أثارت وفاة مهسا أميني وهي امرأة كردية تبلغ من العمر 22 عاما في 16 من سبتمبر، أثناء احتجازها من قبل شرطة الأخلاق الإيرانية، موجة غير مسبوقة من الغضب الوطني ضد جمهورية إيران الإسلامية، والذي أعقبه رد فعل عنيف من جانب الحكومة الايرانية.

وقتل حتى الآن أكثر من 150 شخصا، من بينهم أطفال وجُرح العشرات ولا يزال المئات رهن الاعتقال، كما شن النظام هجمات عنيفة في كردستان، بما في ذلك المنطقة الكردية في العراق، حيث تقيم أحزاب المعارضة السياسية الكردية الإيرانية وعائلاتهم.

وتعرضت مدينة زاهدان للكثير من أحداث العنف وهي عاصمة محافظة سيستان وبلوشستان المهمشة للغاية، حيث قتل ما لا يقل عن 63 شخصا عندما استخدمت السلطات القوة المميتة لقمع الاحتجاجات بعد صلاة الجمعة الأخيرة.

وبينما تعهد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بالتحقيق “الصارم” في وفاة أميني بعد اعتقالها لارتدائها الحجاب الإلزامي “بشكل غير مناسب” لكنه واصل تهديد المتظاهرين بمزيد من الإجراءات القمعية، وألقى المرشد الأعلى علي خامنئي باللوم على الولايات المتحدة وإسرائيل في الاحتجاجات المستمرة، ومع ذلك، فإن المتظاهرين ما زالوا ثابتين.

وأصبحت “مهسا” اليوم، التي عرفت باسمها الكردي “زينا” رمز لنضال الإيرانيين من أجل الحرية والتحرر، وتطورت الاحتجاجات المستمرة إلى إضرابات مناهضة للحكومة ومقاطعة من قبل المعلمين وطلاب الجامعات والمثقفين وحتى العمال في القطاع النفطي، وكانت الأوساط الرياضية والفنية في البلاد داعمة لتك الاحتجاجات، وكذلك السجناء السياسيون السابقون وغيرهم ممن ظلمهم النظام.

كما ولدت الاحتجاجات اهتماما عالميا كبيرا، وعلى الرغم من حظر الإنترنت وغربلة علامات التصنيف، لكن تمت مشاركة #MahsaAmini أكثر من 100 مليون مرة على منصة تويتر. وقد احتج الإيرانيون المغتربون ليظهروا للعالم أنهم يقفون إلى جانب الشعب الإيراني، حيث نظموا مظاهرات كبيرة في 150 مدينة حول العالم، وكان أكبرها في تورونتو، حيث شارك ما يقدر بنحو 50 ألف شخص.

وترى العديد من النساء الإيرانيات سواء في داخل أو خارج إيران، أنفسهن في صورة مهسا أميني، حيث إنهن ضحايا التمييز القائم على النوع الاجتماعي والقمع والقسوة، وقد أوقفت شرطة الأخلاق التابعة للنظام معظم النساء الإيرانيات، بمن فيهن كاتبة هذا المقال، لانتهاكهن قوانين “انعدام الحياء والرذائل المجتمعية” وتلك التجربة مهينة، ويمكن أن تترك جروح عاطفية وقانونية وجسدية خطيرة لأولئك الذين يتعرضون للمضايقة من قبل السلطات.

ومثلنا مثل مهسا أميني تم إيقافنا لارتدائنا للحجاب الإسلامي الإلزامي “بصورة غير كافية” وحدث ذلك مرارا وتكرارا منذ سن مبكرة، حتى إذا ظهرت بضع خصلات من الشعر من تحت الحجاب فيجب مواجهة الكثير من المتاعب، ويجب على تلميذات المدارس اللواتي لا تتجاوز أعمارهن ست سنوات ارتداء الحجاب في المدرسة، وبمجرد أن تبلغ الفتاة التاسعة من عمرها، يصبح الحجاب الإسلامي إلزاميا.

لقد كان من الجيد رؤية الاستجابة الدولية لمطالب الإيرانيين بالعدالة في أعقاب وفاة ماهسا، ومع ذلك، فما يُثير القلق هو أن الكثيرين يفتقرون إلى رؤية الصورة الكلية أو الإطار العام التي يقود ردة الفعل العميقة داخل بلدي.

أولا، في حين أن حقوق المرأة هي عنصر جوهري في احتجاجات اليوم لكن المساواة بين الجنسين ليست المطلب الوحيد، حيث إن النظام نفسه يتعرض للانتقاد، كما يتضح من الشعارات التي يهتف بها الناس وهي “الموت للديكتاتور” “الموت لخامنئي” و”سنستعيد إيران”. وعلاوة على ذلك، فإن الاحتجاجات المناهضة للنظام، وردة فعل النظام الدموية، لها سوابق في إيران، كما حدث في شهر ديسمبر 2017 وشهر نوفمبر 2019.

وإذا كانت وفاة مهسا أميني هي الشرارة التي اشعلت الاحتجاجات الأخيرة، فإن المثل الكردي “امرأة و حياة و حرية” هو وقودها، ويدرك المتظاهرون أن الحرية الحقيقية في إيران لا يمكن تحقيقها إلا إذا كانت المرأة حرة، ولكي يحدث ذلك، يجب على الجمهورية الإسلامية أن تغادر الساحة.

والمخاوف الاجتماعية والاقتصادية وأزمة المناخ والفساد المستشري والقمع السياسي الواسع النطاق هي من بين تلك الأسباب الكثيرة التي تجعل الرجال والأطفال والنساء اللواتي اخترن ارتداء الحجاب، يحتجون جنبا إلى جنب مع أولئك الذين لا يريدون ارتدائه.

ثانيا، اعتراضات النساء الإيرانيات واحتجاجاتهن على الحجاب الإلزامي ليست بجديدة، بل إنها استمرار للنضال ضد قوانين وممارسات الحجاب الإلزامي التي تعود إلى عهد الجمهورية الإسلامية نفسها، ففي 8 مارس 1979 وبعد أقل من شهرين من الإطاحة بالشاه، نظمت احتجاجات ضخمة معارضة لإعلان آية الله الخميني أن الحجاب سيصبح إلزاميا في المكاتب الحكومية.

ومنذ ذلك الحين، قاومت أجيال من النساء الإيرانيات على مستوى القاعدة الشعبية، وغذت تلك المقاومة وسائل التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة، وعلى مر السنين، تعرض العديد منهم للاعتقال والاضطهاد بسبب مشاركتهم في تلك الحملات أو لخلعهم الحجاب في الأماكن العامة.

ثالثا، إن حركة حقوق المرأة في إيران هي واحدة من أقدم الحركات في البلاد، ويعود تاريخها إلى ما قبل الثورة الدستورية في الفترة ما بين 1905-1911. كما كان المدافعون عن حقوق المرأة من بين الأكثر نشاطا في إيران ما بعد الثورة، وبعبارة أخرى، فإن احتجاجات اليوم هي ليست من قبل شريحة واحدة من شرائح المجتمع، بل تمثله بكافة أطيافه.

وأخيرا، هناك شعور غير مسبوق بالوحدة في صفوف المحتجين اليوم، وهذا يشكل تحديا مباشرا لنظام يعتمد على استراتيجية “فرق تسد” إن عدم القدرة على استخدام تكتيكات التهميش الشبيهة بما فعله النظام السوري لاحتواء تراكم المظالم والغضب يدفع النظام الايراني إلى الهجوم بقوة.

كانت مهسا ضيفة كردية في طهران (وكانت في عطلة عندما ألقي القبض عليها) ويتعرض الأكراد الإيرانيون، وهم واحد من أكبر المجموعات العرقية في البلاد، للاستهداف والقمع الشديدين من قبل النظام، ولديهم تاريخ طويل حافل بالصمود.

ومع ذلك، وقف الشعب الإيراني إلى جانب إخوانه وأخواته الأكراد، وذلك النوع من التضامن، الذي بدأ مع حركة حقوق المرأة منذ عقود، أصبح منتشرا في كل مكان، ويردد آلاف المحتجين الإيرانيين في إيران وخارجها شعارات مثل “كردستان ليست وحدها” و”بلوشستان ليست وحدها”.

لقد أيقظت وفاة شابة كردية على أيدي شرطة الأخلاق الإيرانية الشعب الإيراني للنضال من أجل حقوق كل فرد، وحقوق بعضهم البعض. ولا نعرف ما يخفيه الغد لإيران، ولكن هناك شيئا واحدا مؤكدا وهو: إن الدعوات الجماعية للمساءلة والعدالة والحرية وصلت إلى ذروتها ولا يستطيع العالم تجاهل تلك الدعوات.

 

أزاده بورزاند هي الشريك المؤسس والمديرة التنفيذية لمؤسسة “سياماك بورزاند” وهي مرشحة للحصول لدرجة الدكتوراه في الإعلام العالمي والاتصالات من جامعة “اس او اي اس” في لندن.

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: