مع سقوط أفغانستان في أيدي حركة طالبان، تتزايد المخاوف في تركيا من أن البلاد ستشهد زيادة كبيرة في عدد اللاجئين، وتُعد تركيا وجهة نهائية رئيسية للاجئين الأفغان، فضلاً عن كونها نقطة انطلاق لأولئك الذين ينوون التوجه إلى أوروبا. وهناك ما يصل إلى 600 ألف أفغاني في تركيا، وهم اللاجئون الذين شقوا طريقهم إلى الأراضي التركية خلال العقد الماضي. ولكن أعداد هؤلاء اللاجئين يمكن أن ترتفع، بل أنه من المتوقع ارتفاعها، وهذه هي الأزمة المقبلة والتي سرعان ما تظهر على ساحة الأحداث.
وكان اللاجئون في طريقهم بالفعل حتى قبل سقوط كابول، حيث أظهرت مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي مؤخرًا مئات الأفغان، معظمهم من الرجال والفتيان، يعبرون الحدود الوعرة إلى تركيا. وتقع مقاطعة فان التركية في أقصى شرق البلاد المتاخم لحدود شمال إيران وتعتبر نقطة مرور في مسار الهجرة الشاقة للأفغان الذين يأملون في بدء حياة جديدة في تركيا أو الوصول إلى أوروبا.
ولا تستطيع تركيا، التي تستضيف بالفعل 3.7 مليون لاجئ من سوريا، التعايش إلى أجل غير مسمى مع الزيادة الجديدة في عدد اللاجئين، وترى أن الزيادة الحادة في تدفقات المهاجرين المرتبطة بالصراعات هي أزمة عالمية، ويتم الاستعانة بدول الجوار مثلها للتعامل مع تلك الأزمة. وهناك بالفعل استياء عام متزايد تجاه وجود اللاجئين السوريين، الذين كان يُنظر إليهم في الأصل على أنهم ضيوف مؤقتون ولكن اصبحوا الآن سكان دائمين، أو على الأقل مقيمون لفترة طويلة الأجل. ويلقى باللوم عليهم في التوترات الاجتماعية والاقتصادية والديموغرافية والسياسية، والتي تؤدي في بعض الأحيان إلى العنف المسلح أو المناوشات في الأحياء المكتظة بالسكان. كما يشكو العديد من الأتراك أيضًا من الميزات التي تُمنح للسوريين، حيث يتلقون رواتب حكومية ودعمًا للرعاية الصحية والتعليم وفرص العمل، وهناك شعور بالقلق تجاه اللاجئين الأفغان الجدد، الذي قد يُثقلون الكاهل المحمل بالفعل بالكثيرمن الأوزان.
وتفتقر أنقرة إلى سياسة شاملة لتوطين اللاجئين، ومن الواضح أنها تبذل مجهودا كبيرا للحد من الهجرة غير النظامية إلى البلاد، وفي مواجهة موجة جديدة من اللاجئين الأفغان، تملك تركيا خيار إبرام اتفاق جديد مع الاتحاد الأوروبي بشأن زيادة تقاسم الأعباء، وسيكون نموذج ذلك الاتفاق هو نفس اتفاق الهجرة لعام 2016 بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، والذي سمح لدول الاتحاد الأوروبي بوقف تدفق اللاجئين السوريين مقابل 6 مليارات يورو من المساعدات والتعهد بالتفاوض بشأن القضايا السياسية المجمدة مع أنقرة، بما في ذلك السفر بدون تأشيرة للمواطنين الأتراك.
ومن الواضح أن دول الاتحاد الأوروبي حريصة على الحد من عدد اللاجئين الأفغان الذين يصلون إلى شواطئها، وتشير جميع الدلائل والمؤشرات إلى استعداد أوروبا للتعاون مع تركيا لإيجاد حل، وقد أعلن المستشار النمساوي، سيباستيان كورتس، بشكل مثير للجدل مؤخرًا أن تركيا ودول أخرى في المنطقة “بالتأكيد مكان أفضل من النمسا أو ألمانيا أو السويد” بالنسبة للأفغان. وفي العاشر من شهر أغسطس/آب الماضي حثت ست دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي وهي النمسا والدنمارك وبلجيكا وهولندا واليونان وألمانيا على عدم وقف عمليات ترحيل طالبي اللجوء الأفغان الذين تم رفض طلبهم، وسيكون تحديث اتفاقية الهجرة مع الاتحاد الأوروبي على رأس جدول أعمال تركيا.
وتتطلع الولايات المتحدة أيضًا إلى تركيا لحل المشكلة التي اختلقتها، ففي أوائل أغسطس أعلنت واشنطن عن برنامج للاجئين خاص بالمواطنين الأفغان الذين عملوا مع الولايات المتحدة أو المنظمات غير الحكومية أو الصحافة، مثل المترجمين الفوريين والمترجمين النصيين، ويقترح المخطط استخدام دول أخرى مثل تركيا وباكستان كمضيفين مؤقتين لما يصل إلى 25000 أفغانياً، حيث سيبقون هناك لمدة تصل إلى عام، بينما يتم مراجعة طلباتهم، لكن لم يتضح بعد ما سيحدث لأولئك الذين سوف يتم رفض طلباتهم.
وسرعان ما تهكمت الحكومة التركية على تلك الخطة، حيث قال المتحدث باسم وزارة الخارجية، تانجو بيلجي: “لا ينبغي لأحد توقع أن يتحمل الشعب التركي عبء أزمات الهجرة الناجمة عن قرارات دول أخرى في منطقتنا”. ووصف مدير الاتصالات الرئيسي في الحكومة، فخر الدين ألتون، المبادرة بأنها: “غير مقبولة على الإطلاق” مضيفًا أن تركيا لن تكون بمثابة “غرفة انتظار لأي دولة”. ومع ذلك، قد يكون كل هذا الأمر موضع نقاش لأنه من غير الواضح كيف ستجري الخطة في ظل وجود طالبان التي تسيطر الآن بشكل كامل على البلاد.
وهناك فكرة أخرى تم طرحها وهي توزيع شبه إقليمي لعبء الزيادة في عدد اللاجئين، لكن هذا أيضًا يمثل مشكلة. حيث أن كلا الدولتين باكستان وإيران يستضيفان ما يقرب من 90 في المائة من اجمالي 2.5 مليون لاجئ أفغاني مسجل، بواقع 1.4 مليونا في باكستان وحوالي مليون في إيران (الأرقام غير الرسمية أعلى في كلا البلدين). وأعلنت باكستان مؤخراً أنها ستغلق حدودها التي يبلغ طولها 2400 كيلومتر والتي يسهل اختراقها، وستقوم باتباع “النموذج الإيراني” القائم على إيواء اللاجئين في المخيمات الحدودية بدلاً من السماح لهم بالتحرك إلى المدن. وفي حين إن تركيا وباكستان حليفان مقربان، خاصة بعد توقيعهما اتفاقية تعاون أمني في باكو عاصمة إذربيجان في يوليو الماضي، لكن ليس من الواضح طبيعة الإجراءات المشتركة التي يمكن اتخاذها للتخفيف من حدة هذه الأزمة.
ويمكن لإيران أن تزيد من حدة المشكلة التي تعاني منها تركيا، عن طريق تسهيل عبورالأفغان إليها، واتهم البعض طهران بالتجاهل عمداً عملية نقل آلاف الأفغان بالحافلات من إيران إلى الحدود التركية.
وساهمت أنقرة بجنود من قواتها في مهمة الناتو في أفغانستان على مدى العقدين الماضيين، وحتى وقت قريب كان لديها 500 جندي في أدوار غير قتالية هناك، ولكن الانهيار السريع لكابول احبط كل الخطط التي قامت على فكرة رحيل منظم من قبل الولايات المتحدة، والشيء الوحيد الواضح هو أنه سيكون هناك طوفان من اللاجئين.
وقد أخبرتني ليزا شوستر من جامعة سيتي في لندن، والتي أمضت معظم العقد الماضي في العمل الميداني في أفغانستان أنه: “يجد الأفغان صعوبة في تصديق أن كل تلك البلدان التي كانت موجودة على أراضيهم لفترة طويلة قد خذلتهم وتخلت عنهم.” وربما أضافت، كيف تريد هذه البلدان الآن نقل العبء إلى دول أخرى تجاهد للتعامل مع عشر سنوات من الهجرات الجماعية، والمطلوب هو عقد اجتماع دولي على جناح السرعة لمعرفة كيفية التعامل مع تدفق المهاجرين، ولكي تواجه الدول مسؤوليتها.
بركوس شليك هو زميل باحث ومحاضر منتسب في جامعة كامبريدج