قدم رئيس الوزراء اللبناني المكلف، سعد الحريري، إلى رئيس الدولة ميشال عون”التشكيلة الوزارية” وقد تم فيها تخصيص المقاعد الوزارية بما يعكس حجم الكتل البرلمانية. ورغم ذلك، رفض الرئيس عون تلك التشكيلة، وعوضًا عن ذلك، أعلن عن نيته في “إرسال خطاب” إلى البرلمان اللبناني ليطلب منه التصويت على عزل رفيق الحريري، فإذا ما صوت البرلمان بعزل الحريري، فسيشكل هذا الأمر سابقة دستورية، غير أن ما يبدو وكأنه خلاف على عدة مقاعد وزارية هو في حقيقة الأمر انعكاس لجهود الرئيس عون ومن خلفه “حزب الله” لتغيير الدستور اللبناني تغييرًا جذريًا لصيغته المعدلة في اتفاق الطائف في العام 1990 والعودة بالدستور إلى تلك الأيام التي يسيطر فيها الرئيس، بدلاً من مجلس الوزراء، على مقاليد السلطة التنفيذية.
وقال مكرم رباح، المحاضر في التاريخ بالجامعة الأمريكية في بيروت، إن “عون” وحزب الله لم يوافقا مطلقًا على تعديلات اتفاق الطائف، والذي ينقل صلاحيات الرئيس إلى مجلس الوزراء ويجعل من المجلس هيئة تنفيذية جامعة”. وأضاف مكرم قائلاً، “من المفارقات أن الرئيس “عون” عندما أدى اليمين الدستورية لشغل منصبه في العام 2016، فإنه أقسم على حماية الدستور الذي يسعى لتقويضه والعودة به إلى ما قبل اتفاقية الطائف”.
والحقيقة أنه كلما كان عون أقوى، كانت لبنان أضعف، لأن عون يستمد قوته من مساندة حزب الله له، ومن هنا فإن عون يستمد قوته بتكلفة باهظة: تقويض السيادة اللبنانية بالطريقة التي تتوافق مع حزب الله.”
ورغم أن إعادة التفاوض بشأن الدستور بالطريقة التي تلغي اتفاق الطائف هو الهدف الأسمى لكلٍ من الرئيس اللبناني عون وحزب الله، فتبقى الخطوة التالية محل خلاف بين الحليفين، حيث يرغب الرئيس اللبناني عون في إعادة الدستور إلى صيغته التي عليها قبل العام 1990، بينما يعتقد حزب الله أن أي تغيير قد يؤدي إلى الاعتراف بالحقائق الديمغرافية المعاصرة ويلزم معه تقسيم الدولة إلى ثلاث طوائف وهي المسيحية والشيعة والسنة – بدلاً من التقسيم الحالي بين المسيحيين وجميع المسلمين.
وقد رحب أنصار الرئيس عون بفكرة تقليص حصة المسيحيين في الدولة من النصف إلى الثلث نظير استعادة صلاحياته الرئاسية. ويأمل العونيون أن يصبح صهر الرئيس عون، وزير الخارجية جبران باسيل، الرئيس القادم للبلاد، ومن ثم يمكنهم رسم سياستهم على مدار ست سنوات، وهي المدة التي تعادل فترة رئاسية واحدة.
ورغم ذلك، ولسوء حظ أنصار الرئيس عون، فإن الكنيسة المارونية من المشرعين غير العونيين مثل القوات اللبنانية، وهي تعارض التعديلات التي طرحها عون وحزب الله. ويمكن لتلك المجموعات والمشرعون المؤيدون للحريري وغيرهم من الكتل السياسية مثل زعيم الدروز وليد جنبلاط أن تعمل معًا لضمان عدم حصول عون وحزب الله مطلقًا على أغلبية الثلثين وهي النسبة اللازمة لتمرير أي تعديل دستوري.
ونظرًا لاستحالة إجراء تعديل دستوري، كان الرئيس عون يحاول أن يصل بالامتيازات الرئاسية داخل الدستور الحالي إلى أقصى حد لها، كما يحاول عون أيضًا إبرام عدد من “الاتفاقيات” والتي من شأنها أن تعزز سلطته على أمل أن يمتد ذلك إلى زوج ابنته من بعده.
وفي الفترة التي كان فيها اللبنانيون منقسمون بين تحالفين، وهما تحالف “8 آذار” المدعوم من حزب الله وتحالف “14 آذار” المناهض لحزب الله، انتخبت البلاد قائدًا للجيش اللبناني وهو ميشال سليمان كرئيس “توافقي”. وعندما اختلف تحالف “8 آذار” و”14 آذار” على من سيحصل على “الحقائب الوزارية السيادية”، كوزارات الداخلية والدفاع، فقد انتهت ثمة تسوية الى احقية الرئيس سليمان بهاتين الوزارتين، ومن هنا أصبحت الحقائب الوزارية تُعرف بـ”حصة الرئيس”، ولأن الرئيس “عون” يرى أن سليمان منافسًا له آنذاك، فإنه يعارض مفهوم “حصة الرئيس”.
ولكن بما أنعون هو الرئيس، فإنه يصر على حصته الرئاسية في الوزارة بعيدًا عن كتلة باسيل. وإذا ما تم التوصل إلى هذه الاتفاقية، فمن المفترض أن يكون للرئيس اللبناني “عون” صلاحيات رئاسية متزايدة وهو ما يناقض الفكرة التي تم بموجبها اتفاق الطائف.
يقترن طلب عون بحملة التنمر التي شنتها وسائل الإعلام التابعة له وحزب الله ضد الحريري.. وفي الوقت الذي عرقل فيه الرئيس عون وحزب الله تشكيل الوزارة، فقد ألقيا باللوم على الحريري وحذراه من التداعيات الوخيمة جراء ترك البلاد دون مجلس وزراء، كما هدد عون وحزب الله بعزل الحريري إذا فشل في تشكيل الوزارة في أقرب وقت.
وتلك هي أقصى الصلاحيات الدستورية المكفولة للرئيس اللبناني عون. ونقلاً عن علي مراد، أستاذ القانون بجامعة بيروت العربية، لا يمكن لـعون فعل أي شيء لإجبار الحريري على تشكيل الوزارة. وأضاف مراد قائلاً “إن المادة “54” من الدستور بصيغته المعدلة في اتفاق الطائف واضحة”، وهي “لا يوقع الرئيس إلا على مرسومين مستقلين، أحدهما لتعيين رئيس الوزراء، والآخر لقبول استقالة الوزارة”. وتحتاج جميع القوانين الأخرى إلى توقيع الرئيس ورئيس الوزراء.”
وأضاف مراد قائلاً “لا يمكن لـعون إجبار الحريري على أي شيء”، ولا يستطيع عون سحب تعيين الحريري أو عزله، ويدل هذا على أن الحريري غير مرتبط بمدة زمنية لتشكيل الوزارة.
ووفقًا لما ذكره مراد، يستطيع الرئيس اللبناني، رغم كل ذلك، عرقلة تشكيل الوزارة من خلال رفض التوقيع على مرسوم التشكيل الوزاري بجانب توقيع الحريري، وهو الأمر المطلوب دستوريًا. غير أن تعطيل التشكيل الوزاري من الناحية السياسة له تأثيره السيئ على الرئيس، ولذلك فإن من مصلحة الرئيس “عون” الإسراع في تشكيل الوزارة، غير أنه ما زال يحاول إجبار الحريري على تشكيل وزارة تمنح “باسيل”، إذا أصبح رئيسًا، المزيد من الصلاحيات.
ولاعتقادهم أن المسيحيين حلفائهم الطبيعيين، يرغب حزب الله الشيعي من الرئيس عون أن يكون له الغلبة على الحريري السني، ويتم ذلك أساسًا عن طريق إعداد سوابق جديدة في مفهوم “حصة الرئيس.” ومن وجهة نظر حزب الله، طالما أن تلك السوابق غير منصوص عليها في الدستور فمن الممكن العدول عنها إذا ما تحالف الحزب في وقت ما في المستقبل مع السنة ضد المسيحيين. ورغم كل هذا، لا يعنينا الوصف الأيديولوجي الذي يصف به حزب الله نفسه، لأن حزب الله معروف بقراراته السياسية المتعجلة، فضلاً عن تغيير مواقفه السابقة مثل تمديد ولاية الرئيس الأسبق “إميل لحود” بأغلبية برلمانية، ولكنه أصر فيما بعد على تشكيل وزارة وحدة وطنية.
إن عرقلة التشكيل الوزاري من جانب حزب الله والرئيس اللبناني ميشال عون قد تكون أعمق من مجرد خلاف على عدد من المقاعد الوزارية، لكن هذا العمق لا يضاهي بالتأكيد تغيير الدستور بالطريقة التي لا تضمن سيطرة الحزب في المستقبل. وفي ظل وجود دستور أم لا، فإن الواقع في لبنان هو أنه ستظل الدولة وجميع السياسيين متعاونين مع سلطة حزب الله تلك القوة غير التابعة للدولة وتمارس نشاطها في الخفاء.

AFP PHOTO/STRINGER

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: