في يناير/كانون الثاني، انتحرت إحدى عالمات الآثار في متحف زيوغما للفسيفساء، وهو موطن أكبر مجموعة من الفسيفساء القديمة في العالم، بإلقاء نفسها من مبنى مكون من ثمانية طوابق.

وفي مذكرة انتحارها، قالت “ميرف كاكمس”، البالغة من العمر 33 عامًا، إنها لم تعد قادرة على تحمل ما تتعرض له من سخرية على يد رؤسائها في المتحف الواقع في غازي عنتاب جنوب شرق الأناضول. وكان رؤسائها قد اتهموها – زوراً – بسرقة 150 قطعة أثرية مفقودة. وتقول “ميرف” في مذكراتها، “لم أفعل ذلك، إنني بريئة”.

وألقت وفاة عالمة الآثار الشابة الضوء على ما يبدو أنه فساد مستشري في المؤسسات الثقافية المسؤولة عن حماية التراث المادي لتركيا.

وقبل ستة أو سبعة أشهر، تلقت “ميرف” أوامر من أحد رؤسائها بتولي مسؤولية حوالى 9000 قطعة أثرية جُلها من الفسيفساء. وفي تركيا، ينص القانون على أن العاملين بالمتاحف هم حراس رسميين على تلك القطع الأثرية الموجودة في المؤسسة التي يعمل بها. ولكن عندما اكتشفت “ميرف” أن 150 قطعة غير موجودة في المتحف فإنها لم تتقبل هذا الأمر رغم علمها بالمخاطر التي قد تتعرض لها إذا لم تقبل به. وقدمت “ميرف” بيانًا رسميًا ذكرت فيه مشاكلها مع رئيس قسمها الذي رفض هذا البيان، وكذلك مدير المتحف.

وفي مذكرة انتحارها، اتهمت “ميرف” رئيس قسمها ومدير المتحف – بالإضافة إلى موظف آخر في مخزن المتحف – بالسخرية منها ومضايقتها على مدار أكثر من ستة أشهر. وكانت البداية بإجبارها على تولي مسؤولية مجموعة القطع الأثرية، واتهامها لاحقًا بالكذب بشأن فقدان تلك القطع الأثرية.

وبعد وفاتها، أكد التحقيق الذي أجرته وزارة الثقافة والسياحة على صحة رواية “ميرف”،: وهي أن القطع الأثرية كانت مفقودة بالفعل،وأن السخرية إحدى المشاكل المؤسسية التي يعاني منها المتحف.

وفي الواقع، كانت المشاكل محيطة بمتحف “زيوغما” منذ افتتاحه في عام 2011، ولم تكن “ميرف” أول من يبلغ عن تلك المشكلات. وبسبب إبلاغه عن المخالفات، تعرض أحد موظفي مكتب التذاكر للفصل بعد إبلاغه البلدية عن زعمه بوجود أنشطة مشبوهة. ومنذ العام 2017 والشائعات تدور حول وجود سرقة في متحف “زيوغما” للفسيفساء. وهناك العديد من الموظفين ممن طلبوا من وزارة الثقافة التحقيق في الأمر، وبدلاً من ذلك، خفضت الوزارة من درجاتهم الوظيفية.

وذكر تقرير الوزارة نفسه في فبراير/ شباط الماضي حول قضية “ميرف” أن عدد القطع الأثرية المفقود كان عشر “10” قطع فقط وليس 150 قطعة كما زعمت “ميرف”. ومع ذلك، اكتشف “عزت جوفن”، كبير المحققين في وفاة عالمة الآثار “ميرف”، أن سجلات المتحف بها الكثير من التناقضات. وهناك أكثر من 2000 قطعة مخزنة في المتحف لم تظهر في بيان مخزون المتحف.وفي أكتوبر/تشرين الأول، عدلت محكمة الاتفاقات، وهي الهيئة التي تراقب الإنفاق العام، هذا الرقم إلى 100. وفي كلتا الحالتين، لا يزال مكان تلك القطع مجهولاً، ولم يحدث أي تحقيق بعد في مزاعم السرقة.

إن متحف زيوغما للفسيفساء ليس المؤسسة الوحيدة التي “فقدت “أشياء” من المفترض أنها تحت رعايتها، إذ فقدت متاحف تركيا في العقد الماضي أكثر من 2000 قطعة أثرية. وتشتمل تلك القطع الأثرية المفقودة على 302 لوحة من متحف الدولة للفنون والنحت في أنقرة، و404 قطعة من الأعمال الفنية المذهلة من متحف “معمار سنان” في إسطنبول – وتعود تلك القطع إلى ذلك المهندس المعماري العثماني في القرن السادس عشر، والذي يُنسب إليه الفضل كأحد الأوائل في مجال هندسة الزلازل في العالم، والذي صمم مسجد سليمان في اسطنبول، بالإضافة إلى أعمال أخرى.

وتظهر بعض القطع من حين لآخر، ففي عام 2019، تم العثور على لوحة زيتية للفنان “فيها مان دوران”، رجل الحداثة في القرن العشرين، وكانت اللوحة معلقة في متحف الدولة للفنون والنحت في قبو في دار مزادات محلي في اسطنبول. وزعمت دار المزادات أن وزارة الثقافة كانت تعلم أن اللوحة كانت موجودة هنا طوال الوقت.

ونأمل أن تكون حادثة الانتحار المأساوية لامرأة شابة لا ذنب لها سببًا لجذب الأنظار إلى الإجرام الذي يكمن داخل أولئك المكلفين بحراسة إرث البلاد. (وهناك شك في أن العديد من اللوحات “المفقودة” وغيرها من القطع الأثرية معروضة خلسة في منازل جامعي التحف). وللأسف، إنه أمل بائس. وتزداد قائمة القطع الأثرية “المفقودة” في النمو، ما بقي الفساد قائمًا بجون عقاب.

 

ألكسندرا دي كرامر، صحفية مقيمة في اسطنبول. تناولت الربيع العربي من بيروت أثناء عملها كمراسلة في الشرق الأوسط لصحيفة “ميلييت”، وتتنوع أعمالها من الشؤون الجارية إلى الثقافة، ولها مقالات في صحيفة “Monocle“، ومجلة “Courier Magazine”، وصحيفة “Maison Francaise” الفرنسية، وصحيفة “Istanbul Art ews” التركية.

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: