اجتمع مسؤولون سياسيون وأمنيون كبار من إسرائيل والسلطة الفلسطينية ومصر والأردن والولايات المتحدة في شرم الشيخ في 19 مارس، لمناقشة العنف المتصاعد في إسرائيل والضفة الغربية. وعقدت جلسة مماثلة في العقبة، بناء على طلب الأردن قبل ثلاثة أسابيع.

 

وعقدت تلك الاجتماعات وسط مخاوف من أن يؤدي قرب الاحتفالات الدينية الإسلامية واليهودية والمسيحية في الشهر المقبل إلى إثارة موجة أكبر من العنف، خاصة مع مقتل ما يقرب من 90 فلسطينيا و14 إسرائيليا منذ بداية العام.

 

وكوني قمت بدور التفاوض على وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس في غزة، فيمكنني القول بأن خفض التصعيد لن يكون فعالا ما لم يقترن بخطط للتعامل مع الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للأزمة. ويجب التعامل مع المخاوف المشروعة في إطار مشترك يشجع على تحاشي الوقوع في الهاوية، وعندها فقط يمكن خفض التصعيد بصورة ثابتة، مما يخلق المساحة اللازمة للحل السياسي.

 

وتوفرت النية والرغبة في مفاوضات العقبة، واتفقت كل من إسرائيل والسلطة الفلسطينية على الامتناع مؤقتا عن اتخاذ إجراءات أحادية الجانب والتي قد تؤدي إلى تفاقم الوضع. والذي يعني وقف الجهود الدبلوماسية الفلسطينية في هيئات الأمم المتحدة، ويعني التزام إسرائيل بوقف المناقشات حول الوحدات الاستيطانية الجديدة لمدة أربعة أشهر ووقف تصاريح المناطق الاستيطانية لمدة ستة أشهر.

 

وقد نمت وتوسعت الاتفاقات التي تم التوصل إليها في شرم الشيخ بناء على تلك التدابير الأولية، حيث لا تشمل الآن دعوات لوقف التصعيد فحسب، بل تحدد أيضا إطارا للعمل، وإذا ما تم تنفيذ النقاط الثلاث التالية من بيان شرم الشيخ، فإنها يمكن أن تكون بمثابة نقطة انطلاق حاسمة لإحراز تقدم.

 

أولا، لابد أن يتبع الاتفاق على إنشاء آلية لتعزيز الاقتصاد الفلسطيني التنفيذ السريع للعديد من المشاريع القديمة التي طالبت بها الولايات المتحدة. وتتراوح تلك المبادرات بين تمديد ساعات عمل معبر اللنبي لتعزيز التجارة الفلسطينية عبر الأردن، وتحسين خدمات الهاتف المحمول (4G)، والمستودعات الجمركية، وإيصالات ضريبة القيمة المضافة الإلكترونية.

 

وسيستفيد الاقتصادان الإسرائيلي والفلسطيني على المدى الطويل من تحديث وتجديد الاتفاقيات الاقتصادية الموقعة كجزء من إطار أوسلو، والمعروف أيضا باسم بروتوكول باريس.

 

وسيتعين أيضا الاتفاق على ترتيبات تجارية جديدة تشمل المعابر والمناطق الجمركية والمستودعات، إن إزالة القيود غير الجمركية والعقبات التي تعترض حركة البضائع الفلسطينية وسد العديد من التسربات المالية التي ظهرت على مر السنين ليست سوى بعض التدابير الهامة التي يمكن اتخاذها.

 

ثانيا، إن البند الوارد في البيان والذي ينص على “تعزيز الوضع المالي بشكل كبير” للسلطة الفلسطينية ينطوي على أهمية كبيرة. حيث واجهت السلطة الفلسطينية أزمة مالية لا هوادة فيها بسبب مزيج من العوامل المحلية والخارجية، مما حد بشدة من قدرة الحكومة على اقتراض الأموال، والاستثمار في التنمية، وفي نهاية المطاف عجزت عن دفع الرواتب.

 

وفي حين أن هذه الإصلاحات ستعالج خفض رواتب الموظفين في القطاع الحكومي، والتسرب المالي، والفساد، وعدم الكفاءة، فإن الأولوية العاجلة هي منع الانهيار المالي للسلطة الفلسطينية، وهو الأمر الذي من شأنه خلق بطالة لعشرات الآلاف وزيادة التوترات في جميع أنحاء الضفة الغربية. ويمكن تحقيق ذلك من خلال طريقتين، الأولى: قيام إسرائيل بتسهيل منح أو تقديم قروض للسلطة الفلسطينية، مدعومة بإيراداتها الضريبية المستقبلية، ومن خلال تخفيض رسوم المناولة في معبر اللنبي.

 

بالإضافة إلى ذلك، يجب على الحكومة الفلسطينية إصلاح نظام دفع أجور السجناء المثير للجدل، والذي يواجه تدقيقا متزايدا من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ويعد ذلك هاما لاسترجاع بعض دخلها الضريبي، المحتجز حاليا بموجب القانون الإسرائيلي، والتمويل الأمريكي المحتمل المحتجز بموجب قانون تايلور فورس. وعلى الرغم من أن هذه الخطوات صعبة وستواجه مقاومة من الدوائر المحلية الكبيرة، إلا أنها ضرورية وطال انتظارها.

 

ثالثا، يدعو بيان شرم الشيخ إلى إنشاء آلية مشتركة لمواجهة العنف والتحريض والتصريحات والإجراءات التحريضية، بغض النظر عما إذا تم إنشاء آلية رسمية أو اجتمع الطرفان بشكل غير رسمي، فمن الضروري أن تبدأ المحادثات لمناقشة تلك المواضيع.

 

وينبغي أن يكون التركيز المباشر لأي مناقشة ذا شقين، حيث ينبغي أن يركز الشق الأول من المحادثات على تعزيز التنسيق الأمني وتمكين قوات الأمن الفلسطينية من الاضطلاع بواجباتها ومسؤولياتها بفعالية في مناطق عملياتها، ولا سيما في المنطقة “أ” من الضفة الغربية، التي تقع تحت سيطرتها الأمنية، ومن شأن ذلك التخفيف من حاجة إسرائيل إلى اتخاذ إجراءات أحادية الجانب وتقويض سيطرة السلطة الفلسطينية على تلك المناطق.

 

ولكن مثل هذه الخطوة صعبة بالنسبة لقوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية، لأنها مترددة في العمل في أماكن مثل جنين ونابلس بسبب المخاوف من رد فعل شعبي.

 

ومن ناحية أخرى، يمكن أن يساعد تحسين التنسيق والاتصال في الحالات الحرجة في التخفيف من حدة البيانات والإجراءات التحريضية من جميع الأطراف المعنية، ولدى الولايات المتحدة ومصر والأردن القدرة على لعب دور مهم في تسهيل مثل هذا الحوار.

 

ولا يزال من غير المؤكد ما إذا كان الزخم الإيجابي الذي تولد في لقائي العقبة وشرم الشيخ يمكن أن يسفر عن نتائج ملموسة ويتحمل الضغوط المفروضة عليه، وهي الضغوط القادمة من الأيام المقدسة المتزامنة مع رمضان وعيد الفصح اليهودي وعيد القيامة المسيحي، والتي تقع جميعها في شهر أبريل، أو القادمة من جانب المتطرفين الذين يعتزمون التصعيد.

 

ومع ذلك، فإن التحدي الحقيقي يكمن في تنفيذ الخطوات المتفق عليها خلال الاجتماعات، وهذا لا يتطلب أحداثا دولية رفيعة المستوى، بل يتطلب جهودا دؤوبة في الاتصالات اليومية وتفاهما متبادلا حيث أنه بدون مثل تلك التدابير، ستستمر التوترات في التصاعد، وقد يخرج الوضع بسرعة عن السيطرة.

 

ولا يزال تنفيذ كل تلك التدابير أو بعضها خاضع لعنصر الزمن،  ولكن بالنظر إلى اللجنة الرباعية للشرق الأوسط التي لم تعد موجودة الآن، والتي وحدت الولايات المتحدة سابقا مع روسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة لمعالجة مثل تلك القضايا، فمن المطمئن أن واشنطن تتعامل مع مصر والأردن في شكل جديد يجمع الإسرائيليين والفلسطينيين معا.

 

قد تعترض المسيرة الكثير من العقبات، لكن الخطوة الأولى على الطريق نحو الحل السياسي هي أن يتفق المسؤولون الأمنيون الإسرائيليون والفلسطينيون على أنه بدون تنسيق مشترك، فإن الأزمة الحالية ستتفاقم.

 

 

نيكولاي ملادينوف هو المدير العام لأكاديمية أنور قرقاش الدبلوماسية في أبو ظبي وزميل زائر متميز في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.

 تويتر @nmladenov

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: