ظهر المزيد من التقارب بين الموقف الصيني وموقف دول رئيسية في الشرق الأوسط مع دخول الحرب في أوكرانيا شهرها الثالث، وبناء على شعورهم الجماعي بالإحباط من الولايات المتحدة، فقد وجدت الصين نفسها غالبا في نفس الخندق مع شركاؤها في الشرق الأوسط فيما يتعلق بالصراع الدائر في أوكرانيا.
والدليل على تلك المواقف المتوافقة موجود في سجلات التصويت لثلاثة قرارات صادرة عن الأمم المتحدة، ففي 26 فبراير صوت مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على قرار يطالب موسكو بوقف هجومها على أوكرانيا على الفور وسحب جميع قواتها، وامتنع ثلاثة أعضاء من مجلس الأمن عن التصويت، وهم الصين والهند والإمارات العربية المتحدة.
وصوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة في تاريخ 2 مارس، أي بعد بعد مضي أقل من أسبوع، على اقتراح يدعو إلى إنهاء فوري للأعمال العدائية، وفي ذلك التصويت، كانت الصين وإيران والعراق من بين 35 دولة امتنعت عن التصويت.
تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 7 أبريل قرارًا بتعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان، وهذه المرة، امتنعت قائمة أكبر بكثير من دول الشرق الأوسط عن التصويت، بما في ذلك مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والأردن وقطر والكويت والعراق، وكانت الصين وإيران وسوريا من بين الذين صوتوا ضد القرار.
وتكشف محصلة الأرقام في الأمم المتحدة عن حقيقة مثيرة للحيرة، وهي أنه حتى في الوقت الذي يدين فيه الكثير من العالم الأعمال العدائية لروسيا في أوكرانيا، فقد أدت الحرب إلى خلق المزيد من القواسم المشتركة بين الصين والشرق الأوسط تجاه مواقف مختلفة.
وقامت بعض القواسم المشتركة على منافع ذاتية على سبيل المثال، كان دعم مقعد روسيا في مجلس حقوق الإنسان قائماً على الهاجس المشترك حول الأحداث السابقة، وكيف يمكن الحكم على سجلات تلك الدول في مجال حقوق الإنسان في المستقبل. والخطوات الأخرى، مثل امتناع الإمارات عن التصويت لقرار مجلس الأمن الدولي الداعي إلى إنهاء القتال، حيث كان ذلك الامتناع قائماً على انزعاج دولة الإمارات من عدم تصنيف واشنطن لجماعة الحوثيين كإرهابيين على الرغم من هجومهم على مصفاة نفط في أبوظبي في تاريخ 17 يناير.
وبينما تحافظ روسيا على علاقاتها ونفوذها في الشرق الأوسط وفي الصين، وذلك من خلال العلاقات التاريخية والاستثمارات والمزايا (بالإضافة إلى امتعاضهم المشترك تجاه بعض سلوكيات الدول الغربية) لكن الانقسامات بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط هي التي مهدت الطريق للتقارب ما بين دول الخليج والصين.
وقد تكون محصلة ذلك التوافق بين كلا الجانبين كبيرة، فقد ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال في شهر مارس أن المملكة العربية السعودية تفاوضت مع الصين بشأن رغبة بكين في شراء النفط بالعملة الرسمية الصينية “رنمينبي”، وهو طلب تدرسه المملكة على ما يبدو لأسباب اقتصادية وسياسية. وقد صلت العلاقات الأمريكية السعودية إلى أدنى مستوياتها منذ عقد من الزمان، ويعود الفضل في ذلك إلى مخاوف واشنطن من السياسة الداخلية السعودية وانتهاكات حقوق الإنسان، لا سيما حادث اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي عام 2018، وإذا حدثت صفقة العملة الصينية رنمينبي، فقد يشكل ذلك تحديًا كبيرًا لوضع الدولار كعملة تجارية عالمية.
كما أضافت الحرب في أوكرانيا مستوى أخرى من حالة الغموض والشك في علاقة واشنطن بالشرق الأوسط، فإدارة بايدن منقسمة على نفسها ما بين التركيز على منطقة المحيطين الهندي والهادئ ودور أمريكا في المسرح الأوروبي، وبين الصين الصاعدة وروسيا المحاربة. وهذا يضع الولايات المتحدة في مأزق: فهل لديها الموارد والإرادة السياسية للبقاء منخرطة بشكل كامل في الشرق الأوسط؟ فإذا كانت الإجابة بـ”لا”، فستواجه المنطقة حالة من عدم وضوح الرؤية وسط فراغ محتمل للسلطة.
ولا توجد دولة في وضع أفضل لملء ذلك الفراغ من الصين، حتى لو كانت بكين تحسب خطواتها بكل عناية، فقد عززت الأخيرة انخراطها في الشرق الأوسط منذ عقد من الزمان، وتحسنت وتيرة العلاقات الدبلوماسية بصورة لافتة، حيث زار وزير الخارجية الصيني الشرق الأوسط مرتين في عام 2021، وتوقف في تسع دول، ناهيك عن استضافت الصين للأمين العام لمجلس التعاون الخليجي وكذلك وزراء خارجية المملكة العربية السعودية والبحرين والكويت وعمان وتركيا.
ولا تعتبر أوكرانيا هي القضية الوحيدة التي عززت دور الصين في الشرق الأوسط، فقد لعب الوباء دور كبير من خلال السماح لها بنشر اللقاحات الصينية، فمنذ عام 2020، تم إعطاء ملايين الجرعات من سينوفارم الصيني في المنطقة، كما بحثت بكين بشغف عن فرص لتعزيز دورها في حل النزاعات الإقليمية، وقدمت مقترحات بصورة منتظمة للتوصل إلى السلام في سوريا وإيران، وقد لا ترغب الصين بعد في أن تحل محل الولايات المتحدة كمزود رئيسي للأمن في الشرق الأوسط، لكنها تجني ما زرعه الأخرون بينما تحاول توسيع دائرة نفوذها.
قد يكون ذلك هو أهم الدروس المستفادة التي يمكن للمرء تعلمها من أحداث الشهرين الماضيين، ففي حين أن الحرب في أوكرانيا لم تخلق تقاربًا كاملاً بين الصين والشرق الأوسط، إلا أنها سرعت من دوران عجلة كانت تدور في ذلك المسار، ومع انشغال الولايات المتحدة بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ وأوروبا، ومع العلاقات الثنائية المتوترة بين الولايات المتحدة وحلفائها الرئيسيين في الشرق الأوسط، فإن ديناميكيات القوة العظمى في المنطقة تتغير في ظل الصراع الدائر في أوكرانيا، وعندما تصفو الأجواء السياسية، يمكن أن تكون بكين هي الرابح الأخير، وليس واشنطن.
يون صن هو مدير برنامج الصين والمدير المشارك لبرنامج شرق آسيا في مركز ستيمسون بواشنطن العاصمة.