مرَّ نحو ثلاثة أشهر على اندلاع القتال في الخرطوم بين القوتين المتنافستين على السلطة في السودان، وهما قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (المعروف باسم حميدتي) والقوات المسلحة السودانية بقيادة عبد الفتاح البرهان. ومع انتشار العنف من العاصمة، لا سيما إلى منطقة دارفور، سعى مئات الآلاف إلى الهرب عبر الحدود إلى الدول المجاورة مثل تشاد وجنوب السودان ومصر وإثيوبيا.
ومنذ أن بدأ القتال، غادر حوالي 645 ألف شخص السودان والتمسوا الحماية في مكان آخر، بينما أُجبِر 2.2 مليون شخص آخرين على النزوح من منازلهم داخل الدولة. وهذه الأعداد لا تشمل المواطنين السودانيين فحسب، وإنما تتضمن أيضًا أشخاصًا كانوا أنفسهم لاجئين في السودان، والذين هربوا من الصراعات في بلادهم والآن أُجبِروا على الانتقال مجددًا نتيجة للعنف.
إلى جانب المآسي الإنسانية الفردية لمَن أُجبِروا على الفرار حاملين المتعلقات القليلة التي يمكنهم حزمها ووضعها سريعًا في سيارات في حالة القلة المحظوظة منهم أو حافلات مكتظة في حالة البعض الآخر أو حملها على الظهور في حالة مَن اضطروا للسير مسافات طويلة وصولًا إلى برِّ الأمان، ثمة تداعيات أوسع نطاقًا فيما يخص الأمن الإقليمي ونظام المساعدات الإنسانية ككل.
لكن حتى من قبل الأزمة الأخيرة، كان نظام المساعدات الإنسانية قد بلغ حدَّ الانهيار. فأعداد مَن يحتاجون إلى المساعدة يتزايد سريعًا، بينما تتسع في الوقت نفسه الفجوة بين التمويل المتعهد به والتمويل اللازم.
وعندما توجد بالفعل فجوة بقيمة 22 مليار دولار إجمالًا بين طلبات المساعدة من الأمم المتحدة وما تمَّ تقديمه، يبدو من المستبعد للغاية تلبية المنظمة لطلب توفير 3 مليارات دولار هذا العام لتقديم الدعم إلى مئات الآلاف من النازحين داخل السودان والنازحين منه. فالجهات المتبرعة الرئيسية منصرف انتباهها إلى أمور أخرى. إذ ينصب تركيز أوروبا على الأزمة في أوكرانيا وبقدر أقل (في الجنوب) على كيفية التعامل مع قضية الهجرة من أنحاء البحر المتوسط. أما دول الشرق الأوسط، فتعمل على التكيُّف مع الملايين الذين فروا من سوريا على مدار العقد الماضي. وتحاول تركيا، وهي جهة فاعلة إقليمية رئيسية، التأقلم مع مأساة الزلزال الذي شهدته في فبراير الماضي. ومن جانبها، ينصرف انتباه الولايات المتحدة على نحو متزايد إلى حملات الانتخابات الرئاسية لعام 2024، والتي ستحدد نتيجتها مدى استجابة أمريكا للأزمات والكوارث خارج مناطق مصالحها الاقتصادية.
لذا ينبغي على الدول التي هرب إليها أغلب اللاجئين — جنوب السودان وتشاد — تحمل تكاليف تلبية مطالب أولئك اللاجئين من مواردها الإنسانية المحدودة وغير الكافية. فقيّدت الأمطار من إمكانية الوصول إلى المناطق الحدودية التي استقر فيها الكثير من اللاجئين مؤقتًا. وما يزيد هذا الوضع صعوبة الأعداد الكبيرة للاجئين وغيرهم ممن يحتاجون إلى المساعدات الإنسانية. فقد كانت هذه الدول نفسها تعاني من أزمات إنسانية. واستقبلت تشاد أكثر من مليون لاجئ، وقدَّرت الأمم المتحدة أن 9.4 مليون شخص في جنوب السودان سيحتاجون إلى المساعدات الإنسانية هذا العام، حتى قبل التدفق الآخرين للاجئين.
ودون تمويل ودعم جديد، يلوح في الآفاق خطر حقيقي بألا تتمكن منظمات العمل الإنساني والدول المضيفة من التكيُّف مع الوضع، ما يترك الآلاف من المعرضين للخطر بالفعل وحدهم دون دعم.
لطالما أدت التحركات الكبيرة للهاربين من الصراعات إلى إثارة توترات جديدة وخلق نقاط صراع محتملة في المنطقة. وإذا فشل الجهات المتبرعة في تقديم المساعدة، فإن التوترات الناشئة عن التأثير الاقتصادي لاستضافة أعداد كبيرة من النازحين قسرًا ستتفاقم نتيجة للمنافسة المتزايدة على الموارد النادرة (من الأراضي والمياه والأموال)، لا سيما بعد أخطر وأطول فترات الجفاف التي شهدتها المنطقة في تاريخها الحديث.
تضم المنطقة كذلك بعضًا من أفقر دول العالم التي تواجه أنظمتها الاقتصادية غير الساحلية عراقيل بالفعل للوصول اللازم إلى موانئ السودان. والآن، بعد أن أُرغِمت هذه الدول على تحمل عبء دعم الأعداد الكبيرة من الوافدين الجدد، ثمة خطر حقيقي بأن تسفر أزمة اللاجئين عن توترات جديدة، والتي يمكن أن تُزيد من حدة انعدام الأمن الإقليمي خارج حدود السودان.
وعلى المستوى العالمي، أي تحرك كبير للأشخاص، لا سيما إذا لم تنته الأزمة قريبًا، يهدد بهدم الأعراف والاتفاقات الدولية بشأن التعامل مع اللاجئين والنازحين قسرًا.
وقد شهدنا ذلك يتحقق بالفعل في ظل إغلاق الحدود واتخاذ إجراءات حفظ الأمن في البحار نتيجة للصراع في سوريا. ومع تزايد أعداد مَن يحاولون الهروب من العنف الذي اندلع منذ عام 2011، فرضت الدول والمؤسسات الأوروبية عراقيل مادية وقانونية أصعب تُحِّد من المسؤوليات التي تتحملها الحكومات فيما يخص تلبية احتياجات مَن يحاولون الفرار من الهلاك. وأدى ذلك إلى زيادة السياسات الشعبوية التي تعارض صراحةً القوانين الدولية، وزيادة مآسي قوارب المهاجرين، مثل القارب الذي غرق قبالة السواحل اليونانية الشهر الماضي وأسفر عن مقتل المئات من الأشخاص الذين يبحثون عن حياة أفضل.
مايكل جينينغز هو أستاذ في التنمية العالمية في جامعة “أس أو أي أس” في لندن، حيث يعمل على القضايا المتعلقة بالصحة العالمية وسياسات وتاريخ التنمية العالمية.