في العام 2013، أي قبل زيارة بابا الفاتيكان “فرانسيس” التاريخية إلى شبه الجزيرة العربية بزمن طويل، قال رئيس الكنيسة الكاثوليكية إن أفكاره طالما انشغلت بسكان “الأرض المقدسة”، حيث يشع “نور الشرق “- نور الإيمان – تألقًا، ومضى يقول: “إن السياق الجغرافي والتاريخي والثقافي الذي عاش فيه سكان الأرض المقدسة على مدى قرون قد جعلهم بالفعل محاورين طبيعيين مع العديد من الطوائف المسيحية وغيرها من الديانات الأخرى.

وبالنسبة لمنطقة يشوبها الصراع وعدم الاستقرار، قد يبدو من الوهم الاعتقاد بأن الشرق الأوسط الحديث يمكنه أن يكون بمثابة “النور” الذي يهدي السبيل إلى إخوة إنسانية أكثر سلمًا. ولكن كما يتضح من الرحلات الأخيرة للبابا “فرنسيس”، فإن أفضل طريقة لمواجهة التطرف الديني هي تعزيز الحوار بين أتباع الأديان في الأماكن التي تزداد فيها حدة التحديات.

وينسى الكثير من الناس أن منشأ الديانات التوحيدية الرئيسية – وهي اليهودية والمسيحية والإسلام – كانت منطقة الشرق الأوسط، وهذه رؤية سطحية للأمور، فكل بقعة في المنطقة شاهدة على نشأت تلك الديانات، وفيها تقع بعض من أقدم الكنائس والمعابد اليهودية والمساجد في أنحاء العالم، وهذا دليل على أن التنوع الديني ضارب بجذوره في المنطقة منذ أمد بعيد.

وفي العام 1992، على سبيل المثال، اكتشف علماء الآثار في جزيرة “صير بني ياس” في دولة الإمارات العربية المتحدة، أساس دير مسيحي يعود تاريخه إلى حوالي سنة 600م. وتم العثور على كنيسة أخرى تعود إلى القرن السابع بالقرب من جزيرة “مروح”. ويُعتقد أن كنيسة المشرق الآشورية، والتي عُرفت سابقًا بالكنيسة النسطورية، هي التي كانت قد شيدت الكنيستين.

والأطلال المسيحية في دولة المملكة العربية السعودية المجاورة أقدم من ذلك بكثير. بالقرب من محافظة الجبيل، وفي العام 1986، تم اكتشاف كنيسة آشورية تعود إلى القرن الرابع، فضلاً عن اكتشاف آثار كنسية أخرى بالقرب من الرياض وفي جدة، في حين أن علماء الآثار في نجران، والتي تقع بالقرب من الحدود مع اليمن، استكشفوا آثار ونقوش مسيحية يعود تاريخها إلى القرنين الخامس والسادس.

وهناك أيضًا معابد يهودية قديمة في منطقة الشرق الأوسط، ويقع أقدمها في مدينة صيدا اللبنانية، وهو ذلك المعبد الذي بُني منذ 833 عامًا أعلى أحد المواقع القديمة التي كان يسوع يعظ منها يومًا ما.

ورغم ذلك، فإن ما يجعل علم الآثار في المنطقة أكثر إثارة للإعجاب، ليس الحجارة أو النقوش، بل أن هذه الاكتشافات قد أجبرت القادة على إعادة النظر في أسس التسامح. وكانت الإمارات العربية المتحدة ، والتي لطالما أظهرت انفتاحًا على الثقافات المختلفة وتقبلاً بها، المضيفة الطبيعيةً للبابا. وما يثير الدهشة أكثر هي المحادثات الأخيرة في المملكة العربية السعودية، حيث أدى اكتشاف الآثار المسيحية إلى تعزيز المناقشات بشأنبناء كنائس جديدةلإحياء الروابط القديمة مع إحدى العقائد القديمة.

