أوضح الهجوم السافر الذي شنه مسلحون مرتبطون بتنظيم الدولة الإسلامية “داعش” هذا الشهر على مشاريع الغاز الطبيعي في موزمبيق الحاجة إلى التدخل الإقليمي لمواجهة الإرهاب. ولأنها قوة عسكرية واقتصادية في جنوب القارة الأفريقية، فربما تكون جنوب إفريقيا هي الدولة الوحيدة المناسبة لقيادة الجهود والمفاوضات حول السياسات المعقدة للتدخل الإقليمي في مواجهة المتشددين. ومن المؤكد أن العاصمة “بريتوريا”، والتي تعاني من شلل اقتصادي بسبب جائحة كورونا وتواجه بنيتها التحتية تحديات ضخمة، ستجد صعوبة في التعامل مع هذا الأمر. ولكن بالنظر إلى التكلفة المحتملة لعودة تنظيم “داعش”، فليس أمام دولة “جنوب أفريقيا” أي خيارات سوى تولى زمام هذا الأمر.

بعد خمسة أيام من القتال العنيف، احتل المتمردون المرتبطون بتنظيم الدولة الإسلامية “داعش” مدينة “موكيبمو دا بريا” الساحلية في أقصى شمال موزمبيق، والتي تمثل رابطًا مهمًا بقطاع الغاز الطبيعي المتنامي في البلاد، والذي تبلغ قيمته حوالي 60 مليار دولار أمريكي. وتمثل المدينة أيضًا جزءًا لا يتجزأ من مشروع للغاز الطبيعي بقيمة 23 مليار دولار أمريكي تديره شركة الطاقة الفرنسية العملاقة “توتال”. وبحسب التقارير الواردة من المنطقة المعزولة، هاجم مسلحون المدينة عدة مرات منذ عام 2017. ولكن هذه المرة كانت مختلفة بفضل الأسلحة المتطورة المستخدمة، والتي تشمل المدفعية الثقيلة والطائرات المسيرة.

وبينما كانت جنوب إفريقيا محصنة في الغالب من أفعال “داعش”، أثارت الأحداث الأخيرة احتمالية حدوث مشاكل بسبب موجة داعش الثانية في إفريقيا. وفي يوليو/تموز، داهمت شرطة “ديربان” وكرًا لعصابة متخصصة في الخطف، ونتج عن العملية اعتقال خمسة أجانب مرتبطين بخلية تابعة لتنظيم “داعش” المسؤول عن الهجمات على المساجد في جنوب أفريقيا في عام 2018. وأدى القبض على متمردين يشتبه في انتمائهم إلى داعش داخل البلاد إلى تضخيم التحذيرات الصادرة عن تلك الجماعة المتطرفة بأن على جنوب إفريقيا أن لا تتدخل مباشرة على الأرض في موزمبيق.

وفي آخر بيان لتنظيم “داعش”، حذر التنظيم جنوب إفريقيا من أن أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية تحاولان إقناع الدولة ببدء حرب، وأن مثل هذا القرار سيجعل من “بريتوريا” هدفًا لأعضاء داعش. ولم يتضح مدى قدرة داعش على تنفيذ تهديداتها. ومع ذلك، لا يمكن إنكار خطر حدوث زعزعة كبيرة للاستقرار نتيجة الهجوم على موكيمبوا دا برايا. العقبة الرئيسية أمام التدخل ليست تهديدات داعش بالعنف، بل الصراعات والعقبات الدبلوماسية الإقليمية.

ويتمثل التحدي الأول في سياسات مجموعة التنمية لأفريقيا الجنوبية (SADC)، وهي منظمة إقليمية تركز على الاقتصاد والأمن؛ حيثواجه رئيس جنوب إفريقيا “سيريل رامافوزا” ضغوطًا محلية ودولية متزايدة لاستخدام مجموعة التنمية لأفريقيا الجنوبية “SADC” للضغط على زيمبابوي بشأن انتهاكاتها لحقوق الإنسان. ومن المرجح أن يثني مثل هذا الضغط زيمبابوي عن الانضمام إلى أي تحالف إقليمي لمواجهة تنظيم “داعش”.

ومع ذلك، وعلى الرغم من مشاكلها الداخلية، قالت زيمبابوي إنها ستشارك في التحرك الإقليمي لتحقيق الاستقرار في موزمبيق. ورفض رئيس موزمبيق “فيليبي نيوسي” مرارًا وتكرارًا دعم التدخل الإقليمي في ظل منع المعلومات الاستخباراتية الهامة عن الجيران والحلفاء. حتى أنه منع الصحفيين من دخول منطقة الصراع وسط تقارير واسعة النطاق عن انتهاكات حقوق الإنسان من قبل الجيش. وتؤكد تلك الإجراءات مدى الصعوبات التي تواجهها حكومة نيوسي في التعامل مع تهديد داعش. وفي محاولة يائسة لحفظ ماء الوجه وحماية اتفاقيات الغاز الطبيعي مع الشركات الأجنبية، يحاول “نيوسي” إبرام صفقات ثنائية مع زيمبابوي لدق إسفين في تدخل مجموعة التنمية لأفريقيا الجنوبية الموحدة أو الاتحاد الأفريقي.

والوضع، باختصار، لا يُطاق. وبالنظر إلى تعقيد الهجوم الأخير على مدينة “موكيبمو دا بريا”، فإن داعش لن تختفي. وإذا تمكنت داعش من إنشاء دويلة في المنطقة، فستكون الآثار كارثية على موزمبيق والمنطقة ككل. ويأتي هجوم موزمبيق في الوقت الذي يوسع فيه تنظيم داعش وجوده في غرب إفريقيا، ويصطدم بالحكومات وقوات الأمن في جميع أنحاء منطقة الساحل. وعلى الرغم من الانتكاسات التي مني بها التنظيم في الشرق الأوسط، فإن أيديولوجية الجماعة المتطرفة تزدهر في الجيوب المنسية أو المهملة في إفريقيا. وبينما تبدو تلك المنطقة بعيدة عن العالم الأكبر، فالحقيقة هي أن هذه النار قد تخرج عن السيطرة إذا تم إهمالها.

وتعتبر جنوب إفريقيا، بنفوذها الدولي ورئاستها الحالية للاتحاد الأفريقي، واحدة من آخر من يُعقد عليه الآمال لقيادة التدخل الإقليمي. وإذا تمكن “رامافوزا” من التفاوض بشأن سياسات مجموعة التنمية لأفريقيا الجنوبية، وقيادة إجراء قابل للتطبيق، فسيكون ذلك بمثابة تعزيز كبير لمكانة جنوب إفريقيا في القارة وفي جميع أنحاء العالم. وستثبت هذه القيادة الحاسمة أيضًا أنها جيدة في تهدئة المخاوف بشأن نهجها المثير للجدل تجاه جائحة كورونا، وإعادة التأكيد على موقف المؤتمر الوطني الأفريقي كحزب يفكر خارج الصندوق لجنوب إفريقيا ليحقق الرفاهية الأكبر للقارة ككل.

تهديد داعش في جنوب إفريقيا يزداد خطورة، وحان الوقت الآن لكي يُظهر “رامافوزا” قدرة جنوب إفريقيا على قيادة القارة.

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: