يعتبر التقشف المالي بمثابة مهمة شاقة غير محمودة، حتى ولو يبدو أن الألم القصير الأمد للمريض قد بات أمراً ضروريًا لمنع مشكلة طويلة الأجل. وإذ يقدم الأردن قصة ذات مغزى، حيث أظهر استطلاع جديد للرأي أن حكومة رئيس الوزراء هاني الملقي، التي تم تكليفها منذ عام ونصف، قد وصلت إلى مستويات قياسية من انعدام الشعبية بعد ميزانية 2018 التي بدأت في وقف نزيف المملكة الاقتصادي.
وعلى الرغم من أنه ليس من غير المألوف أن تلقى الحكومات الأردنية على نسب تأييد تبلغ حوالي 50 في المائة، فقد عبر 68 في المائة من الأردنيين عن أراءهم بأن البلاد تتحرك حالياً “في الاتجاه الخاطئ”، وفقًا لاستطلاع أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية بالجامعة الأردنية، علما بأنه مركز الاستطلاع الوحيد الذي يحظى باحترام واسع في البلاد. وفي حين عبر 30 في المائة عن ثقتهم في الحكومة، يعتقد 74 في المائة منهم بأن الأوضاع في البلاد ساءت خلال العام الماضي و55 في المائة يعتقدون أن الأوضاع ستزداد سوءا في العام المقبل.
كان العام 2018 عاما عاصفاً بالنسبة للملقي، حيث بدأ بتمرير الموازنة لتصبح قانونًا في 18 يناير. وعلى الرغم من أنه لم يحصل على تأييد وتعاطف الكثير من الجمهور، فإن الملقي قد أنقذ الأردن من الإفلاس الوطني، بأمر رسمي من الملك عبد الله الثاني.
في عهد أسلافه، كان الدين العام يخرج عن نطاق السيطرة، حيث ارتفعت الديون بنسبة 50 في المائة بالنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي على مدى خمس سنوات. ووصلت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي الى أكثر من 93 في المئة عندما تولى الملقي لمنصبه، وقد كان استمرار هذا المسار بمثابة أمر لا يمكن دعمه، حتى مع الاعتماد المتزايد على الولايات المتحدة للحصول على معونات وعلى صندوق النقد الدولي للحصول على القروض.
إن ما فعله الملقي هو ما قد تحدث عنه الكثير من السياسيين فقط – لقد اتخذ قرارات صعبة. أما على صعيد الإيرادات، فقد ارتفعت الإيرادات الداخلية من الضرائب والجمارك والرسوم من 6.2 مليار دينار إلى 6.9 مليار دينار، و من المتوقع أن ترتفع إلى 7.8 مليار دينار هذا العام، وهذا يعني زيادة بنسبة 10٪ في الإيرادات المنتزعة من اقتصاد يكافح لمدة عامين على التوالي. حيث وصل معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي في الأردن أكثر من 2 في المائة في خلال السنوات الأخيرة.
وعلى صعيد الإنفاق، خفض الملقي الدعم المالي للكهرباء والوقود والخبز، رغم أن هذا لم يكن كافياً للحفاظ على الإنفاق العام من الارتفاع بسبب الزيادات في معاشات وفوائد الديون والسندات. ولقد أدت هذه الزيادة الكبيرة في الإيرادات مع تباطؤ معدل نمو الإنفاق، لانخفاض العجز إلى 2.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، على الرغم من أنه سيكون ضعف ذلك في ظل عدم الحصول على منح المساعدات الأجنبية. والنتيجة هي أنه بدلاً من زيادة نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5 في المائة سنوياً، فإنه يتزايد حالياً بأقل من 1 في المائة.
وإذ سرعان ما واجهت الحكومة تصويت لحجب الثقة عنها في البرلمان، بقيادة تحالف الإصلاح الوطني التابع للإخوان المسلمين. وقد فشل التصويت في 18 فبراير، بتأييد 49 صوتا مقابل معارضة 67 صوتا و 14 صوتا لعدم الحضور أو الممتنعين عن التصويت. وقد كانت هذه النتيجة متوقعة سلفاً، إذ جرت الانتخابات البرلمانية من خلال التحيز في تقسيم المناطق الانتخابية على نحو كبير لضمان انتخاب أغلبية من القبائل الريفية الموالية للحكومة، وهي أقلية من السكان.
وبعد انقضاء أسبوع، أصدر الملك عبد الله مرسومًا حكوميًا بالتعديل الوزاري السادس للحكومة الوزارية، وهو تكتيك يتم استخدامه بشكل تقليدي لاسترضاء الاستياء الشعبي. لقد أظهر عدد التعديلات الوزارية التي تمت في سنة ونصف، مدى الشعور بالضغط الذي تعاني منه هذه الحكومة. وقد أسفر هذا التغيير عن انتقال ثمانية وزراء إلى مناصب جديدة أو فصلهم وانضمام تسعة أعضاء إلى الحكومة. وبرزت الخطوة الأكثر أهمية بتولي جعفر عبد الفتاح حسن، الذي كان رئيس المكتب الشخصي للملك، لمنصب نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية.
وبطبيعة الحال أفرزانتقال حسن من العمل مباشرة مع الملك ليكون نائب الملقي، عن وجود انطباعًا بأن التعديل الوزاري كان يهدف إلى زيادة السيطرة المباشرة للعاهل الأردني على السياسة الاقتصادية. وقد كان هذا ملحوظًا بشكل خاص بالنظر إلى المؤشرات التي كانت تشير إلى أن رئيس الوزراء يعاني من ثمة مشاكل صحية خطيرة بعد أن أمضى أواخر شهر مارس والنصف الأول من شهر أبريل خارج إطار المشهد العام وذلك أثناء خضوعه للعلاج الكيماوي في عمان. حيث عاد إلى البرلمان للدفاع عن الحكومة في 17 أبريل. كان من الواضح أنه كان قد فقد الكثير من الوزن، إلا أنه تحدث بحيوية رداً على النقاد.
وعلى الرغم مما يبدو بأن التعاطف مع صراعه مع مرض السرطان قد أدى إلى تعرض الملقي لبعض النقد، فإن أرقام الاستطلاعات الجديدة تظهر أن ميزانية يناير كان لها ثمة تأثير كبير. وإلى جانب التعبير عن الشعبية المتردية واسعة النطاق، فقد أعرب المستطلعة آرائهم عن رفضهم لكل من، أولاً: لارتفاع الأسعار، وثانياً: للضعف الملحوظ في مكافحة الفساد. وعند سؤالهم عن كيفية تصنيفهم لمشاكل البلاد، أفاد 34 في المائة منهم بأن ارتفاع الأسعار كان بمثابة الشاغل الاساسي، يليه 21 في المائة بسبب مشكلة البطالة، وضعف النمو الاقتصادي بنسبة 16 في المائة، والفقر بنسبة 7 في المائة فقط.
ومع ذلك، فقد نتج ارتفاع الأسعار عن تخفيضات الدعم المرتبطة بالإصلاح الاقتصادي المالي، والتي لا تستطيع الحكومة ببساطة تجنبه في ظل وجود الديون بمعدل 95 في المائة إلى نسبة الناتج المحلي الإجمالي. يجدر الإشارة إلى أن الاستطلاع الذي يتضمن دائماً عينة متماثلة من صانعي الرأي، أظهر أن المواطنين الأكثر وعيًا لم يروا تخفيضات الدعم كمشكلة أساسية، بل ركزوا على ضعف الاقتصاد.
فإذا كانت حكومة الملقي ترغب في تعزيز شعبيتها، فيستوجب عليها إذن القيام بأداء أفضل لإقناع عامة الشعب بأن الإجراءات الصارمة باتت ضرورية. أكثر من مجرد موضوع بقاء هذه الحكومة على المحك.
AFP PHOTO/JEWEL SAMAD