شب حريق يوم السابع من شهر يونيو في المستودعات الرئيسية لتخزين صناديق الاقتراع بمدينة الصدر ببغداد. وضاعف ذلك من أزمة عملية الاقتراع التي كانت تمر بمنعطف خطير. وكل ذلك عكس صورة حية للعثرات والزلات المصاحبة للعملية الانتخابية في العراق.وتبع ذلك الحريق تصويت في البرلمان لتعديل قانون الانتخابات و المطالبة باعادة فرز وعد الاصوات يدوياً. كما ابطل المشرعون الاصوات القادمة من خارج العراق فضلاً عن انواع اخرى من الاصوات المثيرة للشك، جاء ذلك في خضم ازمة ثقة في النظام السياسي القائم.

وقد عُقدت الانتخابات البرلمانية الثانيةعشر وسط اجواء من انعدام الثقة في الاحزاب السياسية، والذي أدى بدورة إلى مشاركة متدنية في الانتخابات وصلت إلى 44 % أي اقل بنسة الربع مقارنة بالانتخابات السابقة.وافضت نتائج الانتخابات إلى فوزغير متوقع و بالاكثرية لتحالف سائرون،الذي يحضى بشعبية والمدعوم من قبل مقتضى الصدر، وبينما جائت بعض ال 54 مقعداً التي فاز بها سائرون بفضل زيادة في الأصوات في بعض المقاطعات للصدريين أو لحُلفائهم من الاحزام العلمانية. إلا أن فوز الصدر بالاغلبية العضمى جاء بفضل قاعدته لعام 2014 في خضم المقاطعة الشاملة للانتخابات.وقد ضاعف من تردي المشهد السياسي في العراق الخلافات المشينة التي نشبت بسبب تهم التزوير عقب يوم الاقتراع.

ومما يثير السخرية، هو التصويت الذي اجراه البرلمان في شهر سبتمبر الماضي لإختيار تسعة اعضاء جدد من رجال الساسه للعمل في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات العراقية عوضاً عن اختيار خبراء مهنيون في الانتخابات والذي ظهر للعيان كمسرحية هزلية، خاصة بعد أن تم تجميد انشطة المفوضية بتاريخ السادس من يونيو، عقب ذلك تم تسليم الادوار المناطه باعضائها إلى رجال القضاء.و مما يضاعف من هزلية المشهد، هو كون الاصوات تم جمعها وسط معارضة الصدر، وبعد فوز الاخير قام بالاعتراض على استبدال المفوضية العليا المستقلة للانتخابات العراقية برجال القضاء. بالرغم من أن ذلك هو بعينه ما اقترحه على البرلمان والذي قابل اقتراحه بالرفض.

لطالما كانت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات تدار من قبل اشخاص ذو ميول وتحيزات سياسية، إلى درجة أن المفوضية لم تعرف الحياد كون جميع التكتلات الحزبية الرئيسه كان لها ممثلين في تلك المفوضية لمعرفة ما يجري في دهاليزها ولمراقبة التكتلات السياسة الاخرى. لم يسبق أن شهدت الموضية انشقاقاً بين اعضائها، ولكن في 16 مايو حدث ذلك الانشقاق حيث قام مفوض حزب المعارضة الكردي سعيد كاكاي من حزب “كوران” بالحديث أمام مؤتمر صحفي، صرح فيه بوجود اختلالات كبرى في سير العملية الانتخابية. وبعد ذلك عقد اربعة اعضاء من المفوضية مؤتمر صحفي معارض فندوا وانتقدوا فيه سعيد كاكاي واتهموه بتقويض دعائم المفوضية واستقلاليتها، كما زعموا ان مقولاته كانت بفضل التهديدات التي تلقاها من طرف “حزب ما” وتلك إشارة مبطنة لحزب كوران.

و بعد ذلك، وفي تاريخ 19 مايو قام السيد كادي بسكب المزيد من الزيت على النار المشتعلة من خلال الظهور على شاشة احدى القنوات السنية ذائعة الصيت “الشرقية” متحدثاً عن القضية من جانب تفصيلي، حيث أشار إلى بيانات تعكس تناقض بين اجمالي عدد الأصوات المعلن عنه على مستوى المقاطعات مقارنة بسجلات في ذاكرة رقمية مخزنة لكل مقاطعة، مع وجود تباين واختلاف واضح في محافظتي الأنبار والمناطق الكردية.ومزاعم التزوير الخاصة بالتوزيع الجغرافي صعبة التفنيد، خاصة إذا وضعنا في عين الاعتبار أن المسوؤلين الكرديين المحليون الذين يعملون في المفوضينة العليا المستقلة للانتخابات العراقية هم اعضاء في الاحزاب الرئيسية، إما في حزب الاكرد الديمقراطي أو في حزب الوحدة الوطنية الكردي، والموالين لهم من قوى الأمن لديهم سيطرة كاملة على مناطق الاقتراع.

أما الأنبار، فجزء كبير من الاقتراع تم على الاراضي الاردنية، وفي مدن حزب جمال الكربي الهال. والذي يتقلد حاليا منصب قيادي، وقد زعم أن الكربولي اشترى المسؤولين العراقيين المسؤولين عن الاصوات هناك. وفي المقابل، ليس من السهل تصديق مزاعم التزوير الخاصة بالمحافظات التي تقطنها الاغلبية الشيعية والتي نال فيها التحالف نصيب اقل.

وقد ظفر المشككون بالانتخابات بتأييد كبير بعد أن اعلن رئيس الوزراء حيدر العبادي بأن تحقيق من قبل مجلس الوزراء قد أماط الثام عن مشكلات عدة والتي تعد ” أكثر خطورة مما ضننا سابقاً” ولكنه القى باللوم على عملية عد الاصوات. وعقب ذلك قام مجلس الوزراء بالغاء جميع الاصوات من خارج الدولة والاصوات من مخيم النازحين، فضلاً عن المطالبة بعد الاصوات باليد لما لا يقل عن نسبة 5 في المئة من اجمالي الاصوات في البلد. كما أشار البادي أنه قام بتسليم التقرير للبرلمان لإخذ القرار المناسب.

وعليه، عقد البرلمان العراقي جلسته في السادس من مايو لإجراء تصويت تاريخي حول مشروع قرار والذي لم يقتصر فقط على الغاء اصوات المشار اليها في قرار مجلس الوزراء بل تجاوز ذلك الى المطالبة بفرز وعد يدوي لجميع الاصوات في كافة محافظات العراق. كما ابطل اصوات القوى الامنية في المناطق الكردية. خاصة بعد أن أشار باصابع الاتهام الى الاحزاب المهيمنة بممارسة ضغوطاً على القوى الأمنية للتصويت لهم. وبالاضافة إلى ذلك، لم يشير مشروع القانون إلى القيادة الحالية للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات العراقية بل قام مشروع القانون بتعيين رجال من السلك القضائي من المجلس العالي للقضاء للإشراف على عملية عد الاصوات. وعلى التو رد المجلس العالي للقضاء بانه سيلتزم بالتوجيهات وانتقل لإدارة المفوضية العليا المستقلة للانتخابات العراقية.

وهكذا يعود بنا الحديث إلى الحريق الذي اندلع في مخازن صناديق الاقتراع، والذي زاد الطين بلة وشكل منزلق اخر امام العملية الانتخابية، بالرغم من أنه ربما لم يؤثر أثرا بالغ في الانتخابات بعينها. وقد صرح رئيس المفوضية العليا المستقلة للانتخابات العراقية معن الهيتاوي أن جميع صناديق الاقتراع في مخازن مدينة الصدرقد تم نسخها الكترونياً، وأن هناك نسخة الكترونية في مراكز المفوضية العليا المستقلة للانتخابات. كما أن هناك سجل بجميع الاصوات، وبالرغم من ذلك، يدعو السيد سليم الجبري وهو الخاسر الاكبر في الانتخابات إلى الغاء الانتخابات واعادة اجراءها مرة اخرى، في ردة فعل منه على الحريق المشتعل. وفي الاخير يبدوا أن مخلفات انقاض الحريق الذي عصف بمخازين صناديق الاقتراع قد يعكس صورة شبيه لما آلت اليه العملية الانتخابية العراقية والتي تقف عارية في مهب الريح.

AFP PHOTO/SABAH ARAR

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: