في أوائل ديسمبر/كانون الأول، أصبحت العقود الآجلة للمياه سلعة قابلة للتداول في بورصة “وول ستريت”. وبات في إمكان المستثمرون المراهنة على توافر المياه في ولاية كاليفورنيا، أحد أهم الأسواق الزراعية في العالم. إن ظهور سوق العقود الآجلة هذا هو إشارة إلى الندرة الحقيقية لواحدة من أثمن الموارد الطبيعية على كوكب الأرض. ورغم ذلك، هناك جانب مشرق في هذا الأمر. ويتشابه سوق العقود الآجلة للماء مع نطيره للذهب والنفط، في أنه إذا أصبحت المياه أكثر ندرة، ارتفع سعرها. وهذا يخلق أداة قابلة للقياس الكمي لفهم تكلفة ندرة المياه، مما يشجع على الحفاظ على المياه والاستثمار في تكنولوجيا توفير المياه. والآن، فلنتخيل أن آلية أحد الأسواق تضمنت تحديات أخرى ملحة مثل انبعاثات الكربون والتي تسبب تغير المناخ.

حسنًا، وهذا ما يحدث بالفعل. ومع ذلك، هناك العديد من الاختلافات البارزة: فالمياه تزداد ندرة؛ وانبعاثات الكربون في تزايد. وبخصوص انبعاثات الكربون، يلزم على الأقل اتخاذ خطوتان ضروريتان.

أولهما، وفيما يتعلق بشركة “سترايب” العالمية لمعالجة عمليات الدفع، التزمت الشركة، في عام 2019، بإنفاق “1” مليون دولار أمريكي لشراء ائتمان من عدد من الشركات لإزالة الكربون في المستقبل من الغلاف الجوي، وعزل هذا الكربون من خلال عملية تخزين طويلة الأمد. وفي أكتوبر/تشرين الأول، دعت شركة “سترايب” الشركات التي تستخدم برامجها لدعم إزالة الكربون بشكل مباشر عن طريق تخصيص جزء من إيراداتها للمشروع (كانت البداية مع الشركات الأمريكية).

فما أهمية تلك الخطوة؟. حدد اتفاق باريس للمناخ هدفه المتمثل في الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى أقل من درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل العصر الصناعي. ومن أجل هذا، يحتاج المجتمع الدولي إلى تخفيض نسبة الكربون بمقدار رقمين. وهذا مطلب صعب، لأن هذا الأمر يتطلب استثمارات ضخمة.

ولكن كيف لهذا الأمر أن يتم؟. فلنضع في الاعتبار إلى أي مدى قد تؤدي الإجراءات التي تتخذها شركة “سترايب” إلى انخفاض تكلفة احتجاز الكربون. ومن خلال دفع الأموال للشركات المتخصصة في إزالة الكربون من أجل عزل الكربون في المستقبل، فإن ما تفعله شركة “سترايب” هو الاستثمار في هذه الشركات وتقنياتها. وبمجرد أن تطلب شركة “سترايب” من عملاء تلك الشركات بالانضمام إليها، فإنها تخلق سوقًا لطلب التكنولوجيا. ويقول قانون “رايت”، المستخدم للتنبؤ بالأسعار، إن زيادة الأحجام يؤدي إلى تأثير التعلم، وانخفاض سريع في الأسعار. وتنفذ شركة “سترايب” هذا التأثير من خلال كونها الشركة المنفذة لأول فكرة. وبسبب الإجراءات التي تتخذها شركة “سترايب”، ستتهاوى تكاليف احتجاز الكربون.

ويتضح هذا المفهوم في ظهور السيارات الكهربائية وتكلفة البطاريات اللازمة لتشغيلها. وفي أقل من عقد، انخفضت تكلفة بطاريات “أيون الليثيوم” بنسبة “85%” تقريبًا. وأصبحت السيارات الكهربائية رخيصة بما يكفي لتنافس السيارات التقليدية التي تعمل بالوقود، وفي ظل توسع سوق السيارات الكهربائية، تستمر أسعارها في الانخفاض. ويرجع هذا جزئيًا إلى الجهود المبتكرة التي تبذلها شركات مثل “تيسلا”، والتي دخلت سوق السيارات الكهربائية مبكرًا. وسيؤدي إعلان شركة “آبل” الأخير عن تصميمها لسيارة كهربائية وبيعها في عام 2024 إلى توسيع السوق بشكل أكبر وتقليل التكاليف.

وبالطبع، لن تجني شركة ” سترايب” الأموال من شراء الكربون. ورغم ما سبق، فإن شركة “سترايب” تدفع أموالاً باهظة مقابل شيء يجب أن يكون أرخص في المستقبل. ومع ذلك، ينبغي مكافأة الشركات الداعمة لمناهضة التغير المناخي مثل شركة “سترايب” بسبب المخاطر الأخلاقية التي تتحملها، وخاصة إذا أردنا منها المساعدة في توفير التكنولوجيا اللازمة لمكافحة تغير المناخ.

والخطوة الثانية هي ماذا لو أنشأت الأسواق المالية أداة مغايرة لآلية عقود المياه في كاليفورنيا (أو الذهب أو النفط)؟. ستكون هذه الأداة في المقام الأول أداة مشتقة وتعتمد على السعر الفوري المستقبلي لإزالة الكربون. ويمكن تسعير ائتمانات الكربون المشتراة حتى تاريخ معين بناء على تقلب الأسعار الفورية – مثل ارتفاع أسعار السندات عندما تنخفض أسعار الفائدة. ومثل السندات، قد تكون ثمة سلسلة من شرائح الكربون المستقبلية والتي يتم شراؤها في تواريخ محددة للمحافظة على استدامة سوق الكربون. ولدى وول ستريت تفاصيل الأمر كله. وهناك احتمال مؤكد بمكافئة كل من يشارك في تحديد مصير سلعتنا المستقبلية.

ومن الخطأ الأخلاقي أن يطلب العالم المتقدم من الاقتصادات النامية خفض انبعاثاتها المسببة للاحتباس الحراري الآن بعد أن تجاوز الغرب حصته العادلة في تلويث الأرض في الماضي. ويمكن لعزل الكربون إزالة المستويات الزائدة من الاحتباس الحراري، بشرط أن نستثمر في التكنولوجيا. ومع ذلك، رفضت الاقتصادات الرائدة في العالم، لأسباب مختلفة، تبني مبدأ قانون “رايت” للتأثيرات المناخية الهادفة. ومع ذلك، بذل القطاع الخاص جهودًا جبارة، ويتضح هذا من الارتفاع المذهل في قطاع السيارات الكهربائية.

وبينما قد تبدو شركة “سترايب” شركة صغيرة، إلا أن نهجها هو النهج المتاح للدول الأصغر والأكثر نشاطًا. ومن أمثلة ذلك، البلدان التي تركز على التكنولوجيا مثل إستونيا وسنغافورة. وبالإضافة إلى ذلك، قد ترى الدول الرئيسية المنتجة للهيدروكربونات كدول الخليج أن منطق الاستثمار في إزالة الكربون هو المكمل المقابل لصناعة الوقود الأحفوري، وبالتالي تحقيق الربح في نهاية المطاف من خلال الأسواق المالية.

ورغم ذلك، قد تساعدنا الأسواق في النجاة من التأثير المدمر على المناخ الناتج بسبب زيادة ثاني أكسيد الكربون.

“جوزيف دانا”، يتنقل ما بين جنوب أفريقيا ودول الشرق الأوسط، ويعمل كبير محرري “emerge85″، أحد المختبرات التي تستكشف التغيرات في الأسواق الناشئة وتأثيرها العالمي.

 

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: