ترزح السجون الأردنية تحت ضغوط قلة الأماكن للمساجين، وارتفاع الجريمة، والقوانين التي تمهد الطريق للعقوبات بالحبس، مع وجود أكثر من 19,000 سجين في 18 مؤسسة مصممة لاستيعاب ما لا يزيد عن 13,300، وعليه فليس هذا هو الوقت المناسب ليُزج بأي شخص خلف القضبان في الأردن.

 

وأدى الاكتظاظ إلى العديد من المشاكل للسجناء وللحكومة أيضا، إن كلفة السجن باهظة جدا، حيث يكلف كل سجين الحكومة ما يقدر بنحو 1000 دولار شهريا لتغطية الغذاء والرعاية الصحية والأمن.

 

كما أنه غير إنساني، حيث تحدث السجناء عن عدم كفاية الخدمات الصحية، وسوء التهوية، وعدم جدوى الصرف الصحي، فضلا عن التوزيع غير السليم الذي يضع المجرمين من المستوى المنخفض إلى جانب المجرمين الخطرين.

 

وقال لي أحد الناشطين السياسيين مؤخرا بعد اعتقاله في شهر يناير لاحتجاجه على ارتفاع أسعار الوقود “كان الأمر مهينا لأنه لا يوجد فصل بين السجناء، وكنت مسجون مع تجار مخدرات ومجرمين آخرين”.

 

والسجون المكتظة ليست جديدة على الأردن، لكن الجديد هو شعور الحكومة بالحاجة العاجلة للتعامل مع هذه القضية، حيث أعلن وزير الداخلية مازن الفريح في شهر يناير عن خطط لبناء سجن جديد في الأزرق، شرق عمان، بتكلفة 70 مليون دينار (حوالي 100 مليون دولار) وبمجرد اكتماله، سيستوعب السجن 3000 سجين إضافي.

 

كما يجري العمل على مشاريع توسعة سجنين آخرين، وبدأت السلطات في تنفيذ تدابير غير عقابية – مثل الخدمة المجتمعية – لتقليل إجمالي عدد نزلاء السجون.

 

لكن في حين أن هذه الخطوات جديرة بالثناء، إلا أنه من غير المرجح أن تصبح السجون الأردنية أقل ازدحاما من دون حل متعدد الأوجه يعالج الأسباب الجذرية لاكتظاظ السجون.

 

وشكلت السرقات الصغيرة في عام 2021  ما يقرب من نصف جميع الجرائم في البلاد، في حين أن أقل من نصف في المئة من الجرائم كانت جرائم قتل، وفقا لبيانات الشرطة. ولكن على الرغم من الانخفاض العام في معدل الجريمة بين عامي 2012 و 2021، استمر عدد نزلاء السجون في البلاد في التضخم. وفي العام الماضي، صدمت سلسلة من جرائم العنف الأسري الشعب الأردني، وأرسلت الكثيرين إلى السجن، وتضمنت إحداها رجلا قتل ابنتيه الصغيرتين ودفنهما في فناء منزله الخلفي.

 

إن الظروف الاقتصادية الصعبة، وارتفاع مستوى تعاطي المخدرات، وقضايا الصحة العقلية تغذي الجرائم والاضطرابات الاجتماعية، وانتشر السخط العام والإحباط من التوجه الذي تسلكه البلاد ، خاصة بين الشباب.

 

ولكن هناك أيضا أسباب بيروقراطية لمشكلة السجون في البلاد: فالعديد من السجناء هم مجرمون من المستوى المنخفض ولا ينبغي أن يكونوا خلف القضبان على الإطلاق.

 

على سبيل المثال  جريمة الديون، حيث حُبس ما يقرب من 2,630 شخصا في عام 2019،   أي  حوالي 16 بالمائة من نزلاء السجون في الأردن، بسبب العجز عن سداد القروض أو الشيكات المرتجعة. وفي العام الماضي، كان ما لا يقل عن 148 ألف شخص مطلوبين بسبب ديون غير مدفوعة، وهي جرائم يعاقب عليها بالسجن.

 

ومع ذلك، بدلا من رفع مستوى المخالفات التي يسجن مرتكبها، فعل المسؤولون العكس حيث  أعلنت الحكومة في شهر يناير أن التخلف عن سداد قروض بقيمة 20 ألف دينار أو أكثر يعاقب عليه بالحبس،  وفي السابق، كان المبلغ 100,000 دينار.

 

والمشكلة الأخرى هي القوانين الغامضة التي تسمح للسلطات باحتجاز وسجن المواطنين الذين ينتقدون الحكومة والنظام السياسي، ويشير نشطاء حقوق الإنسان إلى قمع المعارضة كأحد الأسباب الرئيسية لاكتظاظ السجون.

 

على سبيل المثال، يتضمن قانون مكافحة الإرهاب لعام 2006 تعريفا واسعا للإرهاب وهو: “ارتكاب عمل يعرض سلامة وأمن المجتمع للخطر وينتهك النظام العام ويعكر صفو العلاقات مع دولة أجنبية”.

 

وعلى الرغم من القوانين التي تجرم احتجاز أي شخص لأكثر من 24 ساعة دون إذن من النيابة، يواصل المحافظون إصدار آلاف أوامر الاحتجاز الإداري بموجب قانون يسمح بالحبس الاحتياطي لمدة تصل إلى عام دون تهمة أو محاكمة، وفقا لتقرير وزارة الخارجية الأمريكية لعام 2022 حول حقوق الإنسان في الأردن. ويخضع حاليا ما يقرب من 1800 مواطن للحبس الاحتياطي.

 

وهناك حاجة إلى استراتيجية متعددة الأوجه لمعالجة هذه القضايا، ويجب تقييم القوانين الجنائية التي تمهد الطريق إلى السجن وإعادة النظر فيها، كما يجب أيضا تحسين برامج إعادة التأهيل. وأخبرني حسين الخزاهة وهو عالم الاجتماع في الجامعة الأردنية، أن المجرمين الذين يزج بهم في السجن أكثر من مرة يشكلون 39 في المائة من نزلاء السجون في البلاد، وهي نسبة مذهلة تشير إلى فشل جهود إعادة التأهيل.

 

وللتصدي لتكرار الجريمة وتسهيل إعادة الإدماج بعد الإفراج، على الحكومة تخصيص أموال لبرامج إعادة التأهيل الفعالة التي تراعي الظروف الاجتماعية والنفسية والاقتصادية للسجناء.

 

وقال عبد الله الناصر، وهو المؤسس والمدير الإداري لمركز الرعاية اللاحقة للسجناء المفرج عنهم (إدماج) ” إن النجاح بعد السجن ممكن، خاصة مع توفر الدعم المناسب، حيث يمكن للسجناء السابقين تحقيق النجاح في حياتهم المهنية”  ويعمل الناصر مع شركات القطاع الخاص لتسهيل العثور على عمل للأشخاص الموقوفين بسبب جرائم بسيطة بعد الإفراج عنهم.

 

ولمعالجة الاكتظاظ في السجون الأردنية، يتوجب على الحكومة العمل يد بيد  مع منظمات حقوق الإنسان ومؤسسات المجتمع المدني لتحقيق التوازن بين الحاجة إلى الأمن والعدالة وحماية الحقوق الفردية والحريات المدنية.

 

ولتجنب الجريمة قبل وقوعها، ينبغي على الحكومة أيضا إعطاء الأولوية للإنفاق على الرعاية الاجتماعية، وتلبية احتياجات المحرومين والاستثمار في برامج الصحة والتعليم والتنمية؛ ومحاربة البطالة والفقر.

 

إن بناء سجون جديدة لن يحل مشكلة اكتظاظ السجون في الأردن، إذا كان المسؤولون في عمان يريدون حقا تخفيف العبء على الدولة، فعليهم معالجة المسببات التي تضع بعض الناس خلف القضبان، وليس التركيز فقط على ما يحدث بمجرد وصولهم السجن.

 

 

سهى معاية صحفية مقيمة في عمان، الأردن. تم نشر أعمالها في السياسة الخارجية و سي تي سي ستيل، كما أنها تنشرت تقارير صحفية في وول ستريت جورنال ولها منشورات أخرى عن الأردن وجنوب سوريا.

 

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: