سعى القائم بأعمال وزير خارجية طالبان “أمير خان متقي” في العاشر من شهر يناير، إلى طمأنة جيران بلاده بأن الحكومة الأفغانية الجديدة ملتزمة بالسلام، وقال في رسالة مصورة ” لا نسعى لتقويض دعائم الأمن أو خلق مشاكل أخرى لأي شخص، ويمكن للجميع المجيئ إلى هنا والعيش بحرية.”

وبالرغم من الكلام المعسول، فإن السياسة الخارجية لطالبان، إذا كان يمكن تسميتها بـ “السياسة”، قد فشلت حتى الآن في كسب المؤيدين، حتى من أقرب حليفة لها، وهي باكستان، إلى الدول الصديقة الأخرى المحيطة بها مثل إيران والصين ودول آسيا الوسطى، وتكافح طالبان للحفاظ على علاقات حسن الجوار، وهذا أمر مقلق لأفغانستان في الخارج كما هو مقلق للأفغان في الداخل.

ويعد التوتر في العلاقات مع باكستان من أبرز النقاط الهامة، ولطالما عملت إسلام أباد على التعامل مع حركة طالبان كحليف، وفي شهر ديسمبر، عقدت باكستان قمة منظمة التعاون الإسلامي (أو أي سي) بقصد جمع التبرعات المالية لأفغانستان، لكن في يوم عقد القمة، منع حرس الحدود التابعين لحركة طالبان نُظرائهم الباكستانيين من إقامة سياج على طول خط دوراند، الواقع على الحدود المتنازع عليها بين البلدين.

وقد أكد كبار مسؤولي طالبان منعهم من إقامة سياج، بعد مضي أسابيع من اندلاع الاشتباكات بين طالبان والجنود الباكستانيين في موقعين مختلفين، وفي حين لا يتوقع أحد أن تصبح باشتونستان الموحدة حقيقة واقعة في أي وقت قريب، فإن طالبان، مثلها مثل الحكومات الأفغانية السابقة، تنظر إلى خط دوراند باعتباره فرضًا استعماريًا يقسم البشتون إلى قسمين.

والتهديد الذي تتعرض له إسلام أباد من رفض حركة طالبان السماح ببناء السياج هو أنه سيمكن حركة طالبان باكستان (تي تي بي) من الاستمرار في استخدام المنطقة الحدودية المتنازع عليها لتصعيد الهجمات ضدها، وخلال حربها التي استمرت 20 عامًا ضد حكومة الجمهورية الأفغانية السابقة المدعومة من الناتو، وفرت طالبان الملاذ في الأراضي التي تسيطر عليها حركة طالبان باكستان على طول الحدود الباكستانية الأفغانية.

وبعد أخذها السلطة في أغسطس 2021، أطلقت حركة طالبان سراح العديد من سجناء حركة طالبان باكستان من السجون الأفغانية، وأعلنت حركة طالبان باكستان بدورها أن حركة طالبان نموذج لحربها ضد باكستان. وفي الواقع، بعد عودة طالبان إلى كابول، كثفت حركة طالبان باكستان هجماتها ضد قوات الأمن الباكستانية، وبعد انتهاء وقف إطلاق النار الذي استمر شهرًا بين الجيش الباكستاني وحركة طالبان الباكستانية في شهر ديسمبر، أعلنت حركة طالبان الباكستانية مسؤوليتها عن 45 هجومًا ضد قوات الأمن الباكستانية، مما أسفر عن مقتل 117 شخصًا في نهاية الشهر.

ولا ينبع تحفظ طالبان في العمل ضد حركة طالبان باكستان من التقارب الأيديولوجي معها فقط، بل من قلق الحركة من أنه في حال تضييق الخناق بشدة على حركة طالبان باكستان، فإن أعضائها يمكن أن ينتقلوا إلى صف العدو اللدود لطالبان، وهي ولاية خراسان الإسلامية (أي أس كي بي)، مما يؤدي إلى تضخم قوتها. وتشير التقارير بالفعل أن العديد من أعضاء ولاية خرسان الإسلامية الحاليين هم مقاتلون سابقون في حركة طالبان باكستان، وبالرغم من تولي شبكة حقاني الصديقة لباكستان أهم المناصب الوزارية في الحكومة المؤقتة في كابول، إلا إنه يبدو أن نظام حركة طالبان ليس خاضعاً لإسلام أباد، وذلك بفضل الانقسامات الداخلية أو كسياسة مقررة، ويعد المشهد مهيأ للكثير من الاضطرابات المستقبلية بين البلدين.

وتتدهور العلاقات بين نظام حركة طالبان وإيران، الواقعة في غرب أفغانستان، ولا تزال طهران ترفض الاعتراف بحكومة طالبان بسبب افتقارها إلى عنصر الشمولية، وحاولت إيران تلطيف موقف طالبان تجاه ذلك. وقد التقى وفد رفيع المستوى من طالبان والذي زار طهران هذا الأسبوع بقادة جبهة المقاومة الوطنية الأفغانية المناهضة لطالبان، وعلى الرغم من تصريح طالبان بأن قادة جبهة الخلاص الوطني يمكنهم “العودة إلى أفغانستان دون أي مخاوف” إلا إنه يبقى أن نرى ما إذا كانت طالبان ستشكل حكومة شاملة حسب رغبة طهران.

ومن المؤكد أن طالبان قد بذلت جهداً لاسترضاء طهران من خلال تخصيص مناصب وزارية لفصائل طالبان الموالية لإيران. ومع ذلك، لا تزال العلاقة غير مستقرة، ففي شهر ديسمبر، اندلعت اشتباكات بين جنود طالبان وشرطة الحدود الإيرانية، وتشعر طهران بالقلق من تدفق اللاجئين إلى إيران، والذي من المرجح أن يزداد عددهم مع تدهور الاقتصاد الأفغاني بشكل أكبر، كما لم تشهد أيران أي انخفاض في مجال تهريب المخدرات عبر حدودها من أفغانستان، وربما لأن تجارة المخدرات ضرورية لقدرة طالبان على تمويل عملياتها.

كما أن هناك شكوك في أن الاغتيالات الأخيرة لجنود طالبان في منطقة ذات أغلبية شيعية في كابول قد نُفذت، ليس من قبل تنظيم الدولة الإسلامية في كوسوفو، ولكن من قبل الميليشيات الأفغانية المدعومة من إيران، وقد تكون هذه هي طريقة طهران لتذكير حركة طالبان بأنها تحتفظ بأصول عسكرية داخل البلاد.

ولا تعد العلاقات بين أفغانستان وجيرانها في آسيا الوسطى أقل خطراً، ففي 3 يناير، تبادلت حركة طالبان وحرس الحدود التركمانستاني إطلاق النار، وفي شهر أكتوبر، أجرت روسيا مناورات عسكرية على طول حدود طاجيكستان مع أفغانستان، وفي الشهر ذاته، وافقت الصين على تمويل بناء نقطة حدودية بالقرب من الحدود الطاجيكية الأفغانية المتاخم لمقاطعة شينجيانغ الصينية، في إشارة إلى أن بكين لا تثق في التزامات طالبان بمنع مرور مسلحي الأويغور إلى شينجيانغ.

ويشير فشل طالبان في تهدئة مخاوف جيرانها، فضلاً عن الاشتباكات الحدودية الأخيرة، إلى أن النظام مليء بالفصائل المتناحرة وغير متماسك، وقد تؤدي هذه الانقسامات إلى حرب ضروس داخل حركة طالبان في الأشهر المقبلة، والتي بدورها ستؤدي إلى تفاقم النزاعات المحتدمة بين حركة طالبان وجيران أفغانستان.

كما يلوح في الأفق العنصر الأكثر خطورة وهو تنظيم الدولة الإسلامية ولاية خراسان، والذي يمكن أن يملئ الفراغ الأمني ​​ويجعل أفغانستان مركزًا للإرهاب العالمي مرة أخرى، إن السياسة الخارجية المتعثرة لطالبان ليست سوى غيض من فيض للتحديات التي تواجه أفغانستان، وعلى المنطقة الاستعداد لمزيد من الصراع في المستقبل.

 

دانيش كامات محلل سياسي يركز على الشرق الأوسط وجنوب آسيا، كما أنه مستشار في التنمية الاجتماعية والاقتصادية للهيئات الحكومية والقطاع الخاص.

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: