هل يوجد بعض القصص الحقيقية التي تعتبر خطيرة للغاية بحيث لا يمكن سردها في إطار كوميدي؟ يتبادر ذلك السؤال إلى الذهن بسبب الفيلم المسمى “رابيا كورزان ضد جورج دبليو بوش” وهو فيلم يحكي عن حبس “مراد كورناز” لمدة خمس سنوات في معتقل غوانتانامو دون محاكمة، والذي أثار الكثير من الضحك في المنافسة الرئيسية في مهرجان برلين السينمائي الأسبوع الماضي.

وتحولت تلك الضحكات إلى جوائز، والفيلم من إخراج “أندرياس دريسن”، وفازت كاتبة السيناريو “ليلى ستيلر” بجائزة أفضل سيناريو، وفازت الفنانة الألمانية التركية “ميلتيم كابتان” بجائزة أفضل أداء.

ومن خلال الضحك، حشد المخرج الألماني “أندرياس دريسن” التقمص الوجداني والتعاطف مع شخصيته المركزية، وهي والدة أحد السجناء في معتقل غوانتانامو. وتقدم شخصية “رابيا كورزان” الرخصة لإثارة نقاط جدية حول التعذيب المقيت للسجناء (حيث يعرض صورًا من معتقل أبو غريب) كما يسلط الضوء على الحاجة إلى محاكمات عادلة للجميع وكيف كانت الحكومة الألمانية متواطئة في ذلك الظلم.

ولكن على الرغم من الضحك والجوائز،والتسلية الواضحة التي خلقها الفيلم، إلا إن هناك شيء مبتذل إلى حد ما في صنع كوميديا ​​من قضية الانتهاك المأساوي والمخزي لحقوق الإنسان، فهل هناك أي شيء مضحك عن شخص بريء يتم تصويره بنمط عنصري ثم يقضي خمس سنوات في السجن حيث يتعرض للتعذيب لسنوات؟

فعلى المرء فقط مشاهدة فيلم “الحياة جميلة”، الذي حصد عدة جوائز أوسكار للمخرج “روبرتو بينيني” والتي تدور أحداثه في معسكر اعتقال ألماني خلال الحرب العالمية الثانية، ونال ذلك الفيلم في البداية إشادة من النقاد على الصعيد العالمي في عام 1997، ولكن بعد ذلك جاء رد الفعل العنيف على أساس وجهة النظر القائلة بأن فيلم “الحياة جميلة” قلل من حجم مأساة الهولوكوست أو ” المحرقة” وهي وجهة النظر التي نمت مصداقيتها بمرور الوقت.

ولا يعد فيلم “رابيا كورناز ضد جورج دبليو بوش” الأول الذي يمكن تسميته “كوميديا ​​إرهابية ” ولكن على عكس كوميديا المخرج​​ “لكريس موريس” في فيلمه ” الأسود الأربعة” على سبيل المثال، وهي مهزلة عن بعض المراهقين البريطانيين المسلمين الذين يشاركون في عمل إرهابي، فإن فيلم “رابيا كورناز ضد جورج دبليو بوش” يستند على شخصيات وأحداث حقيقية.

ويروي الفيلم قصة حقيقية مروعة عن “مراد كورناز” المولود في بريمن، والذي كان يبلغ من العمر 19 عامًا في سبتمبر 2001، وعلى الرغم من نشأته في ألمانيا، لكنه كان من الناحية القانونية مواطنًا تركيًا، وقد اضطر إلى تجديد إقامته الألمانية كل ستة أشهر. وبعد أحداث 11 سبتمبر، ذهب إلى باكستان وبعد فترة وجيزة، تم القبض عليه واتهامه بأنه إرهابي. وقد اتخذت الحكومة الألمانية قرارًا سياسيًا مفاده أنه على الرغم من الأدلة الواهية والظرفية، فإنها لن تساعد “التركي” “كورناز” الذي تم إرساله إلى معتقل غوانتانامو.

ويريد المخرج “دريسن” إيصال أفكار مهمة من خلال الفيلم، لذلك على عكس الكوميديا ​​الهزلية “هروب هارولد وكومار من معتقل غوانتانامو”، لم يُظهر المخرج الألماني دور التعذيب في معتقل غوانتانامو من أجل إضحاك الجمهور، وهو يعتمد على السيدة “رابيا” لتقديم الكوميديا، فهي بشخصيتها السعيدة والمقبلة على الحياة، تطبخ الطعام التركي وتطلق تعليقات مرحة عندما لا تكون مشاركة في حملة للإفراج عن ابنها المسجون. وهناك شيء حول “رابيا” يجعلنا نرغب في الضحك في كل مرة تظهر فيها على الشاشة، على الرغم من حجم المأساة.

وتنعكس طاقتها وحيويتها مع المزيد من التأثير الهزلي من خلال علاقتها بمحاميها “بيرنهارد دوك” حيث تلعب هذه العلاقة دورًا في كل صورة نمطية ثقافية للأمهات التركيات الصاخبات والألمان الجادين.

ولكن من الصعب تجاهل حقيقة أن الأقوال الشائعة الثقافية قد تكون فظة بعض الشيء، والتي قد يجدها البعض غير حساسة ثقافيًا. وسيكون من المثير للاهتمام معرفة ما إذا كانت الجالية التركية الكبيرة في ألمانيا ستعتبر شخصية “رابيا” في الفيلم مسيئ كما وجد البعض في الجالية اليهودية فيلم “الحياة جميلة” عندما تم عرضه.

وأقول أنه من غير الراجح وقوع ذلك الأمر، على الرغم من أني اتفق مع الكثير من التحفظات على الفيلم، ذلك لأن فيلم المخرج “دريسن” قائم على شيء من السهل نسيانه وهي قوة الضحك. والمقارنة الواضحة هي بين فيلم “رابيا كورزان ضد جورج دبليو بوش” وقصة كيفن ماكدونالدز “الموريتاني” حول السجن الزائف لمحمدو ولد صلاحي في غوانتانامو، حيث يعرض ذلك الفيلم أداء فردي مذهل من طاهر رحيم، وتلقى الفيلم ترشيحات لـ “جوائز الأكاديمية البريطانية للأفلام” و”جولدن غلوب”. ومع ذلك، وعلى الرغم من كل المؤهلات والتميز، إلا أن ذلك الفيلم قد غاب عن الذاكرة، ولم يُحدث أثر كبير  في الوعي العام بالطريقة التي كان ينبغي له، والسبب في ذلك هو كونه دراما قاسية. وكان من الصعب مشاهدته، خاصة أثناء الوباء عندما شعر الناس أن الإغلاق العام كان بمثابة السجن.

وإلى جانب المساعدة في جذب الناس إلى السينما، فإن الضحك أيضًا فعال جدًا في إثارة نقاط سياسية قوية، وأشهر مثال على ذلك هو فيلم “الديكتاتور العظيم” لتشارلي شابلن، والذي سخر من أدولف هتلر، حيث استخدم تشابلن الكوميديا ​​لتسليط الضوء على مدى سخف شخصية الأخير. لكن من نواحٍ أخرى، لا يعد ذلك مقارنة رائعة بفيلم “رابيا كورزان ضد جورج دبليو بوش” حيث كان هتلر شريرًا. ويريد منا المخرج دريسن الوقوف مع “رابيا” ، حتى عندما يكون من غير الواضح في معظم مشاهد الفيلم ما إذا كان ابنها إرهابيًا أم لا.

نشأت الكوميديا ​​القائمة على التعاطف والتقمص الوجداني من فكرة أنه إذا تمكنت من إضحاك الجمهور، فسيشعرون بصلة تربطهم مع البطل، وقد لخص الفكاهي والموسيقي فيكتور بورج هذه الفكرة عندما قال “الضحك هو أقصر مسافة بين شخصين.” وهذه هي الفكرة التي يستخدمها المخرج “دريسن” بصورة كبيرة. نعم، في معظم الحالات، لن يكون معتقل غوانتانامو موضوعًا جيدًا للكوميديا​، ولكن يمكن أن يكون الطريقة الأكثر فعالية لرواية قصة عندما يتم التعامل معها بكافة تفاصيلها الدقيقة. ولا يهتم المخرج “دريسن” دائمًا بالفروق الصغيرة، ولكن تم عمل الفيلم بصورة جيدة، بما فيه الكفاية لإثبات أنه حتى أكثر الموضوعات بشاعة يمكن أن تكون موضوعاً كوميدياً ​​عندما تتوفر الخبرات والنوايا الحسنة.

 

كاليم أفاب هو ناقد سينمائي ومؤلف سيرة “سبايك لي: هذه قصتي وأنا متمسك بها” ومدير البرمجة الدولية لمهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي.

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: