على مدار أيام اندلعت الاحتجاجات في جميع أنحاء الهند ضد قانون المواطنة الجديد، والذي يصفه منتقدوه بأنه يهمش المسلمين. ويصر رئيس الوزراء الهندي “ناريندرا مودي” على أن القانون “لن يؤثر على أي مواطن من أي ديانة”، غير أن المتظاهرين لا يصدقونه أو حكومته.
وكما هو الحال في كثير من الأحيان، فإن المحتجين أكثر بصيرة من السياسيين. ويحق للمتظاهرين أن يرتباهم الشك من القانون الجديد، والذي يبدو أن يختلف كثيرًا عن ظاهره.
ويمهد قانون المواطنة الجديد، والذي هو في واقع الأمر تعديل لقانون المواطن، الطريق لست مجتمعات دينية، وهي – الهندوس، البارسيون، والسيخ، والبوذيون، واليهود والمسيحيون – للحصول على الجنسية إذا تمكنوا من إثبات أنهم عاشوا في الهند أو عملوا فيها لمدة ست سنوات. ويستبعد هذا القانون المسلمين بشكل واضح، على الرغم من أنهم يشكلون ثاني أكبر مجتمع ديني في الهند، بعد الهندوس.
وسيكون لتك التغييرات تداعيات واسعة المدى. وللمرة الأولى، يضع القانون الجديد الدين كشرطٍ للمواطنة، وهو ما ينتهك المبادئ العلمانية في الدستور الهندي. ومازال أمام المحكمة العليا فرصة لإلغاء هذا القانون.
ومع ذلك، فلن يكون هذا القانون الأول من نوعه. فهناك قوانين أخرى تم صياغتها وإقرارها بهدف تهميش المجتمعات غير الهندوسية في الهند. ويشكل هذا القانون الأخير خطوة خطيرة من جانب حزب “بهاراتيا جاناتا” القومي الهندوسي الحاكم، من خلال جعل الهندوسية أساس المواطنة الهندية.
وبداية من حدود الدولة، ستمتد تلك القوانين تدريجياً إلى قلب كل مدينة وقرية في البلاد. وخرج المتظاهرون إلى الشوارع لأنهم يعرفون ما ستؤول إليه الأمور في المستقبل.
وليست هذه هي المرة الأولى التي يحاول فيها حزب “بهاراتيا جاناتا” استخدام القانون للتحكم في ديموغرافيا البلاد، وزيادة عدد السكان الهندوس، وتهميش المسلمين.
وفي أغسطس/آب، أنهت حكومة “مودي” الوضع الخاص لإقليم كشمير الخاضع للإدارة الهندية، وبذلك أصبح الإقليم خاضع تمامًا لسيطرة نيودلهي. وقالت الحكومة إنها لم تفعل شيئًا سوى أن جعلت وضع الإقليم كوضع باقي ولايات الدولة. غير أن وضع إقليم كشمير كولاية ذات الأغلبية المسلمة الوحيدة في الهند أثار الشكوك حول إلغاء وضعها. ومن شأن إنهاء الوضع الخاص لكشمير أن يمكن الهنود من أي منطقة أخرى في البلاد من الاستقرار في كشمير، وهو ما سيؤدي إلى تغيير المزيج الديموغرافي، وقد يكون لهذا التغيير تأثيرًا كبيرًا في أي استفتاء في المستقبل.
ويبدو أن قانون المواطنة يشبه إلغاء الوضع الخاص بكشمير. وبحسب الظاهر، يأتي قانون المواطنة كمحاولة لمساعدة المضطهدين في الدول المجاورة. ولكن بالنظر إلى قانون المواطنة نظرة ثاقبة، نجد أن القانون لا علاقة له بما يحدث خارج الهند، ولكنه يستهدف بشكل تام السكان المسلمين في الداخل. وللتعرف على سبب إقرار هذا القانون، علينا أن ننظر إلى ولاية مختلفة في الجانب الهندي المقابل من كشمير، والتي تطبق قانون مختلف.
في ولاية آسام، وهي ولاية تقع في شمال غرب الهند على الحدود مع بنغلاديش، أنهت الحكومة في أغسطس تحديثًا لسجل المواطنين، وهو إجراء معقد ومكلف استغرق أربع سنوات. وتعين على مواطني ولاية “آسام”، والبالغ عددهم “30” ثلاثين مليونًا تقديم المستندات التي تثبت أنهم قدموا إلى الولاية قبل 24 مارس 1971، أي اليوم السابق لاستقلال بنغلاديش عن باكستان. وبعد مضى نصف قرن تقريبًا، لم يتمكن الكثيرون من تقديم تلك المستندات. وفي أغسطس/آب، أصبح 1.9 مليون شخص في “آسام” بدون جنسية، وهو ما دفع الكثيرين إلى العيش في مخيمات، دون معرفة ما تخبئه الأيام لهم.
فلماذا وقع الاختيار على ولاية “آسام” لتكون أولى الولايات الهندية التي تجمع السجل الوطني لمواطنيها؟ أشار النقاد إلى أن ولاية “آسام” هي ثاني أكبر الولايات الهندية من حيث عدد المسلمين بعد كشمير.
ولم تنته بعد فترة الاستئناف ضد قرار “نزع الجنسية” في ولاية “آسام”، ولكن في الشهر الماضي تم الإعلان عن تمديد عملية تسجيل المواطنين لتشمل جميع أنحاء البلاد. وهناك في ولاية “آسام” حوالى “6%” من المواطنين بدون جنسية. ومن خلال تعميم عملية التسجيل على جميع سكان الهند، سنجد أن عشرات الملايين من السكان قد يصبحون بلا جنسية.
ومن السهولة بمكان معرفة كيف لقانوني المواطنة والتسجيل الوطني أن يهمشا المواطنين المسلمين.
وبالنظر إلى نصوص قانون المواطنة، نجد أنه من الممكن منح المواطنين غير المسلمين، ممن لا يستطيعون تقديم الوثائق المناسبة، الجنسية بسرعة – حيث لا يتطلب القانون سوى إثبات أنهم يعيشون في الهند أو يعملون فيها لمدة ست سنوات. وبخصوص أولئك الذين لا يستطيعون حتى تقديم هذا الدليل – وغالبيتهم من المسلمين – سيصبح وضعهم غير قانوني، وسيكون من الصعوبة لديهم أن يكونوا مواطنين. إذاً فلا عجب في اندلاع الاحتجاجات.
وهناك هدف أشمل للاستراتيجيات القانونية، وهو إمالة مبدأ الدولة الأزلي تجاه المجتمع الهندوسي، وبعيدًا عن المسلمين والمسيحيين والجماعات الأخرى. وإذا نجا قانون المواطنة من التدقيق القانوني، فهذا بداية الطريق، كما كان يرغب واضعي الدستور، لإلغاء المواطنة على أساس الجنسية واستبدالها بأخرى قائمة على الالتزام بدين معين.
إن تعريف دولة الهند كدولة للهندوس، وليست دولة مواطنين، هو تعريف متأصل في صميم أيديولوجية حزب “بهاراتيا جاناتا”. ويُغضب هذا التعريف الكثير من الهنود – بل والهندوس أيضًا، الذين يخشون من أن السماح لحزب سياسي بتحديد “الهندوسية” سيجعل ثقافة البلاد التاريخية والدائمة في خدمة سياسيون غير مخلدين. وفي بلد تمزقه بالفعل خطوط فاصلة، وهي – الدين، والاقتصاد، والعرق – تبقى العقيدة السبب الأكبر في الانقسام.
وريدًا رويدًا، يسعى حزب “بهاراتيا جاناتا” إلى إعادة تشكيل الهند من الداخل. وفي هذه العملية، سيصبح مئات الملايين من المسلمين الهنود غرباء على أرضهم.