إلى حد الساعة، وبعدمرور أسبوعينتقريباًعلى نشوبأخطرصدامبينإيرانوإسرائيلداخلسوريافي9 مايوالجاري،لم يتضح بعدماالذيجرىتحديداً. فالروايةالسائدة–والتي تداولتهامعظموسائلالإعلام دون أن تدعمهابالدليل والبرهان–مفادهاأنإيرانقد أطلقتحوالي20 صاروخاًصوبالجيشالإسرائيليفيهضبةالجولان،وهيالأراضيالسوريةالتي تحتلهاإسرائيلمنذعقود. رداًعلىذلكأطلقتإسرائيلصواريخعلىأهدافإيرانية فيالداخلالسوري،حيث بلغ بعضهاهدفهفيما اعترضت أنظمة الدفاعالجويالسورية عدداً منها.
لاشكأنالخطوطالعريضةلهذه الرواية فيها جانب من الصحة،لكنهناكمعطىأساسياًلا زال غيرمؤكد: هلأقدمتالقواتالإيرانيةبالفعلعلى ضربالجولان،وهلفعلتذلكبموافقةطهران؟هذاهوالجانبالحاسمفي هذه الواقعة، لأنأيهجومإيراني مباشرعلىإسرائيلسيكون بمثابةتطورجديد في المنطقة؛ والمؤكدهو أنالجانب الإسرائيليقد روَّج لما حدثعلىهذاالأساس، علماً أنه إلى حد الساعة تبقى هذه الواقعة غير مؤكدة.
هذا ويبقى التفسيرالأقرب إلىالمنطق هوأنالهجومكانفي واقع الأمر محاولةًلزيادة تقويضالاتفاقالنووي الإيرانيمنخلالإثارةردةفعلإيرانية–للتذكيرفإن الهجوم قد جاءفيالأيامالتيأعقبتإعلان الرئيس الأمريكي دونالدترامبعن عزمهسحببلاده منالاتفاق النووي. ومن المرجح أن تكون القواتالإيرانيةهي من نفذ الهجومعلىالجولانمندونموافقةالحكومةفي طهران،أوقد تكون قواتبالوكالةهي من نفذ الهجوم باستخدامأسلحةإيرانيةالصنع،واغتنمتإسرائيلالفرصةللردبقوة، الشيء الذي لم يخل من مجازفة. لاحظأنطهرانظلتصامتةمنذحدوث الواقعة. وكماهوالحالدائماًفي زمنالحرب،ترخيالأكاذيبوأنصافالحقائق ظلالها على الواقع.
من جهة أخرى، يبدو أن حدوث صدامات بين إيران وإسرائيل مسألة حتمية. وفي حين أن هناك تصعيداً في الخطاب من الجانب الإسرائيلي، فإن إيران لم ترفع من حدة لهجتها، حتى أن الرئيس الإيراني حسن روحاني قال ببساطة في رده على الواقعة إن حدوث “توترات جديدة” في الشرق الأوسط ليس هو ما تريده بلاده. للإشارة فإن السبب الرئيسي وراء تريث إيران هو شعورها بأن لديها الوقت الكافي أمامها. ولكن بالرغم مما وقع وما قد يقع من صدامات بين الطرفين فإن لا إيران ولا إسرائيل يريدان الخوض في حرب حقيقية شاملة. فكلاهما يفضل حالة الاستقرار النسبي التي تنتج عن إدارة الفوضى وعن الهجمات الثأرية المتبادلة وعن معركة طويلة النفس يُقاس مستوى التقدم فيها بالسنتيمتر.
ولفهم مرد ذلك، من المهم إدراك أن الوضع الراهن يلائمهما معاً على وجه العموم.
بالنسبة لإيران، لا يُتوقع دخولها في حرب مفتوحة إلا إذا وقع سوء في التقدير، علماً بأن حرب استنزاف مصغرة تبقى مقبولة بالنسبة لكلا الجانبين. وعلى أية حال، فإن معظم الخسائر البشرية التي لحقت بالجانب الإيراني في سوريا قد همت قوات بالوكالة، لذلك لم تكن هناك ردة فعل قوية محلياً تجاه القتلى الإيرانيين. زد على ذلك أن استمرار الهجمات يسمح لطهران بالترويج لخطابها عن المقاومة لحشد الدعم داخل إيران وفي أرجاء العالم العربي.
إن تصوير إيران على أنها ند لإسرائيل يعطي طهران هالة من القوة تضفي الشرعية على النظام، ولكن الأهم من ذلك الآن هو أنه يُكسبها الوقت. وبما أن النظام الإيراني يتميز بصبره الطويل فإن صراعاً مزمناً مع إسرائيل يمنح طهران الوقت الكافي لإحكام قبضتها على مناطق استراتيجية في سوريا، بل وكلما اشتد وطيس الحرب الأهلية في الداخل السوري كلما تعذر على أي كان منع طهران من إنشاء قواعد جديدة. فالضربات المنتظمة التي تشنها إسرائيل ستؤدي إلى إبطاء التحركات الإيرانية، لكنها بالمقابل تمنح الجمهورية الإسلامية فرصة قيِّمة للتعرف على التكنولوجيات والتكتيكات العسكرية الإسرائيلية دون الاضطرار إلى مواجهتها في حرب مباشرة. وكما يُستفاد من الدعم الذي قدمته طهران لـ”حزب الله” على مر عقود، فإن النظام الإيراني يستميت في صبره من أجل تحقيق أهدافه الاستراتيجية.
أمَّا بالنسبة لإسرائيل، فإن صراعاً منخفض المستوى يبقى خياراً أفضل من حرب قد لا تحمد عقباها. ذلك أن ذكريات صراع سنة 2006 مع “حزب الله” لا زالت حاضرة في الأذهان داخل المؤسسة العسكرية في تل أبيب: فهذا الفاعل غير الحكومي على الحدود الإسرائيلية تمكن من الوقوف في وجه كل العتاد الغربي الذي اقتنته إسرائيل بل وكادت تعود الغلبة لـ”حزب الله”، الأمر الذي اهتزت إثره الطبقة السياسية والعسكرية الإسرائيلية. واليوم هناك نقطة استفهام حول ما إذا كانت الحرب ضد “حزب الله” هذه المرة ستنتهي بشكل أفضل أم أسوأ. فمن جهة، لدى الجماعة تكنولوجيات إيرانية جديدة وقد اشتد عود مقاتليها بفعل سنوات من القتال لصالح نظام بشار الأسد في سوريا؛ لكن من جهة أخرى فإن الحرب قد استنزفت الجماعة وأبعدتها عن جذورها اللبنانية.
ثم هناك قضية ثانية تهم هذه المرة النظم الدفاعية الإيرانية المضادة للطائرات. فإذا تمكنت إيران من وضع مصفوفات مدفعية مضادة للطائرات بالقرب من الحدود السورية، قد يؤدي بها ذلك إلى تجميد حركة المقاتلات الإسرائيلية أو إسقاطها بشكل أكثر انتظاماً على الأقل، كما جرى في فبراير الماضي. وللحيلولة دون ذلك تحتاج إسرائيل إلى شن هجمات منتظمة، وليس الدخول في حرب حامية الوطيس.
أمَّا رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، فإن بقاءه قد أضحى رهيناً باستمرار التهديد الذي يمثله هذا الصراع، فهو اليوم متورط في ثلاث قضايا فساد مختلفة، وقد داهمت الشرطة محل إقامته، واستجوبت زوجته، واعتقلت عدداً من أعضاء دائرته الضيقة، فيما وافق أحد مساعديه المقربين السابقين على التعاون مع المحققين وتسليم ملفات تتضمن ساعات من المحادثات المسجلة مع نتنياهو. وفي هذا الجو المشحون، ومع تزايد الانقسامات الاجتماعية والاقتصادية في إسرائيل، يتطلع خصوم نتنياهو إلى توديعه قبل انتخابات العام المقبل، علماً بأن إلهاء الجمهور الإسرائيلي بما يجري في الخارج يعتبر عاملاً يخدم مآرب نتنياهو.
لذلك فإنه على بعد 18 شهراً من موعد الانتخابات المقبلة، يعي نتنياهو أن قعقعة السيوف مع إيران هي أفضل فرصة له للبقاء. وبغض النظر عن رأي المؤسسة العسكرية في كل من البلدين، قد يتجه نتنياهو إلى شن حرب لإنقاذ مشواره المهني الذي قضاه وهو يصدر التحذير تلو الآخر من مغبة التهديد الإيراني، وها هو اليوم يحاول تصعيد هذا التهديد لإطالة عمره السياسي.
AFP PHOTO / STR