وقبل عدة سنوات، عندما كنت صحفياً في العراق ولبنان وسورية، لم تكن الصراعات الطائفية التي كتبت عنها ملائمة في إطار التمييز العنصري الذي تشهده المنطقة، فنادرا ما يكون العنف بدون سبب. لكن كل من تحدثت معهم تقريباً كان يتذكر فترات سلمية عندما عاش المسيحيون واليهود والمسلمون في نفس المباني وفي نفس الحي، وعاملو بعضهم بعضًا كأصدقاء – وأحياناً أقرب لبعضهم من أفراد العائلة. لقد جعلتني هذه القصص أتساءل دومًا: كيف يمكن للعالم أن يستعيد الوئام الديني الذي فقده؟

إن زيارة البابا الأخيرة إلى شبه الجزيرة العربية هي خطوة نحو إجابة هذا السؤال. فخلال إقامته في أبو ظبي، التقى البابا بمجلس حكماء المسلمين، وأجرى محادثات مع الدكتور أحمد الطيب، إمام الأزهر الكبير؛ ووقعا على وثيقة “الإخوة الإنسانية” لتعزيز التسامح والعلاقات بين الأديان. وفي أحد القداس الذي أقيم في مدينة أبوظبي، تجمع أكثر من 150،000 شخص من الإمارات وخارجها لحضور هذا الحدث الذي يمثل الوحدة الدينية في أبهى مظاهرها، حيث أُعيد نشر بذور التفاهم الديني، جوهرًا ومضمونًا.

ومع ذلك، لا تكفي الوعود وحدها لتغذية تلك البذور، فسيتطلب الأمر القبول بالآخرين وهو ما تجاهلته الأديان على مدار قرون مضت.

وتوضح الحكاية الأسطورية “الخواتم الثلاثة” ماهية وجهات النظر الدينية الاعتباطية والمنفصلة عن الواقع. وعندما سأل الزعيم والقائد المسلم صلاح الدين يهودي يدعى “ملكي زيدك” عن أي الديانات أفضل، هل هي اليهودية أم الإسلام أم المسيحية، أجاب “ملكي زيدك”بسرد قصة، قال فيها، “أنه في فترة ما، عاش هناك رجل ثري يمتلك خاتمًا لا يُقدر بثمن. ثم قال، “وكان هذا الحجر من الأوبال “الأحجار الكريمة”، وتشع منه مئات الألوان، غير أن قيمته الحقيقية تكمن في قدرته على جعل مرتديه محبوب عند الله والناس. وانتقل الخاتم من الأب إلى أحب الأبناء إليه والذي احتفظ به لأجيال عديدة، حتى أصبح مالك الخاتم أبًا وله ثلاثة أولاد، ولهم جميعًا نفس المحبة في قلب أبيهم.

وتابع “ملكي زيدك” حديثه قائلاً، “لم يستطع الأب تحديد الابن الأجدر بهذا الخاتم، ولهذا فوض الأب أحد الحرفيين المهرة لصناعة نسختين طبق الأصل من الخاتم الأصلي، ثم أعطى خاتمًا لكل ابن من أبنائه، واعتقد كلٌ منهم أنه وحده استحق الخاتم الأصلي والحقيقي.”

وتتشابه الأديان الحديثة في وجهات النظر التي تضمنتها قصة “الخواتم الثلاثة”، فإذا كان “نور” الدين هو السبيل لهداية الإنسانية إلى أرضية مشتركة بينهم، فمن الضرورة بمكان أن ينعم الجميع بخير هذا “النور”. ويمكننا البدء بمعالجة حالات عدم التسامح الخاصة بنا، وقبول الآخرين كما هم.

ريم تينا غزال، حصلت على جائزة أفضل صحفية، وفي العام 2003، اختيرت “ريم” ضمن أوائل السيدات في التراث العربي واللاتي أسندت إليهن مهمة تغطية مناطق الحروب في الشرق الأوسط.

AFP PHOTO/THOMAS COEX

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: