من طائرة تحلق فوق ساحل دبي إلى مروحية بمحرك واحد ورحلة طيران من اليابان إلى أبوظبي، أثبت وقود الطائرات المُستدام (SAF) قدرته على إمداد رحلات الطيران بالطاقة. ولكن هل يمكن أن يَزيد المعروض من هذا الوقود وتقل تكلفته بسرعة كافية ليتحوّل إلى عنصر أساسي في مساعي صناعة الطيران لتحقيق صافي انبعاثات صفري؟

يُعَد الطيران مسؤولًا عن نحو 2 بالمئة من انبعاثات غازات الدفيئة في العالم — وهو ما يمثِّل كمية صغيرة ولكنها متسارعة النمو، ولكن هذه النسبة يمكن أن تتضاعف بمقدار مرتين إلى أربع مرات بحلول عام 2050. هذا فضلًا عن أن تأثير الطيران على الاحترار العالمي أعلى من ذلك حيث يبلغ حوالي 3.5 بالمئة، نظرًا لتكوّن آثار تكثف عالية الارتفاع تحبس الحرارة.

وقد اقترح المُهتمَون بالبيئة تجنب السفر جوًا واستخدام السكك الحديدية عالية السرعة بدلًا من الطيران. وهذا له دور بالفعل في حل المشكلة، ولكن مع الارتفاع المحتمل في الطلب على رحلات الطيران، ثمة حاجة إلى خيارات منخفضة الانبعاثات الكربونية.

ينبغي على الشرق الأوسط تحديدًا اتخاذ خطوات جدية للحد من انبعاثات الطيران. فقد صارت المنطقة مركزًا للرحلات الجوية العالمية، مع ضخ العديد من الدول فيها (لا سيما الإمارات، وكذلك قطر والسعودية وتركيا) الكثير من الاستثمارات في التنوع الاقتصادي من خلال المطارات الضخمة، والخطوط الجوية المتميزة والشركات الفرعية، التي تخدم أغراض متنوعة من السياحة إلى الشحن. وهذا لن يتحقق في حالة التقليل من النقل الجوي مستقبلًا.

وقد قرر اتحاد النقل الجوي الدولي (IATA) في أكتوبر 2021 أن خطوط الطيران الأعضاء في الاتحاد ستصل إلى صافي انبعاثات كربونية صفري بحلول عام 2050. وتشمل استراتيجية الاتحاد تحسين الكفاءة، واستخدام طائرات جديدة تعمل بالهيدروجين والبطاريات، وعمليات موازنة الكربون، مثل تمويل زرع الأشجار أو الإزالة المباشرة لثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي. وفي حالة وقود الطائرات منخفض الكربون (LCAF)، يُختار بعناية أصل الزيت الخام وتكريره من أجل الحد من انبعاثات دورة الحياة بنسبة 10 بالمئة على الأقل.

بيد أن العبء الأكبر — 65 بالمئة من إجمالي عمليات تخفيض الانبعاثات — يقع على وقود الطائرات المُستدام. فتعتمد الطائرات حاليًا اعتمادًا هائلًا على الكيروسين المصنوع من البترول في تشغيلها. أما وقود الطائرات المُستدام، فيُستمَد من مصادر الوقود غير الأحفوري، سواء المخلفات مثل دهون الطبخ، أو مواد المخلفات، أو الكتلة الحيوية الأخرى، أو مواد التلقيم التي تُزرَع خصيصًا لهذا الغرض مثل السكر والكحوليات وزيت النخيل.

وينبعث الكربون الذي تمتصه هذه المواد الحيوية أثناء نموها عند حرق الوقود، ما يجعله محايدًا كربونيًّا من ناحية المبدأ. ومع بعض التطوير، سيؤدي ذلك إلى انخفاض بنسبة 80 بالمئة في انبعاثات دورة الحياة. وتشير الأبحاث كذلك إلى أن وقود الطائرات المُستدام يقلل من آثار التكثف.

وقود الطائرات المُستدام هو وقود بديل، ما يعني أنه يمكن استخدامه في المحركات النفاثة التقليدية دون تعديل، سواء أكان ممزوجًا بالكيروسين أم وحده. وفي أكتوبر، حلَّقت إحدى طائرات الاتحاد للطيران من مطار ناريتا الدولي في طوكيو إلى أبوظبي باستخدام مزيج يحتوي على وقود الطائرات المستدام بنسبة 40 بالمئة. وفي يناير، قامت طيران الإمارات بأول رحلة تجريبية في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا بطائرة بوينج 777 يعمل أحد محركيها بوقود الطائرات المُستدام بالكامل. وفي فبراير، قامت شركة الفضاء الجوي الأمريكية “بيل تكسترون” بأول تحليق لمروحية تعمل بمحرك واحد باستخدام وقود الطائرات المُستدام فقط.

وقد زاد إنتاج وقود الطائرات المُستدام في أنحاء العالم ثلاثة أضعاف في عام 2022، ولكن التقدير الإجمالي لهذه الزيادة الذي يتراوح ما بين 300 و450 مليون لتر أقل بكثير من الهدف السنوي لعام 2050 البالغ 449 مليار لتر، وهو ما يكافئ 8 ملايين برميل يوميًّا تقريبًا من النفط ويزيد نحو ألف مرة عن الناتج الحالي.

وقود الطائرات المُستدام باهظ التكلفة أيضًا. فعندما ارتفعت أسعار النفط ارتفاعًا كبيرًا العام الماضي، ظلت تكلفة هذا الوقود ضعف تكلفة وقود الطائرات النفاثة الأخرى، ويُشار عادةً إلى أنه أغلى بنحو أربعة أضعاف. وتعتمد تكاليف الوقود على أسعار النفط، ولكنها تمثل نحو ثلث إجمالي تكاليف أي خط طيران، ما يدل على أن استخدام وقود الطائرات المُستدام فقط سيسفر عن حدوث ارتفاع هائل في أسعار تذاكر الطيران.

وستقل هذه التكاليف مع نمو الصناعة، وتوفر وقود الطائرات المُستدام بقدر أكبر، وتحسن تقنيات تحويل الوقود. لكن الحجم الكلي القابل للاستخدام من هذا الوقود يتقيد بمواد التلقيم. فالمخلفات الملائمة محدودة، وتسعى للحصول عليها صناعات أخرى تسعى لإزالة الكربون، مثل النقل البحري والبري وصناعة البلاستيك الحيوي.

يمكن كذلك أن تؤدي زراعة المحاصيل المخصصة إلى تدمير البيئة من خلال استخدام الأسمدة واستهلاك المياه، فضلًا عن تنافسها مع إنتاج الغذاء والحفاظ على الغابات وغيرها من جوانب التنوع الحيوي.

وقد بلغ الناتج العالمي من الوقود الحيوي في عام 2021، الذي كان أغلبه لاستخدام الطرق، 1.7 مليون برميل يوميًّا فقط، وهو العدد الذي يجب أن يزيد أربعة أضعاف لتلبية الاحتياجات من وقود الطائرات المُستدام لعام 2050.

ونظرًا للتحديات التي تكتنف جانب كبير من النموذج الاقتصادي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، من المهم للغاية أن تتوصل المنطقة إلى حلول للطيران لا تضر بالمناخ. والتكنولوجيا أحد هذه الحلول. فعلى المدى القصير، تساعد التكنولوجيا في زيادة استخدام وقود الطائرات المُستدام وتقديم حلول لوجستية موثوقة.

وبوصف المنطقة مركزًا ناشئًا لإنتاج الهيدروجين النظيف، فمن مصلحتها بشكل كبير أن تروج تجاريًّا لوقود الطائرات المُستدام القائم على الهيدروجين. وفي إطار تطوير صور الإنتاج المبتكرة لوقود الطائرات المُستدام، يُعَد وقود الطائرات منخفض الكربون (LCAF) والتقاط ثاني أكسيد الكربون مباشرةً من الهواء من المهارات الملائمة لشركات النفط الوطنية في المنطقة.

في يناير، اجتمعت شركات مصدر، وتوتال إنرجيز، وسيمنز إنرجي، وماروبيني للعمل معًا على تحويل الميثانول إلى وقود طائرات نفاثة. والأساليب الأخرى الأكثر تقدمًا فيما يخص وقود الطائرات النفاثة الاصطناعي، بدءًا من الهيدروجين المنتج على نحو مستدام وصولًا إلى الأساليب الحيوية مثل الطحالب، يمكن أن تساعد في تجنب مشكلات استخدام الأراضي. وقد تم اعتماد وقود الطائرات المُستدام القائم على الهيدروجين فنيًّا، ولكن تكاليف إنتاج الهيدروجين وتحويله إلى وقود لا بد أن تنخفض انخفاضًا كبيرًا.

من المهم أيضًا إنشاء نماذج أعمال وحوافز لمكافأة الطيران المسؤول بيئيًّا. على سبيل المثال، تملك الكثير من الشركات أهداف داخلية للوصول إلى انبعاثات كربونية صفرية، ومن ثم يمكن أن تُعرَض عليها رحلات طيران بالوقود المُستدام أو عمليات موازنة مناسبة للكربون مثل التقاط الكربون أو الفصل الحيوي الموثوق له، وذلك بفرق سعر مناسب.

يمكن كذلك الاشتراط على الطائرات الخاصة، التي يملكها قلة من الركاب الأثراء، أن تستخدم وقود الطائرات المُستدام أو الخيارات منخفضة الانبعاثات الكربونية، ما يخلق سوقًا فاخرة من المستخدمين الأوائل.

يمكن أن ينتظر الشرق الأوسط التعرض لسياسات جزائية من أوروبا، أو بإمكانه ضمان مستقبل خطوط الطيران فيه بأن تكون ناجحة ومسؤولة في الوقت نفسه.

 

روبن ميلز هو الرئيس التنفيذي لشركة قمر للطاقة، ومؤلف كتاب “أسطورة أزمة النفط”.

 تويتر: @robinenergy

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: