بالنسبة لرئيس يمكن وصف سياسته الخارجية بأنها سياسة صفقات – فقد اعتاد التلويح بجداول المبيعات والاستثمارات العسكرية الخارجية خلال اجتماعاته مع قادة الدول الأخرى في البيت الأبيض – لم يتحدث دونالد ترامب كثيراً عن الطريقة التي سينهجها لإقناع حلفائه العرب بخطته لاستبدال القوات الأمريكية البالغ عددها 2000 جندي في شمال شرق سوريا بقوات عربية. وعلاوة على عيوبها الواضحة للعيان، قد تكلف خطة ترامب الولايات المتحدة الشيء الكثير: فقبل البدء في التفكير بتحويل مواردهم العسكرية إلى سوريا، يرجح أن يطلب حلفاء الولايات المتحدة في الخليج من ترامب تقديم دعم أكبر لوضع حد للصراع الدائر في اليمن.

وكان ترامب منذ أوائل شهر أبريل قد عبر عن رغبته في سحب القوات الأمريكية من سوريا، مردداً شعاره القائل إنه يجب على حلفاء أمريكا أن يتحملوا نصيباً أكبر من عبء تأمين المنطقة. ووفقاً لتقارير صحفية مختلفة، تتضمن خطة الرئيس الأمريكي طلب مساهمة حلفائه العرب بالقوات في شمال شرق سوريا، حيث نشرت الولايات المتحدة قواتها لدعم قوات سوريا الديمقراطية في معاركها ضد “داعش”. وفي 16 أبريل، أفادت صحيفة “وال ستريت جورنال” بأن مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون قد تواصل مع رئيس جهاز الاستخبارات المصري عباس كامل لتباحث إمكانية مساهمة مصرية في سوريا.

لكن خطة ترامب لا تخلو من العيوب الواضحة، أولها أنه من غير المحتمل أن تشارك مصر في أي قوة عربية، خاصة إذا كانت حكومة بشار الأسد ستعارض وجود مثل هذه القوة على الأراضي السورية. ففي مقابلة أجريت في نوفمبر 2016، عبر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن دعمه “للجيوش الوطنية” في المنطقة، بما في ذلك سوريا. وقد ظلت مصر طيلة مدة الصراع السوري تساند حكومة الأسد، حتى خلال الفترة الوجيزة التي وصلت فيها جماعة الإخوان المسلمين إلى السلطة.

وبالتالي يبقى أمام ترامب اللجوء إلى حلفائه العرب في الخليج، وبالأخص السعودية والإمارات. فبعد يوم واحد من صدور تقرير صحيفة “وال ستريت جورنال”، جدد وزير الخارجية السعودي عادل الجبير دعم بلاده لوجود عسكري عربي في سوريا، قائلاً إنه مقترح “تتناقش بصدده المملكة مع الولايات المتحدة، وذلك منذ اندلاع الأزمة السورية”. لكن الجبير سارع للإشارة إلى أن السعودية قد سبق لها أن عرضت المشاركة في تحالف أو وحدة عسكرية بقيادة الولايات المتحدة، موضحاً أن المملكة لم تكن تنوي تعويض القوات الأمريكية في سوريا، بل رغبت فقط في تعزيزها. إذن ولسوء حظ ترامب، لا يُرجح أن تسمح أي مساهمة عربية بانسحاب كامل للقوات الأمريكية من سوريا.

وبغض النظر عن عيوب المخطط، فإن القوات الخليجية مشغولة حالياً بالحملة العسكرية في اليمن، والتي تتصدر أولويات الأمن الوطني في دول الخليج. ففي مارس 2015، قام المسلحون الحوثيون المدعومون من إيران بالاستيلاء على العاصمة صنعاء، مجبرين الرئيس عبد ربه منصور هادي على الفرار إلى المنفى في عدن، والتي هددوا حينها باقتحامها. وفي استجابة لملتمس من هادي، قامت السعودية بتشكيل تحالف عسكري سعى خلال السنوات الثلاث الماضية لإعادة حكومة هادي المعترف بها دولياً وإنهاء سيطرة الحوثيين على بعض المناطق من البلاد.

لذا، ومع دخول الصراع اليمني سنته الرابعة، من المرجح أن تطلب الدول الخليجية مساعدة أكبر من الولايات المتحدة من أجل وضع حد له قبل أن يتسنى لها تحويل أي موارد نحو سوريا. ويقتصر الدعم الأمريكي حالياً على مشاركة المعلومات الاستخبارية وتوفير الصور الساتلية وتقديم الدعم اللوجستي بما في ذلك تزويد طائرات التحالف العربي بالوقود جواً. ويُتوقع أن تقوم الدول الخليجية بالتفاوض من أجل الحصول على غطاء سياسي أكبر وكذلك دعم استخباري ولوجستي استعداداً لتصعيد عسكري وشيك. هذا التصعيد، بقيادة العميد طارق صالح، نجل شقيق الرئيس السابق على عبد الله صالح، يسعى إلى انتزاع السيطرة على منطقة الساحل الغربي الاستراتيجية في اليمن من أيدي الحوثيين. كما يُحتمل أن تسعى الدول الخليجية إلى الحصول على الدعم من أجل فحص أكثر صرامة لحركة المرور عند الدخول لمينائي الحديدة والصليف البحريَّين ومطار صنعاء، وكذا المزيد من المساعدة في اعتراض شحنات الأسلحة الإيرانية. ففي نهاية المطاف، تعتقد كل من السعودية والإمارات أنه عن طريق تغيير التوازن العسكري على الميدان وتضييق النطاق على إمدادات الحوثيين من الأسلحة والصواريخ، يمكن جلب الحوثيين إلى طاولة المفاوضات، والتوصل بعد ذلك إلى تسوية سياسية تضمن انسحابهم وتجريدهم من السلاح.

إلا أن الولايات المتحدة كانت حتى هذه اللحظة مترددة في اعتناق استراتيجية التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن بشكل كامل. وفي جلسة للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ في 17 أبريل، زعم مسؤولون في وزارتي الخارجية والدفاع الأمريكيتين أن الحوثيين لم يحققوا أي تقدم في تنفيذ مطالب الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً منذ ثلاث سنوات قبل اندلاع القتال، إلا أن المسؤولين الأمريكيين رأوا أن وفاة الرئيس السابق صالح في ديسمبر من العام الماضي وتشتت حزب “مؤتمر الشعب العام” الذي كان يقوده من شأنهما أن يُعجِّلا بإمكانية التوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض. وهم يأملون أن تدمج هذه التسوية الحوثيين إلى جانب غيرهم من الفصائل اليمنية داخل نظام سياسي شامل.

ولكن احتمال التوصل إلى تسوية من هذا القبيل يبدو أضعف مع مرور الوقت، فقد تصاعد النزاع في الأسابيع الأخيرة بعد أن أطلق الحوثيون موجات من الصواريخ الباليستية على العاصمة السعودية الرياض. ورداً على ذلك، قام التحالف بقيادة السعودية بالقضاء على الزعيم الحوثي صالح الصماد الذي يحتل المرتبة الثانية في قائمة التحالف العربي لأبرز المطلوبين في اليمن. أضف إلى ذلك أن آخر التصريحات التي أدلى بها الحوثيون لا تبشر بالسلام، فقد شدد القائد الأعلى للحوثيين عبد المالك الحوثي في لقاء حواري مع الصحيفة اللبنانية “الأخبار” يوم 23 مارس أن هدفه هو تجميع ما يكفي من الصواريخ الباليستية ليصبح بإمكانه “ردع” المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وقد اتبع القائد الحوثي أساليب “حزب الله” من خلال اتخاذ نبرة إيديولوجية لا لبس فيها، رافضاً إمكانية نزع السلاح في ظل الظروف الراهنة ومعتبراً إياها “طلباً معادياً،” كما أنه تعهد بنشر المقاتلين اليمنيين ليقاتلوا إلى جانب “حزب الله” في لبنان في حال نشوب نزاع مع إسرائيل.

إن دول الخليج تواجه احتمال بقاء كيان دائم شبيه بـ “حزب الله” على طول الحدود السعودية الجنوبية، ولهذا فإنها تبدو عازمة على مواصلة حملتها العسكرية في اليمن بهدف إجبار الحوثيين على قبول تسوية تشمل انسحابهم ونزع السلاح منهم، لا سيما الصواريخ الباليستية والأسلحة الثقيلة، على النحو المحدد في قرار مجلس الأمن الأممي رقم 2216. أما بالنسبة للرئيس ترامب، فهذا يعني أن عليه أن يقرر ما إذا كان سيلقي بمزيد من الثقل وراء الهجوم الذي يوشك التحالف بقيادة السعودية على شنِّه على طول الساحل اليمني الغربي في محاولة لكسر شوكة الحوثيين، أملاً منه في أن يتحقق نشر القوات العربية في سوريا.

AFP PHOTO/MOHAMMED HUWAIS

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: