قد يكون تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” قد اختفى من الساحة الدولية، غير أنه قياداته المختبئة تأمل في أن يعلو التنظيم ويبزغ فجره مجددًا. هذا وقد تقلصت مساحة تلك المنطقة مترامية الأطراف والتي كانت سابقًا تحت سيطرة تلك المجموعة الإرهابية وتخضع الآن لسيطرة الجيوش العراقية لتقتصر مساحتها على تلك المنطقة في شمال سوريا، ورغم ذلك نشر “أبو بكر البغدادي”، والذي أشيع خبر مقتله في مرات عدة – وكان أكثرها قابلية للتصديق – هو خبر مقتله العام الماضي بعد السيطرة على آخر معاقل تنظيم الدولة الإسلامية في بلدة “الرقة” شمال سوريا- فجأة رسالة صوتية منسوبة له في “23” أغسطس.

وخلال تلك الرسالة التي تبلغ مدتها ساعة تقريبًا، اعترف البغدادي بأن التنظيم قد تكبد انتكاسات شديدة، غير أنه اعتقد أن مثل تلك الانتكاسات ستمنح أتباعه الأمل وتلهمهم للاستمرار فيما هم عليه. كما أشار بصورة حاسمة إلى استراتيجية جديدة – وهي التخطيط للظهور مرة أخرى على أنقاض الشعوب الأوروبية.

وأضاف البغدادي قائلاً أن “رصاصة أو طعنة أو قنبلة تساوي آلاف العمليات”، داعيًا في الوقت نفسه أفراد التنظيم أو المتعاطفين معه إلى توجيه طاقاتهم إلى الدول الغربية بدلاً من الشرق الأوسط. ستحشد تلك الهجمات، إن وقعت، تغطية إعلامية واسعة النطاق الأمر الذي سيزيد من قوة التنظيم، وستتدفق إليه الأموال وتنضم إليه الرجال كما كان الحال من ذي قبل. وفي هذا الصدد، وبطريقة ملتوية، نجد أن استراتيجية تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” تحمل طابعًا سياسيًا.

وتحمل أيضًا تلك الاستراتيجية ميزة واضحة وهي انخفاض تكلفتها لكل من المهاجم والتنظيم. ولأن الدول الغربية والعربية شددت الخناق على المتعاطفين مع تنظيم الدولة الإسلامية، فأصبح حركة الراغبين في الانضمام هذا التنظيم في غاية الصعوبة، ومضى ذلك الوقت الذي كانت فيه الرحلات البسيطة إلى تركيا والأتوبيسات عبر الحدود تقل الرجال والسيدات صغار السن إلى خليفة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، ويتعرض المتعاطفين مع التنظيم في الوقت الحالي إلى المراقبة والاحتجاز قبل اعتلاء الطائرة. ومع تركيز الهجمات على الدول الغربية، فلا حاجة للمتعاطفين مع تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” إلى مغادرة بلادهم.

أضف إلى ذلك، ومع انكماش رقعة المنطقة التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية، فإنها فقدت السيطرة على أبرز حقول النفط والأنشطة التجارية وابتزاز السكان المدنيين وهي الأنشطة التي كانت توفر لها السيولة النقدية، وبهذا لا يمكن للتنظيم في الوقت الراهن تمويل هجماته المذهلة، غير أن تنفيذ هجمات بسيطة بالسكين والسيارات أمرًا ممكنًا ومرعبًا على وجه الخصوص إذا ما تم تنفيذه داخل المراكز السكنية نظرًا لعشوائية الهجوم المتناهية.

ولهذا فإن استراتيجية الموت تلك تمثل حرفيًا لتنظيم الدولة الإسلامية مسألة حياة أو موت، فبمجرد إعداد هجوم مثل هذا فسينبعث الأمل في كسب أتباع جدد – ومن ثم فسيستطيع التنظيم التصدي للدول الغربية والعربية ولاسميا المجموعات المسلحة المنافسة والتي تسعى لتدمير التنظيم.

ويعلم البغدادي جيدًا، كغيره من قادة المنظمات، بأحوال تنظيمه ومنافسيه.

وفي تسجيله الصوتي، خاطب البغدادي دولة التنظيم المنكمشة، قائلا “إن حجم النصر لا يمكن قياسه بفقدان مدينة أو قرية معينة – في إشارة مؤكدة إلى فقدانه معقل التنظيم في الرقة – ولكنه يُقاس “بمدى إخلاص المقاتلين”. وبعبارة أخرى، طلب البغدادي من أتباعه عدم الحكم على تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” من خلال حجم دولته المنكمشة، ولكن من خلال مبادئه وأفكاره المثالية”. ولم يكن تسجيله الصوتي محاولة فقط لحشد قواته، بل أيضًا لوقف الانشقاق في صفوفهم.

ويميل المحللون إلى اعتبار أن تنظيم الدولة الإسلامية ليس أكثر من مجموعة مسلحة أو شيء أقرب إلى كونه طائفة: أي مجموعة من المؤمنين الملتزمين العازمين على تحقيق رؤيتهم المشوهة لهذا العالم. وفي حقيقة الأمر، فمن المنطقي أكثر أن نرى هذا التنظيم شبيهًا بجماعة سياسية ناشئة أو شركة صغيرة تسعي لحماية حصتها في السوق. وكما هو الحال في جميع السيناريوهات، فان هناك مجموعة أساسية من الأعضاء الملتزمين، غير أن دائرة أكبر بكثير من هؤلاء الأعضاء قد اقتنعت بأداء مهام التنظيم بسبب الإغراءات المتنوعة المقدمة إليهم.

وفي حالة تنظيم الدولة الإسلامية، تتراوح تلك الإغراءات ما بين الالتحاق بمجموعة تبدو وكأنها منتصرة، أو التعايش مع أشخاص لهم نفس “الأيديولوجية”، وصولاً إلى منح فرصة ثانية للمرضى النفسين (ولا عجب في أن العديد من أفراد تنظيم الدولة الإسلامية كانوا مجرمين في بلادهم واكتشفوا فجأة أن هناك شيء اسمه الجهاد) الباحثين عن القتل والاغتصاب والتعذيب مع منحهم الحصانة.

ولهذا السبب تبين أن العديد من أفراد تنظيم الدولة الإسلامية لا يعرفون عن الإسلام سوى القليل منه، فلم يلتحقوا به إيمانًا بأفكاره، ولكنها المكافئات، وبمجرد أن تلاشت تلك المكافئات، أخذوا في التخلي عن المجموعات المسلحة الأخرى أو الانشقاق عنها، فهناك من حكم بفساد هذه “الأيديولوجية”، أو رفض خطط التنظيم والعنف، أو تعرض للتهديد أو الابتزاز أو تقاضى أموال للانضمام إلى المجموعات المسلحة المنافسة.

ولهذا تشبه المجموعات المسلحة كتنظيم الدولة الإسلامية كلاً من المجموعات السياسية التي هي في حاجة إلى تعديل أفكارها لكسب الدعم والتأييد، وكذا الشركات التي تدافع عن نفسها ممن يريدون الاستحواذ على مواردها. وبالنسبة للمجموعات الأخرى المسلحة كهيئة تحرير الشام، المتمثلة في جبهة النصرة، والتي كانت في صراع مع تنظيم الدولة الإسلامية، ستغمرها السعادة بكل تأكيد عندما تأخذ أسلحتها وأموالها وخبرائها (صناع القنابل والقادة العسكريون وما إلى ذلك) وحتى سمعتها العامة (والتي قد تجبرها على “الاندماج” مع تنظيم الدولة أو تمكنها من الاستيلاء على “الخلافة” من البغدادي والتي ستعد كمكافئات قيمة في أوساط الجهاديين).

والسبيل الوحيد لإيقاف هذا الانشقاق هو أن يستعيد التنظيم قوته وبسرعة، ويسعى لكسب الأعضاء والأموال، ويمكنهم ذلك من خلال ترويج الأفكار الإرهابية.

وبسبب الصعوبات التي يواجها تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، وسعيه للوصول إلى بر النجاة في ظل الهجمات والانشقاقات التي يواجها، تبنى التنظيم استراتيجية جديدة قاتمة يأمل من خلالها بسط نفوذه وسيطرته مرة أخرى، وهنا يكمن الخوف في أن يلبي هذا النداء تلك الذئاب المنفردة الموجودة في الدول الغربية.

AFP PHOTO/HO/AL-FURQAN MEDIA

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: