يرى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الرئيس الروسي فلاديمير بوتين “صديقًا عزيزًا”، حيث يتردد أن الأخير حذره من تخطيط بعض الوحدات داخل الجيش التركي للانقلاب عليه في عام 2016. أما بالنسبة للرئيس الروسي، فإنه يرى في أردوغان ” شريكًا قويًا جديرًا بالثقة” فهو لم يفرض أي عقوبات على موسكو بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.
وهناك الكثير من التساؤلات التي تفرض نفسها حول ما ينتظر الرئيس الروسي في حالة خروج الرئيس التركي أردوغان من السلطة في الانتخابات التي ستجري في 14 مايو. إلا أن إجابة هذه التساؤلات ليست قطعية. ففي حالة فوز زعيم المعارضة التركية كمال قلجدار أوغلى، قد يكون هناك تحول في العلاقات نحو أوروبا وابتعاد عن الخطابات المعادية للولايات المتحدة الأمريكية. لكن ليس من المحتمل أن يفرط في المميزات الجيوسياسية المكتسبة من العلاقات القوية مع روسيا وأن يكون له قاعدة في كلا المعسكرين الشرقي والغربي.
ويمتلك قلجدار أوغلى فرصة فعلية لإنهاء حكم أردوغان الذي استمر لمدة 20 عامًا. ومع اقتراب عملية الاقتراع، فليس من المستغرب أن تصف بعض وسائل الإعلام الغربية البارزة الانتخابات في تركيا بأنها “أهم انتخابات تجري في عام 2023”. ولا شك أن الكرملين يدرك تمامًا أن نتيجة تلك الانتخابات يمكن أن يكون لها تأثير كبير على العلاقات الروسية التركية.
وعلى الرغم من أن موسكو لا تتدخل بصورة مباشرة في الانتخابات التركية، إلا أن التطورات الأخيرة تشير إلى أن بوتين يدعم وبشكل غير مباشر “صديقه” أردوغان. فعلى سبيل المثال، في 3 مايو، أعلنت شركة الطاقة الروسية العملاقة غازبروم أنها سمحت لتركيا بتأجيل سداد مدفوعات الغاز الطبيعي الروسي حتى عام 2024. وهي الخطوة التي يمكن تفسيرها على أنها هدية بوتين لأردوغان قبل الانتخابات التاريخية.
وقبل ذلك، شارك الرئيسان فعليًا في المراسم التي أقيمت بمناسبة تحميل الوقود النووي في أول وحدة طاقة في محطة أكويو للطاقة النووية جنوب تركيا بتاريخ 28 أبريل ، والتي بنتها شركة روساتوم النووية الروسية. ومن المعروف أن المعارضة التركية تعارض بناء تلك المحطة، ويزعم أردوغان أنه إذا وصل خصومه إلى السلطة، فسيصبح انقطاع التيار الكهربائي أمرًا روتينيًا.
وهو يستخدم مثل هذا الخطاب لتبرير التعاون في مجال الطاقة مع الكرملين، وفي الوقت الذي يسعى فيه بوتين -المنعزل عن الغرب –إلى تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والزراعي مع تركيا. إلا أنه من غير المؤكد أن يستمر قلجدار أوغلى حال وصوله إلى السلطة في تعزيز مثل تلك العلاقات الاقتصادية مع روسيا.
ومن المرجح أن تستمر تركيا -في ظل قيادته – في العمل بصفتها وسيطًا لا غنى عنه بين روسيا ودول حلف شمال الأطلسي (الناتو)، مما يعني أن قلجدار أوغلى سيسعى للحفاظ على نهج أردوغان المتوازن فيما يتعلق بروسيا. الأمر الذي جعله يؤكد على أنه “لا يوجد سبب لتغيير العلاقات بين أنقرة وموسكو”. ومن ناحية أخرى، أكد أونال شفيكوز مستشاره للسياسة الخارجية، أنه في المفاوضات مع روسيا “من المؤكد أن تسعى تركيا بكل السبل من أجل علاقات متوازنة بين البلدين”.
وأكد قائلاً “ولكننا سنُذكر روسيا أيضًا بأن تركيا عضواً في حلف شمال الأطلسي (الناتو)”.
من وجهة النظر الروسية، والتي ترى أن التحركات التي يقوم بها أردوغان بين الغرب وموسكو مريحة ومناسبة للجميع. ولكن في حالة اتخذ قلجدار أوغلى توجهًا يُظهر فيه تأييدًا أكثر للغرب، فإن الكرملين في هذه الحالة سيفقد العدو الصديق المتغير حسب المواقف، وقد تؤدي هذه النتائج إلى عواقب وخيمة على الاقتصاد الروسي. ففي العام الماضي، تجاوز حجم التجارة المتبادلة بين البلدين 62 مليار دولار، وبينما يستهدف بوتين زيادة التعاون بين موسكو وأنقرة في مجال الطاقة وتحويل تركيا إلى مركز إقليمي للغاز. إلا أن اهتمام قلجدار أوغلى -الذي يرغب بدوره في إحياء محادثات عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي -بمشروع بوتين الجيوسياسي لا يزال غامضًا.
وبدأ وكأن أردوغان سيشن عمليات التوغل العسكرية في شمال سوريا قبيل الانتخابات، حيث يرى أن مثل هذه الأعمال ستساعده في الحصول على المزيد من الأصوات. ولكن منذ أن أعلن قلجدار أوغلى عن نيته عقد اتفاق مع الرئيس السوري بشار الأسد لإعادة أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ إلى سوريا، بدا أن أردوغان غير نهجه تجاه سوريا، فبدلاً من القيام بعمل عسكري آخر، يسعى الآن إلى تطبيع العلاقات مع الأسد المدعوم من روسيا.
واجتمع وزراء دفاع ورؤساء مخابرات كلا من تركيا وروسيا وسوريا وإيران في موسكو بتاريخ 25 أبريل، لإجراء محادثات حول مستقبل الدول العربية. علاوة على ذلك، قد يجتمع وزراء خارجية كلا من تركيا وسوريا وروسيا في موسكو في 10 مايو، قبيل الانتخابات التركية بأربعة أيام فقط، مما قد يشكل فرصة لأردوغان لإحراز انتصارًا وإن بدا صغيراً إلا أنه مهم للغاية في السياسة الخارجية قبيل الانتخابات.
لقد لعب أردوغان بالفعل دورًا مهمًا في مساعدة روسيا وأوكرانيا على إبرام صفقة الحبوب في البحر الأسود، وهي خطوة عززت مكانته بصفته وسيط في ذلك الصراع. وإن كان الأمر وليد الصدفة أم لا، فإنه من المقرر أن تنتهي الصفقة في تاريخ 18 مايو، بعد إجراء الانتخابات التركية بأربعة أيام فقط. وفي حال ذهب قلجدار أوغلى وأردوغان إلى جولة اقتراع ثانية، وهو الأمر الأكثر ترجيحًا، ووافقت روسيا على تمديد صفقة الحبوب، فمن الممكن أن يستخدم زعيم تركيا هذا الأمر لتصوير نفسه مرة أخرى على أنه وسيط لا غنى عنه. ولكن ولأن الأمور الاقتصادية، وليس السياسة الخارجية، هي التي تلقى الاهتمام الأكبر لدى الناخبين، فمن غير المرجح أن تساعد مثل هذه الإجراءات أردوغان على هزيمة منافسه.
ونظرًا لأن روسيا غير قادرة على منح أي قروض لتركيا، أو حتى الاستثمار في تركيا المنهكة اقتصاديًا جراء التضخم، فليس من المحتمل أن تؤثر أفعال بوتين الرمزية في دعم أردوغان بشكل كبير على نتيجة الانتخابات التركية. وفي حالة هزيمة أردوغان، فسوف يتعين على الكرملين التكيف مع الواقع الجيوسياسي الجديد الذي ستتخذ فيه القيادة التركية الجديدة موقفًا أكثر تأييدًا لأوروبا وخطابًا أقل عدائية للغرب ولأميركا بعكس ما كان عليه حال “صديق بوتين العزيز” في السنوات الماضية.
نيكولا ميكوفيتش محلل سياسي صربي. يرتكز أغلب عمله على السياسات الخارجية لروسيا وبيلاروسيا وأوكرانيا، مع اهتمام خاص بسياسات الطاقة وخطوط الأنابيب. @nikola_mikovic