أثارت التنبؤات حول نهاية البشرية على أيدي البرمجيات المتفوقة فكريا دعوات لفرض قيود على تطوير الذكاء الاصطناعي.

 

وخلق جيفري هينتون، وهو رائد الذكاء الاصطناعي، ضجيج مؤخرا عندما حذر من أن ابتكاره قد يهدد البشرية يوما ما – خاصة إذا تعلمت الأنظمة الذكاء الاصطناعي كتابة وتشغيل التعليمات البرمجية الخاصة بها (الروبوتات القاتلة، أي انسان؟). وحذرت رسالة مفتوحة موقعة من إيلون ماسك من طرف شركة تسلا وستيف وزنياك من شركة أبل من أن الذكاء الاصطناعي المتقدم قد يضع العقول البشرية على الرف.

 

وإذا كان كل ذلك صحيحا، فكيف يمكن للبشرية الاستعداد، ونحن بالنسبة للذكاء الاصطناعي عبارة عن أضرار جانبية محتملة في هذا الصراع القادم؟

 

وفي “فن الحرب”، لاحظ الخبير الاستراتيجي والفيلسوف العسكري الصيني صن تزو أنه للفوز في المعركة يجب على المرء أن يعرف نفسه وكذلك يعرف عدوه. ولكن في الحرب القادمة مع الذكاء الاصطناعي، قد يكون من المهم بنفس القدر فهم ما يعرفه الذكاء الاصطناعي عنا – وكيف يمكن التأثير على تلك المعرفة.

 

والكثير من قوة الذكاء الاصطناعي تأتي مما نعطيه له من معلومات، حيث يستخدم عمالقة وسائل التواصل الاجتماعي مثل “فيسبوك” و “انستقرام” و “توتر” الذكاء الاصطناعي، بناء على نقراتنا وإبداءات الإعجاب والمشاهدات، لإنتاج صورة لعاداتنا وتفضيلات الشراء واهتماماتنا. ويغذي الذكاء الاصطناعي ما نراه على الإنترنت، لكن رؤيته تتغذى على ما نفعله نحن. وتدعو منظمات مثل مؤسسة Panoptykon، في بولندا ، وجمعية النهوض بالذكاء الاصطناعي ، إلى قوانين تحمي الناس من الذكاء الاصطناعي المتطفلة والآثار الاجتماعية التي قد تتولد عنها.

 

ومن المؤكد أن هناك الكثير من التطبيقات المفيدة للذكاء الاصطناعي، حيث أحدث الأخير ثورة في أبحاث السرطان، وفي مجال التنبؤ بالطقس، وتطوير المواد، وحتى تسليم البريد. ومن الثلاجات الذكية إلى إشارات المرور، أصبح الذكاء الاصطناعي بالفعل جزء من حياتنا بطرق نادرا ما نراها، ومع ذلك، عندما يخبرنا الأشخاص الذين ابتكروا تكنولوجيا  الذكاء الاصطناعي أن علينا التيقظ والانتباه، فيجب علينا السماع إلى نصحهم.

 

وكوني اتحلى بالفضول وأحب معرفة ما يعرفه “عدوي” عني، فقد قضيت بضعة أيام في الدردشة مع الذكاء الاصطناعي حول “شخصي أنا”، وبدأت محادثتنا على الفيسبوك.

 

ويجمع “فيسبوك” كميات هائلة من البيانات عن مستخدميه، وقد تعرض لانتقادات بسبب قيامه بذلك، ووافقت شركة “ميتا”، التي تمتلك المنصة، مؤخرا على دفع 725 مليون دولار كعقوبة لمشاركة بيانات المستخدمين من دون ترخيص. ولحسن الحظ، تسهل المنصة أيضا الحصول على البيانات التي تخزنها. وببضع نقرات، سيقدم “فيسبوك” للمستخدمين سجلا لكل رد فعل وتعليق ورسالة مرسلة وبحث تم إجراؤه. حتى أنه يسهل مجموعة من الموضوعات التي حددها الذكاء الاصطناعي على أنها “اهتمامات إعلانات” للمستخدمين، بناء على طبيعة النشاط. هذه الكلمات الرئيسية هي في الأساس ملف رقمي لمن يعتقد “فيسبوك” أنه المستخدم أو المستهلك القابع وراء المفاتيح التي يمكن لفيسبوك الاستفادة منه ماليا.

 

ومع نقاط البيانات تلك، مثل “المهرجانات الموسيقية” و “التزلج على الجليد” – لجأت إلى الذكاء الاصطناعي chatbot  وChatGPT للمساعدة في فهم على فيسبوك. وبعد توصيل 105 موضوعات إعلانية تم إنشاؤها بواسطة النظام الأساسي في شريط البحث، طلبت من ChatGPT أن يخبرني عمن أكون، وكانت النتيجة مثل صورة ضبابية، مع أوضح وحدات البكسل في الجوانب.

 

وبناء على تلك الصورة فأنا أعيش “في فيلادلفيا، بنسلفانيا (خطأ) ، وأحب استكشاف عالم الفنون والموسيقى (يعتمد على من هو الفنان ).” وأنا من عشاق كرة السلة (خطأ – فكرة القدم والبيسبول هي رياضتي) واحب الاستماع إلى راديو بي بي سي (أنا احب الراديو المحلي) ولدي حتى “عدد قليل من الأوشام من “انك ماستر” و انك ماجازين” (خطأ في كلا التوقعات، فأنا أكره الوخز بالإبر).

 

ولكي نكون منصفين، لخص “تشات جي بي تي” بشكل صحيح أنني صحفي، وقد زرت عالم والت ديزني (عندما كنت في الثامنة من عمري)، واستمتعت بسباق الماراثون، بما في ذلك ماراثون لندن (لست متأكدا من أن كلمة “استمتع” هي الكلمة الصحيحة. لكن البرنامج فشل في مكان آخر: حيث أني لا ألعب التنس، ولست من محبي هوكي الجليد، ولم ادرس القانون، وليس لدي وشم “ممتن جدا” (حتى الآن). بشكل عام، كان “تشات جي بي تي” دقيقا بنسبة 50 بالمائة في تصويره الرقمي.

 

وكررت نفس النشاط على “انستقرام” مما أسفر عن نتائج ضبابية مماثلة.

 

وأخيرا، عندما سألت “تشات جي بي تي” مباشرة، “ماذا تعرف عن الصحفي جريج سي برونو؟” حتى هذا لم يكن مقنعا. بينما قال الروبوت إنني صحفي (وهو ما أخبرته به)، فقد حدد بشكل غير صحيح المكان الذي ا (قوم فيه بنشر اعمالي، نعم لصحيفة نيويورك تايمز، لا لصحيفة وول ستريت جورنال) والأماكن التي كتبت منها (أفغانستان، لا – تونس، نعم).

 

لم يصب “تشات جي بي تي” حتى في عنوان أو موضوع كتابي، والذي وفقا لقوقل، تمت الإشارة إليه أكثر من 4000 مرة (وهو ليس من أكثر الكتب مبيعا، ولكنه ليس مختبئا تماما أيضا). وبدلا من “بركات من بكين: داخل حرب القوة الناعمة الصينية على التبت”، يبدو أنني مؤلف كتاب “بركات من بغداد: كيف أنقذت مهمة أمريكية سرية للحلفاء في الحرب العالمية الثانية”، والذي يروي “قصة غير معروفة عن عملية أمريكية سرية ساعدت في تحويل مجرى الحرب في الشرق الأوسط”. هذا الكتاب غير موجود، وخلقة الذكاء الاصطناعي من العدم.

 

وهناك “حقيقة” واحدة أشار إليها “تشات جي تي بي” ولن اختلف معه حولها: “جريج سي برونو صحفي وكاتب متمرس ساهم بشكل كبير في مجال الصحافة الدولية”، أنا أشعر بالإطراء والفخر.

 

ولكن قد تكون المجاملة خدعة، وكما تنبأ صن تزو، “عندما يتم إرسال المبعوثين مثقلين بالاطراء والمديح، فهذه علامة على أن العدو يرغب في هدنة”. وفي كفاحنا من أجل مستقبل البشرية وسط البرمجيات التي من المتوقع أن تصبح أكثر قوة منا، ربما تكون الهدنة هي أفضل ما يمكن الوصول إليه.

 

جريج سي برونو هو مؤلف كتاب “بركات من بكين: داخل حرب القوة الناعمة الصينية على التبت”، وكان عضوا لفترة طويلة في مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك ومحرر رأي سابق في ” ذا ناشونال” في أبو ظبي و “مشروع سندكيشن” في براغ.

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: