يحتاج العالم اليوم وربما أكثر من أي وقت مضى لمن يتسلح بالطموح ويمتلك أفكار عظيمة.

لمن يغير الأشياء، لمن يتحدى الأفكار التي عفي عليها الزمن، من خلال إحداث ثورة مفاجئة وليس عن طريق التطور البطيء.

أعطانا الطامحون كل شيء من محركات الاحتراق الداخلي إلى الطيران وسفن الفضاء إلى الكهرباء، والطاقة النووية، والمضادات الحيوية، واللقاحات.

وقد عاش أحد أوائل الطامحين الكبار منذ حوالي 6000 عام في بلاد ما بين النهرين، وهو سومري نساه الناس منذ زمن طويل، والذي أحدث ثورة في النقل والحرب والزراعة من خلال اختراع العجلة.

تكمن مشكلة الأفكار الكبيرة في أنها تثير قدرًا معينًا من الشك، خذ على سبيل المثال رد فعل الكثير من وسائل الإعلام الغربية بعد كشف النقاب عن تصاميم المشروع السعودي “ذا لاين” والذي يمثل “ثورة في الحياة الحضرية” في قلب نيوم، وهو المشروع السعودي العملاق والذي في طور التشكيل في شمال غرب البلاد.

حيث كانت الاستجابة متوقعة بشكل محبط، وهي السخرية والتهكم المعتادة التي يرافق إلى حد كبير أي إعلان طموح من جانب المملكة.

إن المشروع السعودي “ذا لاين” هو “ضرب من الخيال العلمي” والذي “أصاب المهندسين المعماريين بالحيرة” و “الجحيم الذي تم تصويره على أنه جنة … خيالي … 100 ميل من الكليشيهات العقارية.”

وربما جاء أغبى تعليق من صحيفة واشنطن بوست، التي كتبت في عمودها “ولي العهد السعودي يريدك أن تتحدث عن” مدينته المستقبلية “.

فهل نجحت تلك السخرية؟

ومن الغريب أن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي يشغل أيضًا منصب رئيس مجلس إدارة نيوم، يشبه لحد كبير الكاتب الإنجليزي من القرن التاسع عشر الذي تحول إلى إصلاحي اجتماعي وهو  “إيبينيزر هوارد”.

حيث نشر هوارد في عام 1898 بسبب حزنة على الأحياء الفقيرة القذرة في المدن الفيكتورية ،”الغد: طريق سلمي للإصلاح الحقيقي” ، وهو مخطط لمدينة حدائق مثالية يمكن للناس فيها العيش والعمل بسعادة وانسجام جنبًا إلى جنب مع الطبيعة.

وكانت النتيجة بلدة ليتشوورث، وهي أول مدينة حدائق في العالم والتي بدأ العمل فيها في عام 1903، وكانت مصدر إلهام ووجهة لمخططي المدن في جميع أنحاء العالم، وهي لازالت تزدهر حتى يومنا هذا في ريف هيرتفوردشاير، شمال لندن مباشرة.

وكان لكل منزل حديقة ذات حجم لائق، وتقع كل منشأة ومكان عمل على مسافة قريبة من المنزل، كما أن المساحات الخضراء المفتوحة والمناطق الصناعية المخصصة تضمن أن يعيش سكان البلدة حياة أطول وأكثر صحة من أقرانهم في المدن الكبيرة.

وكان يمكن لهوارد تفهم فكرة مشروع الأمير محمد، وعندما حاول لأول مرة جذب اهتمام المستثمرين في تطوير بلدة ليتشوورث، تعرض للسخرية من نفس وسائل الإعلام الغربية التي تجد الآن صعوبة بالغة في النظر إلى إمكانيات مشروع “ذا لاين” بعقلية منفتحة.

وعندما تحدث الأمير محمد عن مشروع “ذا لاين” يكاد المرء يسمع صدى صوت هوارد في كلماته.

قال الأمير: “بعد الثورة الصناعية، أعطت المدن والآلات والسيارات والمصانع الأولوية على الناس”. لكن “لماذا يجب أن نضحي بالطبيعة من أجل التنمية؟ لماذا يموت سبعة ملايين شخص كل عام بسبب التلوث؟ ”

وتماشيًا مع مخطط رؤيته 2030 لتنويع الاقتصاد السعودي وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، “نحتاج إلى تحويل مفهوم المدينة التقليدية إلى مدينة مستقبلية” مع كل التفاصيل المصممة للاستجابة لتحديات تغير المناخ.

ومن الصعب أن يجادل المرء مع تلك الفكرة، لذلك اختار الكثيرون السخرية منها.

صحيح أن التصاميم عالي الطموح لـمشروع “ذل لاين” التي تم الكشف عنه في شهر يوليو، ليس لأصحاب العقول الصغيرة، حيث يعمل جيش من المهندسين والمخططين الرائدين والمهندسين المعماريين في العالم على ذلك المفهوم. ويتطلب فهم واستيعاب الحجم الهائل والتقنية الحديثة لذلك المشروع مستوا عال من الخيال.

لم يتم يتخيل أي أنسان شيء مثل “ذا لاين” ناهيك عن رؤيته، ويبلغ عرض المشروع 200 متر فقط، وارتفاعه 500 متر، وسيكون بمثابة بيئة حضرية ثورية، وهيكل واحد ضخم يمتد شرقاً إلى الداخل من خليج العقبة لمسافة 170 كيلومترًا، وهو خط مستقيم تمامًا يقطع الصحراء الساحلية وسلاسل الجبال والوديان.

والمشروع قائم بالكامل على الطاقة المتجددة، وتم تصميمه لإيواء تسعة ملايين شخص بحلول عام 2045، ولن يكونوا على بعد أكثر من خمس دقائق سيرًا على الأقدام من كل ما يحتاجون إليه، وكل ذلك في هيكل متعدد الطوابق – بما في ذلك الحدائق والمدارس والمنازل والمكاتب والمرافق الطبية والمسابح، والمرافق الرياضية، والمحلات التجارية، والترفيهية.

ويشابه مشروع بلده ليتشوورث ولكن على نطاق وفي شبه الجزيرة العربية.

ويملك المشروع مساحة صغيرة تبلغ 34 كيلومترًا مربعًا فقط، ما يمثل 2 في المائة فقط من أي مدينة تقليدية مماثلة الحجم، وسيتم تقليل تأثير المشروع على البيئة الطبيعية بشكل أكبر من خلال واجهة عاكسة، مما يساعده على الاندماج بصريًا مع المناظر الطبيعية المحيطة.

وسيمثل مشروع “ذا لاين” نهاية السيارات، فإذا احتاج السكان إلى السفر من طرف إلى آخر في هذه المدينة الخطية، فإنهم سيفعلون ذلك على متن قطار فائق السرعة، وستستغرق الرحلة 20 دقيقة فقط.

وتكهن الكثير أن مشروع “ذا لاين” لن يتم بناؤه أبدًا، لأنه مشروع رائع للغاية، ومستقبلي للغاية، ربما يمتلك الكثير من الطموح.

ولكن هذا هو الشيء المرتبط بالطامحين الكبار.

ليس من الضروري حتى أن تتحقق أحلامهم من أجل إحداث تغيير هائل في العالم، إن الحلم الكبير، ومشاركة ذلك الحلم مع العالم، هو بحد ذاته كافٍ لبذر البذور، وإلهام الآخرين لمتابعة وتحقيق أحلامهم الخاصة.

 

جوناثان جورنال صحفي بريطاني عمل سابقًا مع التايمز، عاش وعمل في الشرق الأوسط وهو الآن مقيم في المملكة المتحدة.

تويتر:JonathanGornall

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: