وافقت تركيا بكل كرم على استضافة جيرانها السوريين بعد فرارهم من حرب أهلية مروعة، لكن تبدو الأمور مختلفة تمامًا بعد مرور عقد من الزمان، فقد تحول السكن المؤقت إلى إقامة دائمة.

والخوف الذي ظهر مؤخرًا من الجانب التركي من أن السوريين بدأوا في الاستقرار هو خوف غير مبرر، فقد انتقل جميع اللاجئين تقريبًا من المخيمات إلى المدن.

ولكن ما يدعو للقلق هو الافتقار إلى التخطيط طويل الأمد للشباب السوريين الذين يعيشون في تركيا.

ووفقًا لسجل إحصاءات شهر نوفمبر الصادرة من جمعية اللاجئين، تستضيف تركيا عدد 3.7 مليون سوري وأكثر من 2.6 مليون منهم تقل أعمارهم عن 30 عامًا، كما أن أكثر من مليون منهم دون سن العاشرة، وقد جاءوا للحياة بعد اندلاع الصراع لأول مرة بعد الاحتجاجات الواسعة النطاق ضد الرئيس بشار الأسد.

ولدى تركيا أكبر عدد من اللاجئين في العالم من فئة صغيري السن، لكن ما هو المستقبل الذي ينتظر هؤلاء الصغار؟

والجواب بسيط، ينتظرهم مستقبل أسود.

والحقيقة هي أن تركيا لا تستطيع ضمان مستقبلاً مشرقًا لشبابها ناهيك عن شباب اللاجئين، إن عقلية الإصلاحات قصيرة المدى التي تبنتها الحكومة تترك إرثًا من الديون الكبيرة والمؤسسات المعطلة، كما هو واضح من تعاملها مع الأزمة الاقتصادية الحالية.

ويغادر الشباب الأتراك من البلاد بأعداد كبيرة، ففي عام 2019، هاجر 330 ألف تركي إلى الخارج، وكان نصفهم تحت سن 30 سنة، وأولئك الذين بقوا يواجهون ثالث أعلى معدل بطالة في 32 دولة أوروبية، وفقا لإحصائيات شهر أغسطس من يوروستات.

وقدر برنامج بطالة الشباب في تركيا أن أكثر من 11 مليون شخص تتراوح أعمارهم ما بين 15 و34 عامًا كانوا عاطلين عن العمل في شهر نوفمبر، وفي الربع الثالث من عام 2021، بلغ المعدل الرسمي للبطالة بين الشباب 22٪.

ولهذا السبب قال 76 بالمائة من الشباب إنهم يريدون مغادرة تركيا من أجل مستقبل أفضل، وذلك وفقًا لاستطلاع أجرته شركة ماك كونسلتنسي في عام 2020.

وينتظر مصير مماثل الشباب السوريين الذين استطاعوا الهروب من الحرب لكنهم يعانون من صدمة نفسية كونهم جزءًا من مجموعة من اللاجئين، وبناء عليه، لا يمكنهم الحصول على الضروريات الإنسانية الأساسية مثل السكن والتعليم والأمن المالي.

ولم يطابق كلام الدولة المرحب باللاجئين أفعالها إلى هذه اللحظة، فقد فشلت الحكومة، التي يديرها حزب العدالة والتنمية بزعامة الرئيس رجب طيب أردوغان، في توفير سياسة موحدة للاجئين السوريين، وكان ذلك جلياً في شهر فبراير، حيث فشل برنامج التطعيم في البلاد في ضم شريحة اللاجئين السوريين.

ومثّل توفير التعليم مشكلة أساسية، فقد ساعد من حدة المعضلة الاتفاق التي تم إبرامه في عام 2016 بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، حيث تعهد الاتحاد الأوروبي بتقديم 6 مليارات يورو، والذي تم إنفاق 2.4 مليار يورو منها على التعليم والإسكان، ولكن كل ذلك لا يلبي حاجة اللاجئين.

وقد أمرت وزارة التعليم بإجراء تغييرات منهجية لتوفير إطار تعليمي أكثر شمولية، لكن الحجم الهائل للمهمة يجعل تنفيذها معقدًا للغاية.

بادئ ذي بدء، لا يسمح نظام التعليم المركزي في تركيا للمدارس كل على حده بتكييف التعليم مع احتياجات الطلاب السوريين، وثانيًا، لا يوجد عدد كافٍ من المعلمين المؤهلين لتدريس منهج دراسي باللغتين التركية والعربية، وقد أكدت مبادرة إصلاح التعليم أن نصف الأطفال السوريين المسجلين فقط يذهبون إلى المدارس، وقد تم تسجيل 26 بالمائة فقط في المدارس من بين أولئك الذين تتراوح أعمارهم بين 14 و17 عامًا.

ولم يذهب نصف السوريين في تركيا إلى المدارس أو أنهم أميين، وتقول المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إن أكثر من 70 بالمائة من اللاجئين السوريين يعيشون في فقر، ومن المرجح أن هؤلاء الأطفال الذين لا يذهبون إلى المدرسة يساعدون أسرهم من خلال العمل، وتعد معظم تلك الأعمال تقريباً أنشطة غير قانونية.

وأدى انخفاض قيمة الليرة التركية إلى احتقان اقتصادي في جميع أنحاء البلاد ومهد الطريق لظهور مشاعر معادية للسورين، وزادت الأحزاب السياسية من نبرة العداء من خلال مناهضة وجود اللاجئين.

وفي شهر نوفمبر، ذهب ثلاثة سوريين تتراوح أعمارهم بين 17 و21 عامًا للعمل في إزمير وتعرضوا للحرق حتى الموت أثناء نومهم، وقالت جماعات تركية لحقوق الإنسان إن ذلك الهجوم قائم على كراهية الأجانب، وفي صيف 2020، تعرض ستة أطفال في مدينة هاتاي لهجوم عنصري وضُربوا بشدة لدرجة أنهم احتاجوا إلى العلاج في المستشفى، وهناك حادثة أخرى في عام 2019، حيث أقدم طفلًا سوريًا يبلغ من العمر 9 سنوات من مدينة قوجهالي على شنق نفسه بسبب التمييز العنصري ضده في الفصل الدراسي.

ووجدت منصة حماية الأطفال وحقوقهم أن أكثر من نصف الآباء الأتراك الذين تمت مقابلتهم لم يوافقوا على أن يكون لأطفالهم أصدقاء سوريين، ولا توجد حملات رأي عام للمساعدة في تغيير ذلك الرأي.

ومن المقلق للأتراك أن عدد الشباب السوريين ينمو بسرعة، فقد قدر تقرير صدر في عام 2019 من المؤسسة السياسية الألمانية كونراد أديناور شتيفتونغ أن ما يقرب من 500 طفل سوري يولدون في تركيا كل يوم، ولا تمنح سوريا ولا تركيا الجنسية لهؤلاء الأطفال حديثي الولادة، الأمر الذي يحرمهم من الحصول على بطاقات الهوية الوطنية، وهم بلا شك أكبر ضحايا الوضع الراهن.

وهناك العديد من التحديات التي تواجهها تركيا عندما يتعلق الأمر باللاجئين السوريين الذين تستضيفهم، لكن فئة الشباب من اللاجئين السورين هم الذين يحتاجون إلى أكبر قدر من الاهتمام في هذه المرحلة.

وتريد الحكومة التركية أن يعتقد الأتراك أن السوريين سيعودون إلى بلادهم، لكن ماذا تعني لهؤلاء الأطفال فكرة العودة للديار؟ حتى لو انتهت الحرب، فمتى سيكون من الآمن لهم العودة؟

وهناك تقارير عن عودة بعض اللاجئين إلى سوريا، والذين تم احتجازهم واستجوابهم وتعذيبهم وإساءة معاملتهم جنسياً من قبل قوات الأمن التابعة للأسد.

ما ينتظر الشباب اللاجئين في سوريا هو نقص الغذاء والاضطهاد والتجنيد الإلزامي، وبالمقارنة مع هذه الاحتمالات، فإن تركيا هي عرض أكثر جاذبية بكثير، لكن ألا تستطيع تركيا توفير خيارات أفضل؟

 

تعمل الكسندرا دي كريمر كصحفية في إسطنبول، كما عملت كمراسلة في الشرق الأوسط لصحيفة ميلييت عن الربيع العربي من بيروت، وتتراوح أعمالها ما بين الشؤون الحالية إلى القضايا الثقافية، وقد ظهرت في مونوكل وكارير ماقزين و ميسن فرانسسكو و وأخبار الفن في إسطنبول.

 

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: