يعتقد العلماء أن الزلزال الكبير التالي الذي سيضرب اسطنبول قد تأخر عن موعده وأن السؤال هو متى سيضرب وليس هل سيضرب.

 

وقد أرسل الزلزال المدمر الذي بلغت قوته 7.8 درجة والذي ضرب جنوب تركيا، وقتل عشرات الآلاف وأثر على الملايين في أوائل شهر فبراير، رسالة تذكير إلى سكان إسطنبول بأنهم قد يكونون الضحية التالية.

 

وفضلاً عن غياب الاستعداد للزلازل والحكومة التي تبدو عاجزة عن الاستجابة المناسبة، هناك قضية ضعف الموثوقية الهيكلية لمباني المدينة، وعليه، فليس من المستغرب أن المدينة التي يبلغ عدد سكانها 15 مليون نسمة، وذات الكثافة السكانية العالية والتي تقع على خط صدع شمال الأناضول، يطغى عليها القلق.

 

وأعرب 81 في المئة من المشاركين في الاستطلاع الذي أجرته شركة إبسوس مؤخرا عن قلقهم من احتمال وقوع زلزال في المنطقة، وقال 40 في المئة إن الزلازل هي المشكلة الأكثر إلحاحا في تركيا.

 

وفي حين أن المخاوف منتشرة على نطاق واسع، لكن يبدو أن الحلول الفورية ضئيلة، حيث اضطر العديد من سكان المدينة من ذوي الدخل المنخفض والمتوسط إلى الاختيار بين الإيجارات المرتفعة للغاية أو المباني غير المقاومة للزلازل.

 

وقطاع البناء هو العمود الفقري للاقتصاد التركي وهو قطاع يعتمد عليه حزب العدالة والتنمية الحاكم بشدة منذ وصوله إلى السلطة في عام 2002، وأعطت إدارة الرئيس رجب طيب أردوغان الضوء الأخضر للعديد من مشاريع البناء، وبحلول عام 2020، شكل القطاع  5.4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي الوطني ووظف 1.5 مليون شخص.

 

وبين عامي 2000 و 2018 ، زادت مواقع البناء سبعة أضعاف في مدينة اسطنبول فقط.

 

وفي حين أن التوسع العمراني هو أمر جيد بشكل عام، لكن كيفية نمو قطاع البناء تثير القلق، حيث فقدت اسطنبول 10 في المائة من غاباتها بسبب المشاريع الحضرية في السنوات ال 18 الماضية، وفي الوقت نفسه، تم تخصيص 78 منطقة للبناء والتشييد والتي كانت مخصصة للتجمع العام بعد وقوع الزلازل.

 

وبسبب الإفراط في البناء وخصخصة المساحات الخضراء، يفتقر 67 في المئة من سكان المدينة إلى المساحات المفتوحة للتجمع بعد وقوع الزلازل. وقد حققت الحكومة 85 مليار دولار من مشاريع المبيعات والبناء تلك، وبتلك الأموال، يمكن لحكومة حزب العدالة والتنمية أن تجعل إسطنبول مقاومة للزلازل أربع مرات، ومع ذلك لم يتم فعل أي شيء.

 

ومن بين 1.16 مليون مبنى في اسطنبول اليوم، تم بناء حوالي 800000 بعد عام 2000، ولكن سيكون من الخطأ افتراض أن تلك المباني الجديدة تلبي المعايير العالمية لتحمل الزلازل بقوة 7.8 درجة.

 

وحتى المباني التي تم اعتمادها على إنها مقاومة للزلازل انهارت في كارثة شهر فبراير، والتي كان مركزها في مدينة (كهرمانماراس) وتسببت في دمار في 11 مدينة، ومن الأمثلة المأساوية على ذلك مجمع (رينوسونس ريزيدانس) في مدينة هاتاي، وهو مجمع مباني فاخر به فندق و249 وحدة سكنية، والذي انهار كليا، مما أسفر عن مقتل 750 من السكان.

 

ومن غير الواضح عدد المباني في اسطنبول التي ستواجه نفس المصير، وهناك أسئلة مثل: هل قامت شركات المقاولات بتزوير المستندات؟ وهل استخدموا مواد بناء ذات جودة متدنية؟ هناك أيضا مسألة المباني التي حصلت على ما يسمى بالعفو عن تقسيم المناطق، والتي سمحت لأصحاب العقارات بتجنب المتطلبات عن طريق دفع الرسوم والضرائب.  ولسوء الحظ، فإن المعلومات حول تلك الأسئلة غير موثوق بها بسبب الفساد المستشري داخل القطاع.

 

وقال مخطط المدينة ورئيس المجلس التنفيذي لمكتب غرفة المخططين الحضريين في إسطنبول السيد  “طيفون كهرمان”  إنه يعتقد أن 20 في المائة من المباني ستكون غير صالحة للاستخدام بعد أن يضرب الزلزال اسطنبول، مما سيؤثر على 3 ملايين شخص، ووفقا لبلدية إسطنبول، يعيش 10000 من السكان في 318 مبنى على وشك الانهيار حتى من دون زلزال، وهناك 1,525 مبنى إضافيا معرضا للخطر، ولازال الناس يعيشون بها.

 

ويخشى العديد من الذين يعيشون في مساكن معرضة للخطر من التقدم بطلب للحصول على “فحص مقاومة الزلازل” خوفا من أن يضطروا إلى الانتقال ودفع إيجارات مرتفعة.

 

على سبيل المثال، ارتفع متوسط الإيجار في منطقة كاديكوي في اسطنبول – وهي منطقة معرضة للزلازل – من 4000 ليرة قبل خمس سنوات إلى 30000 ليرة، وإذا اعتبر المبنى غير سليم من الناحية الهيكلية، يجب على السكان إخلائه في غضون 90 يوما للسماح بالهدم، ويتلقى الذين تم إخلاؤهم 1,500 ليرة شهريا من الحكومة لمدة 18 شهرا، وهو مبلغ ضئيل بالنظر إلى ارتفاع تكاليف المعيشة في المدينة.

 

وعلاوة على ذلك، فإن فحوصات البناء هذه تستغرق وقتا طويلا وهي مكلفة لأصحاب العقارات، وكان المستأجرون ممنوعين من التقدم بطلب لتفتيش مقاومة الزلازل، لكن بلدية إسطنبول فتحت تلك الخدمة، اعتبارا من 20 فبراير،  حيث تم تقديم 40000 طلب.

 

لا يزال لدى الحكومة الوقت للاستعداد، ويمكن أن يُستخدم “سيناريو الزلازل” على غرار ما يجري في ولاية كاليفورنيا الأمريكية، حيث يتم تدريب للجهات الحكومية وتوفير خطط للاستعداد لزلزال مدمر. وتفتقر خطة بلدية إسطنبول للاستعداد للزلازل لعام 2019 إلى تلك الفكرة، حيث تحدد النتيجة المحتملة للزلزال، ولكنها لا تجهز المواطنين له.

 

على سبيل المثال، ما الذي يحتاجه موظفي الطوارئ لتحديد الأولويات؟ حيث يجب أن تكون هناك خطة أكثر وضوحا، وفي زلزال شهر فبراير كان معظم المسعفين من اسطنبول، ولكن كم عدد المواطنين من خارج مدينة اسطنبول والذين تلقوا تدريبا على الاسعاف سيكونون قادرين على مد يد العون في اسطنبول؟ فالنظر إلى أن إسطنبول تمثل 35 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لتركيا، ينبغي إعطاء قيمة أكبر لمثل ذلك السيناريو المحتمل.

 

وقالت الأستاذة في جامعة كورنيل “جوديث هوبارد“، إن هناك فرصة بنسبة 30 إلى 70 في المئة لحدوث زلزال في أي مكان في بحر مرمرة في أي وقت خلال السنوات ال 140 المقبلة.

 

ومن الطبيعي الشعور بالذعر، بناء على آثار الزلزال الأكثر تدميرا في تركيا.

 

إن البنية التحتية في اسطنبول غير مستعدة للزلزال، ولا حتى الحكومة، لقد حان الوقت لنكون حذرين وواقعيين، بدلا من دفن رؤوسنا في الرمال.

 

 

ألكسندرا دي كرامر: صحفية مقيمة في اسطنبول، وكتبت عن الربيع العربي من بيروت كمراسلة لصحيفة ميليت في الشرق الأوسط. تتراوح أعمالها من الشؤون الجارية إلى القضايا الثقافة، وقد ظهرت في مونكول  و كارير ماقزين و مايسون فرنشايز وأخبار الفن في اسطنبول.

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: