مع الاهتمام العالمي بمجريات الغزو الروسي المروع لأوكرانيا، عكف المفاوضون على العمل في فيينا في محاولة منهم لإحياء الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، حيث تشير التقارير خلال الأسبوعين الماضيين إلى أنه تم حل المشكلات النهائية بهدوء، فقد سافر الفريق الإيراني ذهابًا وإيابًا إلى طهران للحصول على التعليمات وإطلاع السياسيين على القضايا الفنية، وتشير الولايات المتحدة إلى وجود تفاؤل حذر حول الوصول إلى المرحلة الختامية من المفاوضات.

وستؤدي إعادة إحياء الاتفاق إلى تمديد الجدول الزمني الإيراني المحتمل لصنع قنبلة ذرية من 6 إلى 12 شهرًا. وفي الوقت الراهن، فإن إلغاء الاتفاق الأصلي يعني أن إيران يمكن أن يكون لديها ما يكفي من اليورانيوم عالي التخصيب لصنع سلاح نووي في غضون ثلاثة أشهر فقط، بسبب تخزينها للمواد ومنعها عمليات التفتيش من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وستكون النتيجة المحتملة هي العودة إلى شروط اتفاقية خطة العمل الشاملة المشتركة (جي سي بي أو أي) لعام 2015، لا أكثر ولا أقل، ويعني ذلك أن التقويم الأصلي بجداوله الزمنية المختلفة سيبقى في مكانه، وستنتهي القيود المفروضة على الأنشطة الإيرانية المختلفة في مواعيد نهائية متباينة، من 10 إلى 25 عامًا من موعد التنفيذ الأصلي. وقد يُخيب ذلك آمال بعض الذين كانوا يأملون في صفقة “أطول وأقوى” والتي من شأنها إضافة أحكامًا جديدة وتمديد الجداول الزمنية. لكن بالنسبة للآخرين، فإن تآكل القيود المفروضة على إيران بسبب انسحاب الرئيس دونالد ترامب في عام 2018 قد أعطى الأولوية لاستعادة اتفاق 2015 فقط، على الرغم من وجود أوجه قصور في ذلك الاتفاق، وحتى بعض أولئك الذين مارسوا ضغوطًا ضد الصفقة في عام 2015 أقروا بأنها وفرت مزيدًا من الأمن من خلال إبطاء أنشطة إيران، وأن نداء ترامب الصاخب بأن “الضغط الأقصى” سيؤدي بطريقة ما إلى نتائج أفضل، كان نداءً فاشلاَ.

لكن قد تؤثر الحرب في أوكرانيا على الدبلوماسية بطرق شتى، فقد قال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف يوم السبت إن روسيا تريد معرفة التسهيلات التي يمكن إجراؤها بشأن العقوبات الجديدة المفروضة على موسكو، حتى تتمكن روسيا وإيران من استئناف التجارة والتعاون العسكري الفني الذي سيُسمح به مرة أخرى بموجب الاتفاقية التي سيتم استرجاع نفاد بنودها، ولا تقبل الأطراف الأخرى في محادثات إيران الربط بين القضيتين، وتتوقع دعم روسيا للعملية الدبلوماسية بشروطها الخاصة، وليس كعنصر للتقليل من تأثير العقوبات المفروضة بسبب حرب أوكرانيا. وقد أصر وزير الخارجية أنطوني بلينكين يوم الأحد على أن العقوبات على روسيا “لا صلة لها بالاتفاق الإيراني”.

ومن الوارد أن ما يحفز إيران لإكمال عملية المفاوضات هو قدرتها على استئناف تجارة النفط، التي توقفت كونها تخضع للعقوبات، لأن إيران لم تمتثل لالتزاماتها بموجب الاتفاق النووي، وقد ترى إيران فائدة سياسية واقتصادية في تغطية بعض الطلب العالمي في سوق النفط الناجم عن العقوبات الجديدة على روسيا، وستكون محطة مهمة لعودة إيران إلى الحياة الطبيعية كشريك تجاري ومزود للطاقة، حتى لو بقي الحظر سارٍ على أنشطتها النووية. لكن مثل هذه التغييرات لن يكون لها تأثير فوري، فهناك فترة زمنية تحتاجها إيران ليتسنى لها التقليل من مخزونها من اليورانيوم المخصب، عن طريق نقله إلى روسيا أو شركاء آخرين. كما أن زيادة إنتاجها النفطي بمقدار مليون برميل يوميًا سيستغرق أيضًا عدة أشهر، وفقًا لخبراء الطاقة.

ويتمثل التأثير الثالث للحرب الروسية على أوكرانيا في الدور الذي تعلبه إسرائيل، حيث يحاول رئيس الوزراء “نفتالي بينيت” تقديم إسرائيل كوسيط أو على الأقل كمحاور، بسبب العلاقات القوية التي تتمتع بها إسرائيل مع جميع الأطراف المتضررة، وقد نسق زيارته الأخيرة إلى موسكو مع واشنطن، وترى إسرائيل في أزمة أوكرانيا فرصة لإظهار قدرتها للعالم على لعب دور الوسيط وصاحب النفوذ الدبلوماسي. ولا يزال القادة السياسيون الإسرائيليون ينتقدون بشدة الصفقة الإيرانية، ويصرون على أنها ليست صارمة بما فيه الكفاية، لكن العديد من مسؤولي الأمن القومي السابقين في البلاد ذو السمعة الطيبة، أوضحوا أن الأمن الإسرائيلي كان أفضل حالاً تحت ظل الاتفاقية، ويتأسفون على الطريقة القوية التي ضغطت إسرائيل من خلالها على واشنطن في عهد ترامب للانسحاب من الصفقة. ومن الواضح أن “بينيت” يثير ضجة لا طائل منها، حيث سيواصل انتقاد الصفقة، لكن بطرق تشير إلى أن إسرائيل ستقبل بمخرجات المفاوضات.

ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت السياسات الداخلية في واشنطن، أو بنسبة أقل في طهران، ستُعيق استعادة الاتفاقية، فقد نجح الرئيس باراك أوباما في منع الكونجرس من عرقلة الاتفاقية من خلال آلية تشاور معقدة، وقد يدعوا بعض أعضاء الكونجرس إلى إجراء مراجعة جديدة، لكن يعتقد معظم الخبراء أنه في حالة عدم وجود أي ميزات جديدة، فإن الصفقة لن تفضي إلى نفس ما حدث في عام 2015، وأنه على أي حال، سيكون من الصعب منع تنفيذها. لا يبدو أن قادة إيران الجدد، الذين تولوا المنصب القيادي في الصيف الماضي، قلقون بشأن طلب الموافقة الرسمية في مجلسهم، ففي عام 2015، كان الحكام قادرين على تنظيم نقاش برلماني ساخن وعلى جناح السرعة، من دون الخوف من تمخض ذلك النقاش عن قرارات لا تُساير هواهم.

ستكون العودة المحتملة، أو الواردة، إلى اتفاقية خطة العمل الشاملة المشتركة خطوة إيجابية نحو تعزيز الأمن الدولي والإقليمي، وقد أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية وإيران يوم الأحد عن إحراز تقدم في مجال إعادة بناء جسور التعاون. ودول الخليج العربية التي اعترضت على خطة العمل الشاملة المشتركة لعدم معالجتها مشاكل أخرى مرتبطة بمواقف إيران الإقليمية، أصبحت منفتحة أيضًا على الحوار مع طهران حول قضايا خلافية كبيرة، إن تلك الخطوات التدريجية تمثل أخبار سارة في وقت تتعرض فيه معايير الأمن الدولي لضغوطات هائلة.

 

إلين لايبسون هي مديرة برنامج الأمن الدولي في كلية” شار” للسياسة والحكومة بجامعة جورج ميسون في فيرجينيا، كما عملت سابقاً كنائبة لرئيس مجلس المخابرات القومي الأمريكي.

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: