يشارك المتخصصون، من جنوب آسيا، في الصين نظرائهم الأجانب لتعزيز موقف بكين في مكان ما كان ليخطر على البال: وهو أفغانستان، فقد أجرت الصين أربع مناقشات خاصة ومؤتمرًا دوليًا مغلقًا في شهر مارس بهدف تمهيد الطريق لأنشطتها في البلاد.

فما الذي تريد الصين تحقيقه في أفغانستان؟ وما هي التنازلات التي يرغب قادة الصين تقديمها لنيل مرادهم؟

ويرى الكثير في الصين أن أفغانستان هي فرصة دبلوماسية بعد فشل الولايات المتحدة، وأدى انسحاب واشنطن المشين من البلاد في أغسطس الماضي إلى أن ينظر السياسيون الصينيون إلى أفغانستان على أنها فرصة لإظهار “نموذج راق” لتحقيق الاستقرار وإعادة الإعمار بعد انتهاء الصراع، وبناء على ذلك المنظور، تبذل الصين جهودًا غير مسبوقة لحشد الدعم الإقليمي من أجل التوصل إلى توافق في الآراء، وجدول أعمال مشترك، وخطة عمل لمستقبل أفغانستان.

لكن انخراط الصين في أفغانستان قائم على أكثر من مجرد الرغبة في النجاح في نفس المكان الذي فشلت فيه الولايات المتحدة، ففي منطقة جنوب آسيا الأوسع نطاقا، ترى الصين أن عملها في أفغانستان هو بمثابه تحوط ضد الاضطرابات السياسية في باكستان وميانمار، والتحديات المتعلقة بالتمويل في نيبال وسريلانكا، فضلا عن الضغوط الدبلوماسية الجديدة التي تمارسها الولايات المتحدة في بنغلاديش.

وعلى الرغم من أن الصين لم تعترف رسميا بالحكومة التي تقودها طالبان، إلا أن تصرفات بكين تبين أنها مستعدة للقيام بأعمال تجارية مع كابول. وأثناء الاجتماعات المنعقدة في شهر مارس، مُنح وزير خارجية طالبان أمير خان متقي مكانة مساوية لوزراء الخارجية المشاركين الآخرين من روسيا وباكستان ودول أخرى، وفي الوقت نفسه، وصف المتخصصون في جنوب آسيا في الحكومة الصينية علنا طالبان بأنها “الحكومة الفعلية والعاملة في البلاد” و “الممثل الشرعي للشعب الأفغاني”.

ويبدو أن الصين لديها شروط للاعتراف الدبلوماسي الكامل بحكومة طالبان، ففي 1 أبريل، قال وزير الخارجية الصيني وانغ يي إن ” يجب ألا تصبح أفغانستان دولة فاشلة “وإنها تستحق “مكانا بين باقي الأمم” لكنه أضاف “ومع التعامل الجاد مع مخاوف جميع الأطراف، سيتم التوصل إلى اعتراف دبلوماسي بالحكومة الأفغانية، ونأمل أن تتمكن [حكومة طالبان] من السير نحو هذا الاتجاه الصحيح وبذل جهود ملموسة”.

وبقراءة ما بين السطور، يشير “بيان وانغ” إلى أنه في حين أن الصين لا تعارض الاعتراف الدبلوماسي من حيث المبدأ، فإنها ستمتنع عن تقديمه حتى يتم استيفاء بعض الشروط، ومن المرجح أن تشمل تلك الشروط، المصالحة الوطنية، وتشكيل حكومة أكثر شمولا، وضمانات العمالة والتعليم للنساء والأطفال، والالتزام بمكافحة الإرهاب.

مع ذلك، فإن الصين لم تنتظر من حكومة طالبان العمل قبل البدء من جانبها، ففي 31 مارس، اتفقت الصين مع إيران وباكستان وروسيا وطاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان على مجموعة من 72 التزاما إنمائيا في إطار ست فئات عامة وهي، المساعدات الإنسانية، والتواصل، والاقتصاد والتجارة، والزراعة، والطاقة، وبناء القدرات.

وبعض تلك الالتزامات ليست بالجديدة – مثل تقديم المساعدات الإنسانية – في حين أن البعض الآخر عبارة عن وظائف وليس مشاريع، ولكن هناك مقترحات ملموسة من شأنها أن تزيد من قدرات أفغانستان الاقتصادية إذا نفذت بالكامل. إن تعهد إيران باستكمال وتمديد خط سكة حديد “خاف-هرات” من شأنه أن يربط البلاد بآسيا الوسطى عبر “مزار الشريف”، في حين أن التزام باكستان بالانتهاء من مشروع طريق “تورخام-جلال أباد” من شأنه أن يُعيد إحياء خدمة خط الحافلات بين باكستان وأفغانستان.

ويوجد أيضا التزامات بشأن مبادرات الطاقة، مثل خط أنابيب الغاز بين تركمانستان وأفغانستان وباكستان والهند وخط نقل “بول – خمري – سورخان”.

غير أن ما تفتقر إليه القائمة هو الجداول الزمنية، وحتى التعهد بزيادة “تقديم المساعدة الإنسانية” لا يشير إلى كمية ونوعية ما سيتم تقديمه، لذا، ففي حين أنه من المثير للإعجاب أن الصين استطاعت إقناع الدول المجاورة لأفغانستان بالالتزام بإعادة بناء البلد بعد عقدين من الحرب، فإن عدم وجود مواعيد نهائية يثير تساؤلات حول متى سيتم التنفيذ.

ولا يبدو أن أيا من ذلك يزعج بكين، وكما جاء في اتفاق 31 مارس، فإن “الصين تدعم الشركات للاستثمار وبدء الأعمال التجارية في أفغانستان متى سمح الوضع الأمني بذلك، وفي استئناف مشاريع مثل منجم أيناك للنحاس وحقل آمو داريا النفطي عندما يكون الوقت مناسبا”.

كما أوضح البيان أن “الصين تدعم شركاتها لمساعدة أفغانستان على تحسين شبكتها للهاتف المحمول واستكشاف الموارد المعدنية وتنميتها”، وهذا يشكل إشارة للشركات الصينية للعودة إلى أفغانستان.

في حين توقع العديد من المراقبين الصينيين والأجانب أن تتعامل الصين بحذر مع الوضع في أفغانستان، لكن يبدو الآن أن بكين خلصت إلى أن فوائد العمل في أفغانستان تفوق المخاطر، وإذا ظل الوضع الأمني في أفغانستان مستقرا، فينبغي لنا أن نتوقع عودة الشركات الصينية إلى البلاد قريبا.

من الواضح أن بكين تستعد لقيادة الجهود العالمية لإعادة العمل في أفغانستان، إن مستوى الاهتمام والموارد المخصصة للحشد الدبلوماسي لأفغانستان لم يسبق له مثيل في تاريخ الصين الحديث، وفي حين أن التنافس مع الولايات المتحدة يشكل حافزًا واضحًا، الا أن الصين تريد أيضا أن تقدم مثالًا إيجابيًا للعالم حول طريقتها في إعادة الإعمار الاقتصادي في مرحلة ما بعد الصراع.

ولن تسمح الصين لطالبان بالتصرف كما يحلو لها، وفي نهاية المطاف، سوف تتوقع الصين اعترافا دوليا (وخاصة إقليميا) بحكومة طالبان، وبعض الإصلاحات الداخلية، وتعزيز الحكم الداخلي، فضلا عن تحقيق بعض المكاسب القابلة للقياس في جبهة مكافحة الإرهاب. ولكن الصين تراهن بالفعل على تلك التطورات، وإذا افترضنا أن طالبان قبلت بما تقوم به الصين، فمن المتوقع أن تتعاظم أنشطة الصين في أفغانستان.

 

يون صن هو مدير برنامج الصين والمدير المشارك لبرنامج شرق آسيا في مركز “ستيمسون” في واشنطن

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: