خسمة عشر عاما مرت على اسقاط القوات الاميركية تمثال صدام حسين في ساحة الفردوس في بغداد، على وقع هتافات عراقيين مبتهجين، أملوا ان تشكّل نهاية الطغيان بداية الديموقراطية. لكن الديموقراطية لم تُقلِع.

لم يُكتَب تاريخ حرب العراق بعد. ما تم تداوله حتى الآن روايات ذات دوافع سياسية، اما ممن عارضوا الحرب منذ اندلاعها، او ممن دعموها في البدء، ثم انقلبوا عليها معللين موقفهم بالقول انه ”لو كنا نعرف حينذاك ما نعرفه الآن، لما كنا دعمنا الحرب“. على انه على رغم الفارق، يبدو ان المجموعتين تتفقان على ما تعتقدانه ”الخطأ الذي حصل“.

”كانت الحرب مبنية على كذبة“ هي العبارة التي تتصدر نقاط كلام معارضي الحرب. على الرغم من صحتها، لم تؤثر هذه الكذبة في مجريات الاحداث، فهي لطّخت صورة ادارة بوش، لكنها لم تكن سبب الدمار، اذ حتى لو عثر الاميركيون على اسلحة دمار شامل، او حتى لو نجحوا في اعتقال عملاء الاستخبارات العراقيين المتخيلين ممن يفترض انهم ساهموا في تسهيل هجمات ١١ سبتمبر (ايلول)، لكانوا وجدوا انفسهم مجبرين على ادارة عراق ما بعد الحرب.

ثم يوجه معارضو الحرب اصابع اللوم الى حاكم العراق الاميركي بول بريمر لقيامه بحلّ الجيش، ويقولون ان خطوته جعلت البلاد بلا دفاعات امام العصابات، وفي وقت لاحق المجموعات الارهابية. لكنها تهمة باطلة.

قبل ان يرحل صدام بوقت طويل، كان الجيش العراقي بلغ حالة يرثى لها. العراقيون يتداولون ما مفاده ان الرئيس العراقي الراحل تقدم في صباه بطلب دخول الى الكلية العسكرية، لكنها رفضت طلبه، وهو ما ولّد لديه حقدا ضد الجيش. لكنه على الرغم من دمويته، كان صدام حذقا، ما يعني ان عداوته للجيش العراقي لم تنبع من رغبته في الثأر، بل من وسواسه من الانقلابات، التي اطاح الكثير منها بأسلافه.

بعد الحرب مع ايران، برز ابن خال صدام وصهره وصديق طفولته عدنان خيرالله كبطل حرب. في العام ١٩٨٩، مات عدنان، وكان وزيرا للدفاع، بعدما تحطمت مروحيته، في حادثة اشتبه عراقيون كثر انها كانت مدبرة. خاف صدام ان يتحرك ابن خاله، فتحرك صدام قبله.

تلك كانت علاقة صدام بالجيش: جوّعه وصفّى كبار قيادييه، ثم قام ببناء تنظيمات عسكرية موازية وموالية له، مثل ”الحرس الجمهوري“ و“فدائيي صدام“. حتى التنظيمات العسكرية الموالية، كان صدام يحرضها بعضها على الآخر حتى تتسابق على الولاء له وحده.

ما يزال تاريخ احداث ”عملية حرية العراق“ محاطا بالغموض، لكن بعض الشهود العراقيين يروون ان معركة المطار، غرب بغداد، شكلت منعطفا في تلك الحرب. بعد ذلك، انهارت قوات صدام، وراح المقاتلون ينزعون بذاتهم العسكرية ويركضون هاربين في خطوة تبين فيما بعد انها بمثابة تقليد لدى الجيش العراقي، منذ ان هجر الجنود العراقيون مواقعهم امام ”عملية عاصفة الصحراء“ في العام ١٩٩١، او مثل في استسلام الكتائب العراقية في الموصل امام تنظيم داعش في العام ٢٠١٤.

عندما اصبح بريمر حاكم بغداد في ٢٠٠٣، كانت القوات الامنية العراقية، خصوصا اجهزة الاستخبارات المرعبة، قد اختفت. قيام بريمر بحلّ الجيش كان بمثابة اعتراف بالواقع.

لكن حتى لو اصدر بريمر قانون عفو عام واعاد تشكيل القوات الأمنية نفسها، كان يمكن لخطوته ان تمدد أمد الحرب طالما ان صدام وابنيه كانوا مايزالون احرارا طلقاء، وكانوا لا شك يصبون لرؤية قواتهم قد اعيد تشكيلها بانتظار قيادتهم لها.

ثم ان ”قوانين الاشتباك“ لدى القوات الاميركية في العراق ساهمت في تعميق الأزمة، اذ هي نصّت على انه لا يمكن للجنود الاميركيين اطلاق النار الا في حال تعرضوا هم لاطلاق نار يستهدفهم، وهو ما كان يعني ان بغداد، وهي كانت مدينة يسكنها ستة ملايين حينها، كانت خالية من اي نوع من قوى الأمن او الشرطة، وهو ما شكل دعوة للخارجين عن القانون والارهابيين لتشكيل مجموعات قامت بنشر الموت والدمار.

بعد انهيار نظام صدام، خشي العاملون في قواته الامنية الظهور علنا خوفا من عمليات الانتقام، وهم كانوا على حق، اذ بعد سقوط النظام، نشرت ايران ما عرف بمجموعات الموت، وهي كانت مؤلفة من عراقيين اصطادوا وصفّوا لائحة طويلة من المسؤولين الامنيين والبعثيين السابقين. اما في الحكومة، فطبّقت ايران وحلفاؤها العراقيون سياسات غير عادلة، مثل قانون ”اجتثاث البعث“، الذي جرّم معظم موظفي الدولة العراقية، عسكريين ام مدنيين.

لقد تخيّلت أميركا عراق بعد صدام على شاكلة اوروبا بعد النازية، لكن المشكلة كانت ان العراقيين، ومن خلفهم طهران، لم يكونوا مهتمين بالعدالة، بل بالثأر وحده، وأميركا ماشت ذلك في خطوة كانت هي — لا حل القوات الامنية — الخطأ الاكبر.

بعدما ادركت اميركا اخطاءها في موضوعي الأمن و“اجتثاث البعث“، عدلت عنهما، وزادت عديد قواتها، بالتزامن مع ركونها الى القوة العشائرية. ثم تمّت دعوة السنة للمشاركة في الحكم في بغداد، على الرغم من اعتراضات ايران. تلك الخطوات أدت الى خفض العنف في العراق الى مستويات ما قبل ٢٠٠٣.

لكن في الوقت الذي نجحت أميركا في اصلاح العراق، وصل البيت الابيض رئيس جديد، فتشتت انتباه واشنطن. الرئيس السابق باراك أوباما رأى ”الصفقة الكبرى“ مع ايران بمثابة عصا سحرية، واراد ان يعيد طهران الى دورها السابق كشرطي المنطقة، نيابة عن أميركا، كما كانت الامور عليه في زمن الشاه محمد رضا بهلوي.

ايران، بدورها، اخذت العراق من اوباما من دون ان تفي بالشق المتعلق بها من الصفقة، فعادت الى تصفية السنة، وهو ما اعاد خلق المجموعات الارهابية، وعادت مستويات العنف في العراق للارتفاع الى ما كانت عليه في ٢٠٠٦.

معظم من يتحدثون عن حرب العراق اليوم يتخيلون خطا مباشرا بين سقوط صدام في ٢٠٠٣ وصعود داعش في ٢٠١٤. لكنه تحليل خاطئ. صحيح ان حرب بوش رفعت مستوى العنف في ٢٠٠٦، الا ان خطته لزيادة القوات اعادت الاستقرار في ٢٠٠٩. المشكلة ان أوباما تراجع وقام بتسليم مفاتيح العراق الى المالكي وايران، وهو ما نسف استقرار بوش، وسمح بعودة داعش والعنف.

ان صعود داعش، في العراق وعموم المنطقة، كان نتيجة انفتاح أوباما على ايران، لا اطاحة بوش بصدام حسين. عليه، قد تبدو محاولة كتابة تاريخ الحرب في العراق على الشكل التالي: لو كنا نعرف ان أوباما سيصبح رئيسا في العام ٢٠٠٩، لما كنا دعمنا حرب بوش في العراق في العام ٢٠٠٣.

AFP PHOTO/AHMAD AL-RUBAYE

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: