قُتل أحد أفراد قوات النظام السوري في محافظة درعا جنوب غرب سوريا في 18 يوليو، وعلى عكس الحوادث ذات الدوافع السياسية التي ابتليت بها المنطقة، اختلف ذلك الهجوم عن غيره لأن الضحية كان معروفا في المقام الأول بتورطه في الاتجار بالمخدرات وتوزيعها.
ويشير هجومان مماثلان وقعا في الشهر الماضي إلى أن ذلك الاغتيال لم يكن حدثا فرديا، والواقع أن هناك طفرة في الاغتيالات المتصلة بالمخدرات منذ بداية العام، مما أضاف بعدا جديدا للعنف المستمر في المقاطعة.
وأضاف الصمت من جانب الأطراف المعنية المزيد من الضبابية على الصورة، مما جعل من الصعب تحديد من المسؤول، وتكشف المحادثات مع المصادر المحلية عن تصميم متزايد داخل المجتمع السوري وليس من جانب النظام، على تحدي تجارة المخدرات. ولكن عمليات القتل المستهدف هذه وحدها لن تكون كافية للقضاء على الأنشطة المتعلقة بالمخدرات التي انتشرت واستفحلت في جنوب سوريا.
ووفقا لتقارير وسائل الإعلام المحلية، شهدت درعا 22 محاولة اغتيال منذ بداية العام، ووقعت أول عملية قتل في شهر فبراير، تلتها حادثتا إطلاق نار مماثلتان في شهر مارس، وشهد شهر أبريل منعطفا خطيرا، حيث وقعت تسع هجمات مستهدفة، وباستثناء الضربات الأخيرة، لا يزال توزيع عمليات القتل المتبقية غير واضح.
واختلفت الهجمات في أساليبها، من استهداف التجار أثناء التنقل إلى دخول المساكن بالقوة وإطلاق النار من قرب.
ولم تستهدف الاغتيالات المدنيين المتورطين في تجارة المخدرات فحسب، بل استهدفت أيضا أعضاء الميليشيات الموالية للنظام المنخرطين في أنشطة غير مشروعة. وأخبرتني مصادر محلية أن الأهداف شملت مقاتلين تابعين لمختلف الهيئات العسكرية الحكومية والأجهزة الأمنية، بما في ذلك الجيش والقوات الجوية والمخابرات الحكومية، والفرقة الرابعة مدرع، التي يقودها ماهر الأسد، شقيق الرئيس. وكان قائد ميليشيا مرتبط بالمخابرات العسكرية والمتورط في تهريب المخدرات “فايز الراضي” من بين أبرز الشخصيات التي قتلت.
وفي حادثة واحدة على الأقل، أصيبت منشأة خاصة بالمخدرات ومرتبطة بالميليشيات المدعومة من إيران، والتي قيل أنها كانت تستخدم لتصنيع وتنسيق عمليات تهريب المخدرات إلى الأردن والخليج، وقد تعرضت المنشأة الواقعة بجوار قرية زيزون للقصف بثلاث قذائف آر بي جي في وقت سابق من هذا العام.
وتربط مصادر محلية تلك الاغتيالات بتزايد إحباط الناس من تجارة المخدرات، حيث يشعر السكان بقلق متزايد بشأن سلامة أسرهم، كما يخافون من ارتفاع مستوى الأنشطة الإجرامية والعنف المدفوع بالإدمان، وكثيرا ما يستشهد بقصص عن المخدرات التي يسهل الوصول إليها، في الشوارع وحتى في المدارس.
ومما يزيد من حدة الغضب الشعبي عدم بذل جهود من الجانب الحكومي لإنهاء تلك الأنشطة الاجرامية، وعلى الرغم من الوعود الكثيرة، لم يتخذ النظام إجراءات مهمة للحد من انتشار المخدرات، بل إن شبكات المخدرات البارزة تتمتع بالحماية من الأجهزة الأمنية والعسكرية للنظام. ولا يزال ذلك التعاون، المدفوع بدوافع مالية وسياسية، قائما على الرغم من أن الدول العربية المجاورة جعلت من اتخاذ إجراءات صارمة ضد تجارة المخدرات شرطا رئيسيا للجهود الأخيرة لاستعادة العلاقات مع نظام بشار الأسد.
وأصبحت سوريا أكبر منتج في العالم للأمفيتامين “الكبتاغون” في ذروة الحرب الأهلية، مما جلب مليارات الدولارات من الإيرادات، وتدفقت الحبوب إلى دول مثل الأردن والمملكة العربية السعودية، وتريد تلك الدول الآن رؤية تجفيف منابع المخدرات. وتعد محافظة درعا مركز لإنتاج الكبتاغون وتهريبه بفضل حدودها الطويلة مع الأردن.
وبدأ وكلاء السلطة السوريون المحليون العمل هذا الربيع، بعد أن تم توجيه سهام النقد لهم لعدم قيامهم بما يكفي لمنع تجار المخدرات من بيع بضاعتهم، والجدير بالذكر أن اللواء الثامن، المؤلف أساسا من مقاتلي المعارضة السابقين الذين يعملون الآن تحت مظلة النظام، أطلق حملة لمكافحة المخدرات في المنطقة الشرقية من درعا في شهر مارس.
لكن سرعان ما فقدت تلك الحملة زخمها، وتكهن البعض بأن ضغوط النظام أجبرت اللواء الثامن على تهدئة الحملة، ورأى آخرون، مستشهدين بعدم اتخاذ إجراءات ضد تجار المخدرات البارزين مثل عماد زريق، زعيم ميليشيا تابع للمخابرات العسكرية، أن الحملة ذريعة مقنعة لتصفية الحسابات مع القادة أو مجموعات الميليشيات.
وقد دفع تسامح السلطات الواضح مع تجارة المخدرات السكان المحليين إلى تولي زمام الأمور بأنفسهم، ولدى الكثير في درعا الأسلحة والمهارات اللازمة لاستخدامها، وخاصة أولئك الذين شاركوا في أنشطة عسكرية في الماضي.
ومع ذلك، مع أن فكرة أن السكان المحليين أخذوا زمام المبادرة بأنفسهم هي فكرة منطقية وتفسر بعض عمليات القتل، إلا أنها لا تفسر جميع تلك العمليات.
قد يكون تجار المخدرات المنافسون، ولا سيما أولئك الذين تقاتلوا في السابق حول النفوذ أو الأراضي، كما يمكن أن تكون جماعات المعارضة المسلحة السابقة التابعة حاليا للنظام وراء عمليات القتل. وستكون عمليات الكر والفر، بدلا من المواجهة المباشرة، إحدى الطرق لمعالجة المخاوف المحلية من دون تنفير النظام.
وأخيرا، لا يمكن استبعاد تورط داعش، وبدرجة أقل، الجماعات التابعة لهيئة تحرير الشام.
إن القوة والأرباح التي خلقتها تجارة المخدرات في درعا جعلت التجار لا يهابون المخاطر، وهم مسلحون وواثقون من أنفسهم، ويواصلون الاتجار غير المشروع، غير مبالين بالمخاطر التي تنطوي عليها. وفي حين أن الاغتيالات الأخيرة قد تبدو وكأنها محاولات خارج نطاق القضاء للقضاء على آفة مجتمعية، إلا أن الواقع أكثر تعقيدا ولا يضيف سوى طبقة أخرى من الاضطرابات في منطقة تشهد الكثير والكثير من العنف.
الدكتور حايد حايد هو كاتب عمود سوري وزميل مشارك استشاري في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاتام هاوس.
تويتر: @HaidHaid22