

هذا الواقع الذي لا مفر منه يتعارض مع الشعارات التسويقية الذي تروج لها شركات الطاقة المتجددة وجهات تصنيع السيارات الكهربائية التي تصدر رؤية مستقبلية بأن القرارات الفردية يمكن أن تغير المناخ. لكن رغم أنه من الرائع أن يشتري الناس سيارات كهربائية ويزودوا منازلهم بألواح شمسية، فإن هذه الأفعال وحدها لن تفيد في تغيير المصير الذي يسير نحوه المناخ بالفعل.

شئنا أم أبينا، وحدها الدول يمكنها إحداث (ودفع ثمن) التغييرات الجذرية التي ستبدل مستقبل مناخنا على نحو مُجدٍّ. وبعض الدول لها تأثير أكبر بكثير في توجيه هذا الصراع؛ إذا قدّمت الصين مثلًا أدلة جديدة لتطوير العقارات السكنية تستلزم وجود بنية تحتية للطاقة المتجددة، فسيكون لذلك تأثير عميق على كمية انبعاثات الكربون العالمية في الغلاف الجوي. مثل هذه الخطوات الحكومية الجادة من شأنها إظهار مدى ضآلة أهمية الجهود الفردية.

بالنظر إلى حالة المجتمع الدولي اليوم، علينا أن نتوقف لحظات لتأمل ما وصلنا إليه، ولكن على الأقل الطريق أمامنا واضح. لقد كان من المحتم أن تفشل اتفاقية باريس، لكن تجديد النقاش الذي أثارته يمكن أن يتحوّل إلى اتفاقية ناجحة، وهذا ما نحتاج إلى التركيز عليه في الاجتماعات القادمة لمؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ في مصر والإمارات العربية المتحدة.

 

جوزيف دانا محرر أول في Exponential View، وهي نشرة إخبارية أسبوعية تتناول التكنولوجيا وتأثيرها على المجتمع. وقد شغل في السابق منصب رئيس تحرير emerge85، وهو مختبر يستكشف التغيير في الأسواق الناشئة وتأثيره العالمي.

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: