مع بداية جائحة فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19″، كان ثمة قلق بالغ حول تأثير المرض في القارة الأفريقية. ولأن شبكات الرعاية الصحية في أنحاء القارة كانت مكتظة وتفتقر إلى الموارد، بجانب ارتفاع معدل انتشار الأمراض المعدية الأخرى مثل الملاريا وفيروس نقص المناعة المكتسب “الإيدز”، فكانت تلك الشبكات بمثابة قنبلة موقوتة محتملة. وبعد مرور ستة أشهر، فقد ثبت أن هذه التحذيرات الصحية غير صحيحة. وبينما تسير الأمور بسوء – بل أسوأ مما تشير إليه الأرقام الرسمية – فهي ليست بالفداحة كما كان معتقد في بداية الجائحة، حتى في ظل جميع التحذيرات المناسبة التي صاحبت الجائحة. ورغم كل ذلك، من الواضح أن إفريقيا تعاني من تداعيات اقتصادية مدمرة مرتبطة بفيروس كورونا الأمر الذي يلزم اتخاذ عدة إجراءات. وللتعامل مع تداعيات الجائحة كما يجب، فعلى الدول الأفريقية زيادة الأنشطة التجارية بينها في أسرع وقت ممكن.
وبينما يسجل العالم بلوغ عدد الوفيات المرتبطة بفيروس كورونا المستجد حول العالم رقم المليون في شهر سبتمبر/أيلول، كان إجمالي الوفيات في إفريقيا أكثر قليلاً عن “35,000” حالة وفاة. وهذا يمثل “3,5%” لقارة تشكل “17%” من سكان العالم. فهل تلك الإحصائيات دقيقة؟ بالفعل كذلك، ومن الواضح أنه ثمة تقارير خاطئة عن الإصابات والوفيات، وعن خطورة المشكلات الصحية.
ولذلك فمن الأهم أن نتعامل أولاً مع الجائحة. ولنا في شرق إفريقيا خير مثال. فبينما طبقت كينيا وأوغندا إجراءات الإغلاق والتباعد الاجتماعي على وجه السرعة، نجد أن رئيس تنزانيا قد شجع مواطنيه على الذهاب إلى الكنائس والمساجد لأن فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19″، بحسب زعمه، كان من عمل الشيطان، ويمكن هزيمته بالصلاة.
إذًا، فلا داعي للاستغراب من صعوبة معرفة العدد الحقيقي لحالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد “كوفيد-19” في تنزانيا. وفي الوقت نفسه، سجلت كينيا (وعدد سكانها “51,5” مليون نسمة) 42,000 إصابة، و787 وفاة. وسجلت أوغندا (وعدد سكانها “43” مليون نسمة) 10,000 إصابة، و95 وفاة، وسجلت ونيجيريا (وعدد سكانها “196” مليون نسمة) 61,000 إصابة، و1,116 وفاة. وسجلت تنزانيا، وعدد سكانها “56” مليون نسمة، “509” إصابة، ولا توجد أي بيانات عن حالات وفاة بفيروس كورونا.
فهل ثمة حالات لم يتم الكشف عنها أو ورد بشأنها بيانات خاطئة؟ بالتأكيد نعم. ولكن بصفتي شخصًا يقيم في القارة الأفريقية، وفي جنوب إفريقيا تحديدًا، وبعد أن مررت بسلسلة من مشكلات الصحة العامة في القارة بدءًا من الملاريا، وحمى الضنك وصولاً إلى الإيبولا، أشعر وغيري أن أزمة الجائحة ليست تقريبًا بالسوء الذي يمكن أن تكون عليه.
وتعاملت أفريقيا مع الجائحة بشكل معقد ومربك. حيث طبقت العديد من الحكومات الأفريقية إجراءات إغلاق شاملة وصادمة. وكان الإغلاق في جنوب إفريقيا، والذي حظر استخدام الكحول والتبغ وبيعهما في الهواء الطلق، من أكثر الإجراءات صرامة في العالم. ولم تبدأ زيمبابوي في تخفيف إجراءات الإغلاق إلا في الشهرين الماضيين فقط. وعلى الرغم من تلك الإجراءات التي اتخذتها دول القارة، إلا أن الفيروس انتشر في جميع أنحاء القارة، وجاءت معدلات الوفيات من بين الأدنى على مستوى العالم.
وأشادت منظمة الصحة العالمية مرارًا وتكرارًا بتعامل القارة الإفريقية مع الجائحة، مشيرة إلى أن “معظم الحكومات الأفريقية فرضت وبسرعة قيودًا على الحركة والتجمع، وفتحت المحافظة الفرصة أمام انخفاض حالات الإصابة، وإلى تعزيز قدرات الصحة العامة”.
ويعتقد العلماء أن غالبية سكان القارة من الشباب هم السبب الرئيسي لانخفاض معدل الوفيات. وأشار بحث آخر إلى لقاح السل، والذي توفره معظم الدول الإفريقية عند الولادة، قد يؤدي إلى نتائج أفضل لدى المرضى الأصغر سنًا. قد لا نجد علاجًا للمرض مطلقًا، ولكن هذا لا يمنعنا من اتخاذ إجراءات حول ما في وسعنا التحكم به، وبالأخص التداعيات الاقتصادية.
وفي الواقع، قد تكون العواقب الاقتصادية للجائحة أكثر فتكًا في نهاية الأمر من فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19” نفسه. ووضعت عمليات الإغلاق، إلى جانب الاقتصاد العالمي المتدهور، الاقتصادات الأفريقية الرائدة في مواقف محفوفة بالمخاطر. وتشهد القارة الأفريقية دومًا بطالة هائلة وبطالة مقنعة، وانخفضت العمالة الأجنبية، كما هو الحال في دول الخليج العربي، وتم ترحيلهم إلى بلدانهم -مما وضع حدًا لتحويلاتهم المالية، ويشكلون في الوقت نفسه إضافة إلى أعداد البطالة في بلادهم. ولايزال الوقت مبكرًا جدًا للحصول على بيانات رسمية للقارة الأفريقية بأكملها، ولكن من الواضح أن القارة تشهد مزيدًا من الفقر والجوع. وماتزال الدراسات جارية لمعرفة إلى أي مدى تم تأجيل التقدم الاقتصادي في أفريقيا، ولكنه لن يكون من المبالغة بمكان إذا افترضنا أن هذا التأجيل استمر لعقد على الأقل.
وكانت جنوب أفريقيا قد اضطرت، ربما في ظل يأس واضح وكبير، إلى قبول قرض بقيمة 4 مليارات دولار أمريكي من صندوق النقد الدولي. وشهدت كينيا، مركز التجارة الإقليمي، انخفاضًا قدره “19%” في إجمالي حجم التجارة في أبريل/نسيان. وحدثت زيادة بسيطة في حجم التجارة في شهري يوليو وأغسطس، لكن الأضرار الناجمة عن الصدمة الأولية للفيروس كانت عميقة ولا يزال صداها يتردد.
وهناك دعوات متزايدة إلى المنظمات الدولية لمزيد من الإعفاء من الديون وتقديم المنح. وفي الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي هذا العام، تصاعدت الضغوط على المقرضين للإسراع في إعفاء البلدان الأفريقية المتعثرة من الديون وتقديم المنح لها. وطالبت “كريستينا جورجيفا”، المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي، البنك الدولي بتوزيع المزيد من المنح على الدول الأفريقية، وأعلنت ” كريستينا” أن صندوق النقد الدولي قدم 26 مليار دولار أمريكي في شكل دعم سريع لأفريقيا منذ بداية الجائحة.
فهل هذا هو المسار الصحيح؟. ربما في الوضع الحالي، عندما يكون الدعم المالي الطارئ حاسمًا لمواجهة الفقر والجوع والأزمة الاقتصادية المتفاقمة. ولكن الواقع يقول أن الإجابة على هذا السؤال تكمن في المشكلة الأخيرة: وهي الاقتصاد. وبينما أحرزت القارة، على مدى العقد الماضي، تقدمًا في بناء البنية التحتية الاقتصادية المحلية – ولننظر إلى التكنولوجيا المالية – لم تحقق القارة سوى القليل في هذا الشأن. والأمر الأكثر أهمية، هو التجارة الأفريقية مع العالم خارج إفريقيا بشكل أساسي، حيث تباع السلع الخام إلى آسيا والغرب، وتشترى السلع الجاهزة من الصين.
إن جائحة كورونا “كوفيد -19” بمثابة دعوة استنهاض لأفريقيا لتصبح أكثر اعتمادًا على نفسها من خلال التجارة البينية بين دول القارة، مما يجعلها أكثر مرونة في مواجهة الانكماش العالمي. ومع انخفاض نسبة المتضررين (أي السوق على سبيل المثال) من فيروس كورونا مقارنة بالغرب، فمن شأن التجارة الفعالة في أفريقيا أن توفر رصيد كبير من حيث الوظائف (أي المورد)، مما يدفع الجوع عن القارة. وتمثل إعادة توجيه المنح إلى بناء قطاع أكبر للصناعات أحد الخطوات الحاسمة طويلة الأجل لحماية الأجيال القادمة في أفريقيا من أي اضطراب قد يواجهون.
وقد تكون جائحة كورونا – ويجب أن تكون في الواقع – هي الأزمة التي أنجزت اتفاقية التجارة الحرة لأفريقيا بعد فترة طويلة.
“جوزيف دانا”، يتنقل ما بين جنوب أفريقيا ودول الشرق الأوسط، ويعمل كبير محرري محرري “emerge85″، أحد المختبرات التي تستكشف التغيرات في الأسواق الناشئة وتأثيرها العالمي