تواجه حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان أزمة كبيرة، حيث خرجت حرائق الغابات في جنوب وجنوب غرب البلاد عن السيطرة. وانتشرت على قنوات التواصل الاجتماعي لقطات من حرائق تلتهم الأشجار وتهدد بعض المدن الساحلية الجميلة، غير أن الإجراءات الحكومية في مواجهة تلك الحرائق افتقرت إلى الكفاءة، وفي مقابل ضعف كفاءة الحكومة التركية، نرى صور بطولية لمواطنين يكافحون النيران بكل ما لديهم من قوة، وغالبًا ما يعرضون أنفسهم لخطر كبير.

وكانت هذه سنة مروعة بالنسبة لحرائق الغابات في البحر الأبيض المتوسط. فقد عانت اليونان وإيطاليا وقبرص إلى جانب تركيا من حرارة شديدة وجفاف وآثار أخرى بفضل التغير المناخي. ولكن لم تكن تركيا مستعدة على الإطلاق لهذه الحرائق، على الرغم من وجود الكثير من الدلائل حول حتمية وقوعها.

ويبدو أن إدارة أردوغان ليس لديها أسطول جوي يُذكر لمكافحة الحرائق، فلم تتم صيانة معظم الطائرات، كما أن تلك الطائرات غير آمنة للقيادة. وأشار فهيم تستكين وهو كاتب مستقل، إلى إن اليونان حشدت 39 طائرة لمكافحة الحرائق، بينما لم تحشد تركيا أي طائرة على الإطلاق، وتأمل أن تأتي الطائرات الروسية والإسبانية لنجدتها. وقد تم إجراء مقارنة ما بين الوضع الراهن في تركيا وحاجتها الماسة لطائرات لإطفاء الحرائق وأسطول أردوغان الرئاسي المكون من 13 طائرة.

ولا شك في أن هذه الأزمة وسوء إدارتها من قبل أردوغان ستؤثر بشكل كبير على الاستقرار السياسي التركي وستُضعف من قبضة الرئيس على السلطة، وهذا بدوره قد يجبر أردوغان على اللجوء إلى إجراءات يائسة داخل أو خارج البلاد في محاولة لصرف الانتباه وحشد الناس من حوله.

وتكمن المشكلة في النظام السياسي التركي نفسه، الذي أصبح تحت إمرة رجل واحد فقط، فقد حوّل أردوغان النظام البرلماني التقليدي في تركيا إلى نظام رئاسي مركزي، حيث يقوم هو باتخاذ كافة القرارات تقريبًا. ونظرًا لأن تركيا أصبحت تتبع نظاماً أكثر استبدادية تحت وصايته، فقد اضطر المواطنون الأتراك إلى تحمل غضبه ونقمته. وأي شخص يثير غضبه قد يجد نفسه محتجزًا ويتم التحقيق معه ويُحكم عليه في النهاية بالسجن. وقد تجرع السياسيون ورؤساء البلديات والصحفيون وقادة المجتمع المدني والأكاديميون مذاق “عدالة أردوغان”.

ويقوم نظام حكم أردوغان على مبدأ التملق. فهو محاط بالمتملقين الذي يُغدقوا عليه بالمدح والثناء مهما كانت الظروف. كما تعرضت الصحافة أيضًا لضغوطات اقتصادية هائلة بسبب توجيه أردوغان إعلانات الدولة وحتى القطاع الخاص لصالح مؤيديه فقط، وغالبًا ما تظهر الصحف اليومية بنفس العناوين.

ونتيجة لذلك، فإن أردوغان بعيد كل البعد عمن يقدم له النصح بصورة مستقلة ومحايدة. وهو عرضة لارتكاب الكثير من الأخطاء، بعضها كبير والآخر صغير، ولكن جميعها مهمة من الناحية السياسية. ومن بين أخطائه الكبيرة قرار شراء صواريخ إس -400 الروسية المضادة للطائرات، الأمر الذي ولّد أزمة لا يمكن حلها مع الولايات المتحدة. وكردة فعل أمام خسارة حزبه لرئاسة بلدية إسطنبول في الانتخابات البلدية، قام باختلاق مزاعم مخالفات انتخابية وأعاد الانتخابات، ليُمنى بهزيمة ثانية، حيث وجه سكان مدينة إسطنبول لحزب العدالة والتنمية ضربة أشد.

ويبدو أن صوت الحكمة والرأي السديد قد غابا عن مسامع صانع القرار حتى في ظل أزمة حرائق الغابات التي تعصف بالبلد حالياً، وقد تم تصوير أردوغان وهو يدخل مدينة مارماريس وهي إحدى المدن المحاصرة، بموكب مكون من أكثر من مئة سيارة وحافلة وسيارات شرطة وسيارات إسعاف وعربات إطفاء، مما خلق وضع لوجستي صعب وازدحام مروري لا داع له. وفي وقت لاحق، ألقى بعبوات الشاي على مواطني مدينة مارماريس، وهم أفضل حالًا مادياً من أولئك الموجودين في أجزاء أخرى من البلاد. وستبقى صورة أردوغان وهو يوزع الشاي وكأنها لفتة إنسانية عظيمة محفورة في أذهان كثير من الأتراك إلى الأبد. وقد بدأ الجمهور بالسخرية والاستمتاع بتلك المشاهد، وأطلق البعض مسمى حزب الشاي على حزب العدالة والتنمية التابع لأردوغان.

وبطبيعة الحال، يلجأ أردوغان إلى نظرية المؤامرة عند وقوعه في أي مأزق، وتعتبر تركيا مرتعاً رحباً لتك النظريات. وقد أشار أردوغان من دون وجود أي دليل على ضلوع حزب العمال الكردستاني في تلك الحرائق، وهي الجماعة المتمردة الكردية المصنفة على أنها منظمة إرهابية. وكانت تلك إشارة لأتباعه في الصحافة لتقديم نظرية المؤامرة لتشمل اليونان وحزب المعارضة الرئيسي في تركيا سيء الحظ.

وتُغري نظرية المؤامرة الكثير من الأتراك، حتى إن كاتب أحد الأعمدة في صحيفة مناهضة لأردوغان أشار إلى أن الحرائق كانت “فخًا” نصبته الولايات المتحدة في أعقاب الحرب العالمية الثانية، عندما قدمت لتركيا المساعدة من خلال خطة مارشال. فعلى ما يبدو، اقتلعت الولايات المتحدة العديد من أشجار الزيتون وأشجار أخرى مماثلة، واستبدلتها بأشجار الحور والصنوبر شديدة الاشتعال. ولإضافة المزيد من حديث المؤامرات إلى هذا المزيج، قال وزير اتصالات أردوغان، فخر الدين ألتون، إن الحجم الكبير للاحتجاجات على وسائل التواصل الاجتماعي كان جزءًا من مؤامرة أجنبية لتصوير تركيا على أنها ضعيفة، ونشأت تلك المؤامرة من “مركز واحد في الخارج”. وليس من الواضح أين يقع ذلك “المركز الفردي” فقد كانت هذه الإشارة في الماضي تعني الولايات المتحدة.

لكن نظريات المؤامرة لن تساعد أردوغان هذه المرة، فقد قوضت وسائل التواصل الاجتماعي جهود الحكومة للسيطرة على الإعلام وما يُنشر على شاشاته. إن الدمار الذي لحق بالمدن والفتور والتراخي الذي أظهره بعض الوزراء مقارنة بجهود المواطنين العاديين، فضلاً عن عدم وجود أي تخطيط واستعداد من قبل الحكومة، كل ذلك سيضعف كثيراً من خطاب الحكومة المستقبلي وقدرتها على وضع جدول أعمال. وسيلعب أردوغان دوراً اصغر في إدارة الحكم، فلا يملك الإمبراطور العاري أي ملابس، فقد احترقت ملابسه مع ما احترق من غابات وأشجار ومنازل.

هنري جيه باركي أستاذ العلاقات الدولية بجامعة ليهاي وزميل أول مساعد لدراسات الشرق الأوسط في مجلس العلاقات الخارجية. من بين الأدوار الأخرى، عمل سابقًا كعضو في فريق تخطيط السياسات في وزارة الخارجية الأمريكية، حيث عمل بشكل أساسي على القضايا المتعلقة بالشرق الأوسط وشرق المتوسط ​​والاستخبارات.

 

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: