إنه لمن الشائع رؤية السفن الحربية وهي تبحر باتجاه خليج عمان ، إلا أنه خلال الأيام القليلة الماضية من شهر ديسمبر كان المشهد في المياه المقابلة لسواحل إيران غير مسبوقًا. فلأول مرة انضمت فرقاطات روسية إلى السفن الإيرانية وكذلك مدمرة صواريخ صينية حديثة ذات قذائف موجهة في مناورات بحرية استمرت لمدة أربعة أيام في خليج عمان والمحيط الهندي. وأشادت إيران أنها تعتبر بداية “مثلث قوة” جديد في البحر.
الأمر الأكيد هو أن تلك المناورات كانت عبارة عن عرضًا استثنائيا للتحدي من جانب إيران و حلفائها.فمما لا شك فيه أن جمع الأساطيل البحرية التابعة للمنافسين الجيوسياسيين الرئيسيين للولايات المتحدة في مثل هذه المياه المتنازع عليها بشدة يعد نجاحًا دبلوماسيًا لدولة إيران المنعزلة. بيد أنه لا يتضح ما إذا كان هذا العرض الاستثنائي يشير إلى بداية تحالف حقيقي بين الدول الثلاث. حيث أن كل دولة من هذه الدول لها أسبابها الخاصة لإجراء هذه المناورات. فقد حاولت كل دولة بطريقتها أن تجد مخرجًا لها من حدودها الجغرافية. و بهذا الشكل لا يمكننا تَوقع استمرار هذا التقارب في المصالح.
صرح متحدث باسم البحرية الإيرانية للتلفزيون الحكومي الإيراني أن من شأن تلك التدريبات البحرية التأكيد على “استحالة عزل دولة إيران“. فبالنسبة لطهران، هذه رسالتها الرئيسية بالغة الأهمية التي تود إيصالها في نهاية هذه السنة خاصة في ظل التوترات الذي يشهدها الخليج في الأيام الأخيرة. وألقت الولايات المتحدة باللوم على دولة إيران بشأن الهجمات التي تمت على السفن في مياه الخليج خلال فصل الصيف، كما ألقت المملكة العربية السعودية اللوم عليها بشأن الهجوم الذي تم على اثنين من منشآتها النفطية.
في الواقع ، هذا التشكيل السريع لهذه التدريبات البحرية يتناقض بشكل صريح مع عملية الحراسة الأمريكية حيث تسعي واشنطن لتشكيل تحالف دولي لحراسة المياه المقابلة لسواحل إيران التي ما زالت تواجه صعوبة في إخراجها. لذلك ستكون طهران مسرورة من عواقب هذه الأحداث.
ولكن لا تزال هناك مناقشات حول ما إذا كان هذا سيترجم إلى مساعدة حقيقية من جانب بكين أو موسكو في حالة حدوث مناوشات مع الولايات المتحدة . أما الدولتان الآخرتان، فلديهما أسباب خاصة وراء تلك المناورات البحرية، و لكن لا تريد أي منهما حدوث أي مواجهة استفزازية مع واشنطن التي لا تزال تتمتع بقوة عسكرية أكبر منهما.
و إذا كانت إيران تشعر بالضغط من جانب أمريكا وحلفائها، فروسيا تشعر بنفس القدر من الضغط؛ وهي بحاجة أيضًا إلى إثبات أنها قادرة على تجاوز حدودها الجغرافية.
فعلى الرغم من تحكم روسيا في مساحة شاسعة من الأرض ، إلا أن قدرة روسيا على الوصول المباشر إلى المحيط المفتوح محدودة بسبب التكوين الجغرافي المعقد لبحر البلطيق وحاجة أسطول البحر الأسود إلى المرور عبر المياه التركية. فلا يمكن للسفن البحرية الروسية أن ترسو في أي مكان في الشرق الأوسط أو أوروبا سوى قاعدتها العسكرية بطرطوس الواقعة علي ساحل سوريا. وهذا من شأنه أن يدفعها بشدة للحفاظ على التحالف الوثيق مع دول الشرق الأوسط، وخاصة تلك الدول الغير منحازة إلى المعسكر الغربي مثل سوريا وإيران.
و هو ما يفسر أيضًا سبب تعهد موسكو بضخ نصف مليار دولار في طرطوس على مدار الأربع سنوات القادمة. فلقد ناضلت موسكو بشدة من أجل الحصول على موطئ قدم في الشرق الأوسط ولا تنوي التخلي عنه أبدًا.
بيد أن الصين هي صاحبة الاستثمار الأكثر إثارة للاهتمام. فعلي عكس روسيا و ايران اللتان على خلاف مع المجتمع الدولي ، تطمح الصين إلى أن تكون جزءًا من النظام العالمي الحالي. حيث تحافظ على علاقاتها مع كل دولة من دول الشرق الأوسط والغرب أيضًا.
على الرغم من أن بكين تخطت كل حدود النظام العالمي، وتمتلك إثباتات دورية تشير إلي قدرتها على العمل بشكل يتجاوز القواعد التي وضعها الغرب ، فإنها لا تزال تعتزم إدارة تقدمها دون تخطي تلك القواعد.
و إذا كانت مشاركة الصين مفاجئة من الناحية السياسية، فإنها لا تعتبر كذلك من الناحية العسكرية. فباعتبارها وقوة بحرية، تحاول الصين الاستفادة بشكل كبير من هذه المناورات.
في الوقت الراهن، تحتفظ بكين بقاعدة بحرية خارجية واحدة في جيبوتي. ومع ذلك فهي تتوسع بشكل كبير في نطاق عملياتها في الشمال والجنوب.
ففي شهر نوفمبر، أجرت القوات البحرية الصينية والروسية والجنوب إفريقية مناورات قبالة الساحل الجنوبي لإفريقيا. وكما حدث في المناورات التي تمت بخليج عمان، فقد تضمنت المناورات بعض المعدات الروسية والصينية الضخمة. وفي أواخر شهر يناير أعلنت كل من الصين و باكستان أنها سوف تجري مناورات بحرية في بحر العرب، قبالة سواحل الهند.
و تتجلي نتائج جميع تلك المناورات البحرية على الخريطة بشكل واضح. فسوف يكتسب الأسطول البحري الصيني خبرة كبيرة في المناورات البحرية الواسعة بداية من طرف الهند، وحتى خليج عمان، مرورًا بخليج عدن، وصولًا إلى ساحل إفريقيا بالجنوب (حيث كانت الصين تساعد في دوريات مكافحة القرصنة)، وحول أطراف القارة.
و الجدير بالذكر أن الأسطول البحري الصيني أصبح الآن أكبر من أسطول الولايات المتحدة ، بل ويتطور بسرعة ليصبح أكبر من أسطول أي دولة أخرى. و مع هذه التدريبات ،سوف يكتسب خبرة عملية للعمل في المياه المعقدة.
هذه الأسباب هي التي أدت بشكل منفصل إلى تحالف تلك الدول الثلاث حتى الآن . وبلا شك سوف تنضم دول أخرى في الأشهر المقبلة. وبيد أن مثلث القوة هذا يظهر تحديًا، إلا أنه لا يستطيع تعزيز هذا الاتحاد لفترة طويلة حيث أن أولويات روسيا و الصين وإيران مختلفة عن بعضها البعض.
وعليه فإنه وسط الاحتفالات القائمة في طهران، هناك نذير بالحذر. فالصين تمثل قوة عالمية طموحة. وروسيا لا تزال تعتبر نفسها واحدة من تلك القوى. أما إيران، فبالرغم من كل الكفاءات التي يتمتع بها شعبها، لا تزال تكافح من أجل شق طريقها بطريقتها الخلفية الخاصة. فبدلاً من التدخل في شؤون الدول المجاورة لها، سيكون من الأفضل أن تعمل إلى جانبهم – كأن تنظر إلى الأزمة المستمرة في العراق. فهذا الاستعراض للقوة في خليج عمان لا يعتبر خيارًا بديلًا عن الدخول في مفاوضات دبلوماسية.
فيصل اليافعي يعمل كمعلق دائم على شبكات الأخبار التلفزيونية الدولية وهو يؤلف كتابًا عن الشرق الأوسط في الوقت الحالي. وقد عمل في وسائل الإعلام مثل الجارديان وبي بي سي ، وتحدث عن الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية وآسيا وأفريقيا.