ركزت قمة العشرين لهذا العام في نيودلهي على الأشخاص الذين لم يحضروا، فمع استمرار الحرب في أوكرانيا، اختار فلاديمير بوتين الغياب عن القمة، وكان الإعلان الختامي المشترك للقمة هادئ النبرة، حيث أدان فقط استخدام القوة لتحقيق مكاسب إقليمية، ولكن دون تحديد أي دولة بعينها.
ومع ذلك، كان التركيز الحقيقي لمجموعة العشرين هذا العام على الزعيم الآخر الغائب، شي جين بينغ، حيث قرر الرئيس الصيني في اللحظة الأخيرة عدم حضور القمة، من دون تفسير وهي المرة الأولى التي يغيب فيها عن المنتدى.
وحتى مع غيابه كان شبح بكين يحوم فوق الحدث، وتميزت مجموعة العشرين باقتراح الكتلة خطة جديدة لمنافسة مبادرة الحزام والطريق الصينية التي مضى عليها 10 سنوات، وبرؤية رئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلوني التي حاولت التملص من مشاركة بلادها في المخطط الصيني.
وأشارت الدول الغربية إلى نيتها إنشاء ممر جديد إلى الهند، واضطرت إيطاليا إلى اختيار أحد الجانبين، لكن تلك البلدان خارج أوروبا صممت على تجنب ذلك الخيار الصعب الذي واجه ميلوني.
وتعد مبادرة قمة العشرين الجديدة جزء من خطة تم إطلاقها منذ عدة سنوات، وربطت خطة الرئيس جو بايدن، التي أعلن عنها في الأصل قبل عامين باسم خطة “إعادة بناء عالم أفضل“، بمبادرة الحزام والطريق الصينية بشكل واضح، والتي تمول الجسور والطرق والبنية التحتية للسكك الحديدية في البلدان النامية لربط طرق التجارة مع بعضها البعض. وقال الرئيس الأمريكي في ذلك الوقت إن الخطة الجديدة ستكون “أكثر إنصافا” وهو قدح في خطة الصين التي غالبا ما تعرضت لانتقادات لأنها حملت الدول ديون كبيرة.
وأصبحت مبادرة إعادة البناء بشكل أفضل في العام الماضي قاعدة الشراكة من أجل الاستثمار العالمي في البنية التحتية، وتم الإعلان في قمة العشرين لهذا العام عن ممر اقتصادي جديد، كجزء من PGII، والذي سيربط الهند والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والاتحاد الأوروبي في نهاية المطاف من خلال مزيج من السكك الحديدية والبحرية. وخلقت تلك المبادرة خطتين متنافستين، تربط كلاهما بين الشرق والغرب، وكلاهما يمر عبر أجزاء من الشرق الأوسط، وعلقت إيطاليا في الوسط.
وإيطاليا هي الدولة الغربية الوحيدة في مجموعة السبع التي تعد جزءا من مبادرة الحزام والطريق، وهي في مجموعة العشرين، وكانت ميلوني تمهد الطريق بوضوح للخروج من تلك الخطة، قائلة إنه من الأهم الحفاظ على شراكة وثيقة مع الصين، من تطبيق تفاصيل مبادرة الحزام والطريق.
ومن المؤكد أن أربع سنوات من العمل في مبادرة الحزام والطريق زادت من التجارة الثنائية، لكن بعض الإيطاليين يشيرون بتذمر من أنها أفادت الصين أكثر من إيطاليا، بينما أدت أيضا إلى توتر العلاقات بين روما وحلفائها الغربيين.
وتظهر حيرة ميلوني أمام الملاء، وهي نسخة من حيرة أوسع نطاقا تواجهها العديد من الدول الآسيوية والشرق أوسطية المشاركة في الخطط المتنافسة، وهي حيرة تسعى بعض الدول الغربية بصراحة إلى دفعهم إليها، وهو الأمر الذي تصمم جميع الدول تقريبا على تجنبه. إن جذور التنافس ليست فكرة توسيع الممرات التجارية بين الشرق والغرب، بل الموقف السياسي للبلدان المطلة على ذلك الممر.
وتسلط معضلة ميلوني أيضا على قضية تتصارع معها العديد من الدول الغربية: وهي ما إذا كانت ستتعامل مع الصين الصاعدة والحازمة كشريك أو تهديد.
وهذا هو السبب في أن رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك كان علنيا للغاية بشأن قراره توبيخ رئيس الوزراء الصيني في قمة العشرين، بسبب اعتقال باحث في المملكة المتحدة متهم بالتجسس لصالح الصين، وكان هناك مناقشة جادة داخل حزبه السياسي بل وانقسام حول كيفية التعامل مع الصين ومدى خطورة ذلك التهديد.
لكن قبل انعقاد مجموعة العشرين، أرسل سوناك وزير خارجيته إلى الصين لإجراء محادثات، وكانت الحجة هي أنه ليس من المعقول عدم التعامل مع دولة تعد رابع أكبر شريك تجاري لبريطانيا.
وينطبق الشيء نفسه في أماكن أخرى من الغرب، فعندما ذهب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الصين في وقت سابق من هذا العام، تعرض لانتقادات لتقويضه الوحدة الغربية بقوله إن أوروبا لابد أن تحافظ على بعض “الاستقلال الاستراتيجي“، وأن تظل مستقلة عن كل من الولايات المتحدة والصين.
إن أميركا في عهد بايدن هي التي أخذت زمام المبادرة لاحتواء الصين، وسعت إلى الحد من وصول الصين إلى التكنولوجيا الغربية، والحد من الاستثمار الأمريكي في صناعات التكنولوجيا الفائقة في الصين، وكما أظهرت رحلة بايدن بعد مجموعة العشرين إلى فيتنام، لضمان بقاء تحالفات أميركا مع الدول المحيطة بالصين قوية.
وكما تحتار دول الغرب مع هذه المعضلة، فإن البلدان الأخرى محتارة معها أيضا، ولكن معظم حلفاء أميركا لا يريدون مسارا تصادميا مع الصين.
ولا تملك الدول الثلاث غير الغربية في مجموعة العشرين والأكثر مشاركة في الممر الجديد مصلحة في مواجهة الصين، بل على العكس من ذلك، تسعى كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بنشاط إلى تحسين العلاقات مع بكين. وقد تكون البصمة العسكرية الأمريكية في المنطقة أكبر، لكن الصين هي أكبر شريك تجاري لكلا البلدين، إن علاقة الهند بالصين أكثر تعقيدا، ومع ذلك فإن الهند لن “تختار” أبدا بين علاقاتها مع الصين أو أميركا.
ويبدو أن أميركا تفضل أن تختار هذه البلدان ما بين أحد الجانبين، حتى يصبح من الممكن عزل الصين واحتواؤها، ولكن قدرة الولايات المتحدة على إقناع أو التحايل على تلك البلدان محدودة. لقد تم تمكين صعود الصين من خلال تصور، وربما حتى من خلال بيئة – ليس فقط في الشرق الأوسط، ولكن الشرق الأوسط جزء منه، وهو التراجع الأميركي. لقد توصل العديد من حلفاء أميركا إلى نفس النتيجة التي توصل إليها حلفاؤها في الشرق الأوسط: إبقاء الطريق إلى الغرب مفتوحا، ولكن بناء الجسور مع قوى الغد الصاعدة.
يكتب فيصل اليافعي حاليا كتابا عن الشرق الأوسط وهو معلق دائم الظهور على شبكات الأخبار التلفزيونية الدولية، وقد عمل في منافذ إخبارية مثل الجارديان وبي بي سي، وقدم تقارير عن الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية وآسيا وأفريقيا.
تويتر: @FaisalAlYafai