بعثت غارتان جويتان هذا الشهر استهدفتا عمليات تهريب المخدرات داخل المنطقة الحدودية بين سوريا والأردن برسالة واضحة مفادها أن الحرب على المخدرات دخلت مرحلة جديدة، لكن سبب توقيت الضربات، ومن يقف وراءها، ومدى فعاليتها لا تزال أسئلة مفتوحة.
وقتلت الهجمات المنسقة في 8 مايو زعيم المخدرات السوري مرعي الرمثان وعائلته ودمرت مبنى حكوميا مهجورا معروفا بأنه منشأة مخدرات، وهي هجمات نادرة بالنسبة لحجم القوة المستخدمة في عملية لمكافحة المخدرات، وكانت هذه أول غارات معروفة من نوعها، مما صدم الكثيرين في المنطقة.
وتشير الضربات إلى تصعيد في مكافحة شبكات تهريب المخدرات في سوريا، وهي التجارية التي ازدهرت خلال الحرب الأهلية ومدت معظم أنحاء المنطقة بالأمفيتامين الكبتاجون غير القانوني، وهو عقار شديد الإدمان وشائع في دول الخليج، وركزت الاستراتيجيات السابقة لوقف تجارة المخدرات على دوريات الحدود، ولكن لم يكن لذلك تأثير يذكر بسبب تورط نظام بشار الأسد نشاط التهريب.
من المؤكد أن الغارات الجوية التي وقعت هذا الشهر بعثت برسالة مدوية، حيث تم استهداف منزل الرنثان في قرية الشعب جنوب شرق السويداء، مما أدى إلى مقتله وزوجته وأطفاله الستة، وعرف ذلك الهجوم المهربين أن الاختباء بين المدنيين لن يحميهم.
وبحسب ما ورد كان الرامثان متورطا في تهريب المخدرات إلى الأردن وكان يتمتع بعلاقة وثيقة مع النظام، وبعث الهجوم برسالة أكثر وضوحا: لن تكون دمشق قادرة على حماية مهربي المخدرات.
وأصابت الغارة الجوية الثانية محطة مهجورة لتحلية للمياه في غرب درعا، والتي كانت تستخدم لتسهيل تهريب المخدرات إلى الأردن، وأوضح ذلك الهجوم أنه يمكن استهداف جميع مرافق المخدرات، بما في ذلك تلك المخبأة في المباني الحكومية.
وقد أشارت التقارير إلى ضلوع الأردن في الغارات الجوية، ويعرف الأردن بأنه وجهة وطريق عبور رئيسي إلى دول الخليج للكبتاغون. ومع ذلك، رفض وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي تأكيد أن بلاده نفذت الضربة، مشيرا إلى أنه سيتم الإعلان عن أي إجراءات تتخذها الحكومة، وقد يكون قرار عمان بإنكار المسؤولية تكتيكا لتجنب الانتقام من المجتمع البدوي الذي ينتمي إليه آل رامثان.
وعلى الرغم من الإنكار، لكن يبدو أن الأردن يقف وراء الضربات، نظرا لمستوى التوترات المتصاعدة مع نظام الأسد، والجدير بالذكر أن الغارات الجوية وقعت بعد أيام فقط من تهديد الصفدي بعمل عسكري داخل سوريا إذا فشلت دمشق في اتخاذ تدابير لكبح جماح التهريب.
وإذا تبين أن هذا هو الحال، فقد تمثل الضربات رسالة واضحة، ولكنها غير رسمية إلى حد ما، مفادها أن عمان بدأت تفقد صبرها مع النظام السوري ولا تثق في وعود الأسد بالقضاء على تجارة المخدرات.
وهناك أيضا احتمال ضئيل بأن تكون الغارات الجوية جزءا من التعاون بين سوريا والأردن، حيث تسعى الجهود الإقليمية إلى إعادة سوريا إلى الحظيرة العربية. وقبل أسبوع من الضربات، وافقت سوريا على التصدي لتهريب المخدرات عبر حدودها مع الأردن والعراق بعد اجتماع لوزراء الخارجية العرب في عمان، كما وافقت دمشق على التعاون مع الأردن والعراق لتشكيل فرق سياسية وأمنية مشتركة لتحديد مصادر إنتاج المخدرات وعمليات التهريب والجهات التي تنظمها وتديرها عبر الحدود.
ومع ذلك، حتى لو كانت الغارات الجوية نتيجة لذلك التعاون، فإن حقيقة أن دولة أجنبية نفذت الهجوم تشير بكل وضوع إلى مستوى التزام نظام الأسد بمكافحة المخدرات. وكان كلا الهدفين في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، مما كان سيجعل من الأسهل استخدام العمليات البرية للقضاء على التهديدات دون وقوع العديد من الضحايا، ويبدو أن دمشق لم تكن مستعدة للقيام بذلك، وهو ما قد يفسر سبب تنفيذ الغارات الجوية من قبل دولة أخرى.
وأشارت بعض المصادر إلى إن الأردن نجح في اتخاذ إجراءات صارمة ضد تهريب المخدرات داخل البلاد وعلى الحدود، ومع ذلك، كان النجاح محدودا لأن المهربين لايزالون نشطين. ومن غير المرجح أيضا أن يكون للغارات الجوية ضد أهداف مرتبطة بالمخدرات داخل سوريا تأثير كبير، وقالت مصادر محلية إن تجار المخدرات اختبأوا بعد الهجمات، حيث نقل الكثيرون عملياتهم إلى مواقع أكثر أمانا.
وقد تدفع جهود المصالحة مع الدول العربية نظام الأسد إلى القيام ببعض الاعتقالات ومصادرة لبعض شحنات المخدرات، لكن من المتوقع استمرار تورطه في تجارة المخدرات. وتقدر قيمة الكبتاغون، وهو جزء مربح من نتائج الحرب في سوريا، بنحو 5.7 مليار دولار سنويا.
وحتى لو كانت بعض الدول مستعدة لتعويض دمشق عن خسارة تجارة المخدرات، فإن العقوبات الدولية المفروضة على النظام ستجعل من الصعب تنفيذ مثل تلك الاتفاقات.
وبالإضافة إلى ذلك، لن يكون إنهاء تجارة المخدرات في سوريا سهلا بسبب مشاركة الأجهزة الأمنية وعائلة الأسد وحزب الله، وهو الأمر الذي قد يكون له تأثير مزعزع للاستقرار في المناطق التي يسيطر عليها النظام.
من المرجح أن يؤدي التركيز على ضرب أهداف متعلقة بالمخدرات داخل سوريا إلى خلق لعبة أخرى لا نهاية لها من حل مشكلة لتظهر مشكلة في مكان أخر والتي سيتعامل معها النظام وحلفاؤه بسرعة لضمان استمرار تدفق المخدرات.
الدكتور حايد حايد هو كاتب عمود سوري وزميل مشارك استشاري في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاتام هاوس