شهد الشرق الأوسط أسابيع قليلة بالغة الأهمية. وفي ضوء الإعلان عن اتفاق بين الإمارات وإسرائيل لتطبيع العلاقات بينهما – ملاحظة: إنه ليس “اتفاق سلام”؛ ولم تكن الدولتان في حالة حرب – حدث تحول جذري في التوازن الجغرافي الاستراتيجي في المنطقة. وقانونًا، يجب أن يؤدي هذا الاتفاق إلى تغيير سياسة الولايات المتحدة الأمريكية فيما يتعلق بتسليح حلفائها العرب في المنطقة.
وتؤكد العلاقة الجديدة والعلنية – على عكس العلاقات السابقة غير المعلنة – بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة حقيقة أن هذين الحليفين المقربين للولايات المتحدة الأمريكية لديهما عدو مشترك: وهو إيران. ويأتي الإعلان عن هذا الاتفاق في الوقت الذي توشك فيه إيران على إجراء تغيير جذري في قدرتها على تسليح نفسها. ومن المقرر أن تنتهي عقوبات الأمم المتحدة التي تمنع إيران من شراء الأسلحة والمنصات العسكرية الرئيسية وبيعها في 18 أكتوبر/تشرين الأول. وفجأة، ستكون إيران قادرة بموجب القانون الدولي على شراء أكبر عدد ممكن من الدبابات والطائرات المقاتلة والسفن الحربية. وتتأهب الصين وروسيا، الحليفان التقليديان لإيران في مجال الدفاع، بالفعل لتقديم أكبر قدر ممكن من الإمدادات لإيران.
وتشعر دول الخليج المجاورة لإيران بقلق كبير حيال احتمال إعادة تسليح إيران. ولم تخفّف طهران أيًا من سياساتها العدوانية في المنطقة، مثل الاستعانة بالوكلاء في العراق واليمن ولبنان والبحرين وأماكن أخرى، أو شن الهجمات على سفن الشحن الدولي في الخليج، والبنية التحتية النفطية في السعودية. ويتم كل هذا بقدرات غير متناسقة؛ إذ يعاني الجيش الإيراني لعقود من نقص التمويل وضعف التجهيز. ولكن شراء أنظمة أسلحة رئيسية يعني أن دولة محاربة قد تنشر قريبًا جيشًا كفؤًا على بعد 50 كيلومترًا فقط من دول الخليج.
وبالنسبة لدول الخليج، فإن أفضل الطرق لمحاولة ردع العدوان الإيراني هي شراء الأسلحة. ونتيجة لذلك، كانت دول الخليج العربية ضمن أكبر الدول المستوردة للأسلحة في السنوات الأخيرة، حيث تشتري على وجه الخصوص من الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا. ويقول معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام أن المملكة العربية السعودية كانت أكبر مستورد للأسلحة في العالم للفترة ما بين 2015 حتى 2019، وجاءت الإمارات وقطر في المرتبة الثامنة والعاشرة على التوالي.
ولكن هذه الدول كانت أيضًا مقيدة بأنواع الأسلحة التي يمكنها شراؤها، وخاصة من الولايات المتحدة الأمريكية. ومنذ منتصف الستينيات، تبنت الولايات المتحدة الأمريكية ضمنيًا سياسة تسمى “التفوق العسكري النوعي”. وعلى الرغم من عدم ذكر هذه السياسية بوضوح في الوثائق الإستراتيجية الأمريكية، فإن الهدف من سياسة “التفوق العسكري النوعي” هو ضمان احتفاظ إسرائيل بتفوق عسكري حقيقي على جيرانها، ومن شأن هذا ردع أي منافس إقليمي بشكل فعال، والسماح، إذا لزم الأمر، بالسيطرة على ساحة المعركة في الصراع. إن هذه السياسية لا تقيد الولايات المتحدة الأمريكية بخصوص عدد الأسلحة التي يمكنها بيعها إلى دول أخرى في المنطقة – ومن هنا تم بيع طائرات مقاتلة بملايين الدولارات إلى السعوديين على مر السنين – غير أن تلك السياسية تدل أيضًا على أن أحدث مجموعة من الطائرات المقاتلة، أمثال مقاتلة F-35، لن تُباع إلا لإسرائيل فقط وليس لحلفاء الولايات المتحدة الأمريكية في الخليج.
ولطالما كانت هذه السياسة مصدر خلاف بين الدول العربية، ولكن الآن لم يعد هناك مبرر لتبنيها؛ فعند تشريع هذه السياسية منذ أكثر من 50 عامًا، واجهت إسرائيل تهديدات حقيقية من عدد من الدول العربية، وكانت حروب عامي 1969 و 1973 دليلًا على هذه الحقيقة. ولكن اليوم، تغيرت الصورة الاستراتيجية كثيرًا. وقد لا يكون لمعظم الدول العربية أي علاقات رسمية مع إسرائيل، ولكن تلك الدول أيضًا ليست حريصة على الدخول في صراع من أجل الفلسطينيين.
وقال الكلام ذاته وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، في خطاب عام أمام المجلس الأطلسي في 20 أغسطس/آب، عندما أشار إلى أن الاتفاق مع إسرائيل يزيل فعليًا أي تبرير لسياسة “التفوق العسكري النوعي” والتي تعتمد على فكرة إمكانية الصراع مع الدول العربية.
ولذلك باتت الولايات المتحدة الأمريكية تواجه منطقة بها العديد من الحلفاء لها، حيث عدم وجود احتمال كبير لحدوث صراع عسكري بينهم، وهناك خصم مشترك بينهم وهو إيران. وبالنظر إلى هذه الفكرة الإستراتيجية، قد يبدو من المعقول تزويد دول الخليج العربية، ولاسيما تلك التي تربطها علاقة دفاعية وثيقة مع الولايات المتحدة الأمريكية، بالتكنولوجيا المتقدمة التي كانوا يبحثون عنها منذ سنوات.
وإيران ليست السبب الوحيد ليكون التخلي عن سياسة “التفوق العسكري النوعي” في مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية. وفي غياب بعض المعدات الأمريكية المتقدمة، ولاسيما المركبات الجوية القتالية المُسيّرة ، أو الطائرات المُسيّرة ، لجأت الدول الإقليمية إلى موردين آخرين. وكانت الصين المستفيد الرئيسي: حتى أن الرياض اتفقت مع الصين على تطوير منشأة للصناعات التحويلية في المملكة العربية السعودية لبناء طائرات مُسيّرة من النوع Ch-4.
وبالنظر إلى جهود واشنطن الحالية للحد من نفوذ الصين المتنامي في مناطق مثل الشرق الأوسط، ولاسيما مع بعض من أقرب حلفائها، من شأن السماح بنقل التكنولوجيا العسكرية المتقدمة إلى دول الخليج أن يزيل الميزة التنافسية الرئيسية التي تتمتع بها بكين حاليًا.
ولا يلزم التخلي جملةً عن سياسة “التفوق العسكري النوعي”، بل تستطيع الولايات المتحدة الأمريكية أن تشير إلى أنها على استعداد لإرسال طائرات F-35 إلى الإمارات في حالة تعزيز اتفاقية التطبيع بعدد من الخطوات الدبلوماسية، وليس بيع الطائرة إلى الرياض إلا بعد اتباعها سياسة مماثلة.
ومع ذلك، باتت الحجة الإستراتيجية المؤيدة لإنهاء سياسة “التفوق العسكري النوعي” حجة قوية. ومن شأن إنهاء هذه السياسة تقوية حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية، وتحسين علاقة واشنطن مع الدول الرئيسية في المنطقة، وعدم التحول بعيدًا عن الولايات المتحدة الأمريكية، أو التقرب إلى الصين في شراكات إستراتيجية. وقد لا توافق إسرائيل على هذا، غير أن الولايات المتحدة الأمريكية لديها فرصة لتشكيل المنطقة بشكل أكبر لتتماشى مع صالحها.
كريستيان لامير، مؤسس شركة Arcipel، وهي شركة استشارات استراتيجية مقرها لندن ولاهاي. في وقت سابق، عمل “لامير” كبير المستشارين لإحدى الشركات في أبو ظبي، وأحد كبار الباحثين في المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية في لندن.