يعتقد المبعوث الأمريكي الخاص بإيران روبرت مالي أن هناك حل واحد فقط لحل الأزمة العالمية مع إيران، ويتمثل ذلك الحل في التوقف عن إقصاء طهران وتعزيز اقتصادها، وذلك من شأنه تحفيز النظام الإسلامي على الاستمرار في الاتفاق النووي. وبالنسبة لروبرت مالي، فقد فشلت العقوبات التي فرضت على إيران وخيار الحرب هو خيار غير وارد، ويعتقد أن أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة، مثل الصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار القابلة للتفجير والميليشيات الإرهابية، ليست مشاكل على أمريكا التعامل معها، ويجب حلها بشكل مستقل عن المحادثات النووية ومن خلال المفاوضات بين إيران وخصومها الإقليميين. ولكن خطة روبرت مالي، مليئة بالثغرات التي تجعل دبلوماسيته تبدو وكأنها أيديولوجية وتيار فكري، وقد عرض وجهات نظره قبل وقت قصير من عودة الولايات المتحدة إلى المفاوضات مع إيران في فيينا الأسبوع المقبل في مسعى لإعادة الحياة إلى الاتفاق النووي المبرم في عام 2015، وسيكون ذلك الرأي مبعث قلق كبير خاصة لحلفاء أمريكا في المنطقة.

وقد قال روبرت مالي في حوار المنامة السنوي، الذي ينظمه المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS)، إن “الرفع الكامل للعقوبات وما ترتب عليها من عوائد اقتصادية هو حافز كاف لطهران للعودة والتمسك بالاتفاق النووي”. ويكمن الخلل في تلك الجدلية في أن الاتفاق، المعروفة أيضًا باسم خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، له موعد نهائي وتاريخ انتهاء، مما يحرر إيران من القيود ويضع برنامجها النووي تحت رقابة مفتشي الأمم المتحدة. وبناء على التجارب الماضية، فلطالما كان مفتشو الأمم المتحدة بلا حول ولا قوة، وفشلوا في اكتشاف أو منع أو وقف الانتشار النووي في أماكن مثل كوريا الشمالية، وحتى في إيران إلى الآن، ولا تعد سياسة الترغيب والتحفيز كافية لثني طهران عن طموحاتها النووية.

ويجادل روبرت مالي قائلاً “إن السبب في معظم المشاكل التي تواجهها المنطقة يعود لإقصاء إيران”. ومثل روبرت مالي هناك من يتبنون نهج الخلاص من مخلفات الاستعمار في بلدان مثل إيران، ولكن هؤلاء أخفقوا دائمًا في تحميل المسؤولية لتلك الدول المارقة في مقابل اقترفته من أخطاء، وقد انتهكت إيران، على سبيل المثال، القانون الدولي في عام 1979 باقتحام السفارة الأمريكية مما أدى إلى قطع العلاقات معها، وقام النظام الجديد، في ذلك الوقت، بفعل الشيء نفسه مع السفارة الإسرائيلية.

ولم يتعلم النظام الإيراني الدرس، ففي عام 2016 أرسل عصاباته لإحراق السفارة السعودية في طهران والقنصلية في مشهد، مما دفع السعودية إلى قطع علاقاتها معه، وجدير بالذكر إن معظم الحالات التي قطعت الدول فيها علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، كان الفضل يعود لطهران التي لعبت دور الجاني، ومع ذلك، يلقي روبرت مالي ومن معه من المناهضين للحقبة الاستعمار باللوم على بقية دول العالم بخصوص عُزلة إيران.

ولإثبات وجهة نظره، والتي مفادها أن الحوافز هي الحل الوحيد مع إيران، قال روبرت مالي، “لقد جربنا البديل” لتعزيز الاقتصاد الإيراني من خلال “الانسحاب من الاتفاق النووي وممارسة أقصى قدر من الضغط على إيران”. وأضاف قائلاً: “هل توصلنا إلى نتائج ملموسة؟” الجواب لا.

لكن هناك خلط للأوراق، فقد تجاهل روبرت مالي الإشارة إلى أنه بعد أن قتل الرئيس الامريكي السابق دونالد ترامب قائد الميليشيات الإيرانية قاسم سليماني وفرض سياسة “أعلى مستويات الضغط ” على إيران، تراجعت طهران ولم تقم بالتصعيد إلا في صباح اليوم التالي لهزيمة ترامب في الانتخابات الرئاسية أمام جو بايدن. فالضغط الأقصى على إيران لم يفشل، وحوافز روبرت مالي تشجع إيران على طلب المزيد، وعلى الافلات من العقاب عند عدم التزامها بما هو متوجب عليها.

وأخيرًا، عندما قال روبرت مالي: “إننا لا نتفاوض على أي شيء آخر غير الملف النووي في محادثات فيينا، لأن أنشطة إيران في المنطقة هي من اهتمامات دول مجلس التعاون الخليجي وإسرائيل وغيرها”، فقد عكس بمقولته صورة للمنطقة خالية من التواجد الأمريكي، لكن أمريكا لم تغادر قبل اعطاء النظام الإيراني ما يكفي من الاموال لتقوية شوكته وليواصل مهاجمة دول مجلس التعاون الخليجي وإسرائيل.

وقد صمم الرئيس السابق باراك أوباما سياسته الإيرانية على المبدأ المعروف بـ “الثواب والعقاب”. فإذا توقفت إيران عن السعي لامتلاك أسلحة نووية وأنهت سلوكها المزعزع للاستقرار في المنطقة، فإن أمريكا والعالم سترفع العقوبات وترحب بالنظام، والعلاقات الأكثر دفئا تبني ثقة متبادلة مع إيران، وهو الأمر الذي من شأنه المساعدة في حل المشاكل الأخرى غير المرتبطة بالملف النووي.

ومع ذلك، لم يخطر ببال أوباما أبدًا أن إيران لم تعتبر سلوكها المزعزع لاستقرار المنطقة بالمشكلة، لكنها اعتبرت ذلك دائمًا سببًا لوجودها. بل إن إيران هي التي كانت تأمل أن يتم قبول سلوكها الفوضوي من قبل أوباما وأصدقاء طهران العالميين الجدد كتعبير شرعي عن المصالح الوطنية.

وقد بالغ روبرت مالي، الذي كان أحد مهندسي اتفاق أوباما النووي، وتجاوز من سبقه، وأولئك الذين قرأوا كتاباته وأصدقائه الذي يماثلونه في التفكير يعرفون أن الأولوية القصوى له هي إزالة الاستعمار، ولذلك السبب يلوم الآخرين دائمًا على الأخطاء التي ترتكبها إيران، لكنه لا يلوم إيران أبدًا، وأيا كانت السياسة التي ينتهجها المبعوث الأمريكي الخاص تجاه إيران، فتلك لا تعد دبلوماسية، بل هي أيديولوجيا أو توجه فكري.

وربما ينبغي على روبرت مالي تذكر المبادئ الأساسية، حيث إنه أحيانا لا يمكن إيقاف القوى الغاشمة إلا من قبل قوة أكبر منها، وأن مبدأ الثواب والعقاب قد أثبت جدارته وقادر على تغيير حسابات الكثير من الحكومات، حتى الأنظمة ذات النزعة الدينية وغير الواقعية مثل النظام الذي يحكم من طهران.

 

حسين عبد الحسين هو زميل باحث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في العاصمة واشنطن.

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: