“العقوبات تلحق الضرر بالإيرانيين”؛ كان هذا هو الاكتشاف الغير مثير للدهشة الذي أفصح عنه أحد المفكرين الأمريكيين من “أصدقاء طهران” خلال مقابلة إذاعية، والواقع أن هذا الحديث صحيح، لكن الهدف الأكبر من العقوبات هو تغيير السلوك الإيراني بالقوة، وللأسف، وكي نكون منصفين؛ فإن إلحاق الضرر بطهران هو جزء من عملية الضغط التي تستهدف القيادة الإيرانية، والمفكر الذي أجريت معه المقابلة الإذاعية فاته أن يقول إن إيران تنتظر حتى رحيل دونالد ترامب عن سدة الحُكم في الولايات المتحدة، وقد تمت تلك المقابلة الإذاعية قبل الانتخابات التي جرت يوم الثلاثاء، وقد رأى المفكر صديق إيران ان إيران تأمل في أن يحصل الديمقراطيون على الأغلبية في مجلس الشيوخ أو مجلس النواب، لكن الحقيقة هي كالتالي: لو أن التاريخ هو النبراس الحقيقي فإن هزيمة الجمهوريين في انتخابات مجلس النواب من الممكن أن تلحق الضرر بالجمهورية الإسلامية، وإيران ستكون أفضل حالا إذا ما استعاد الجمهوريون السيطرة على الكونجرس بجناحيه “مجلس الشيوخ ومجلس النواب”.
ونظرًا لطبيعة تشكيل الحكومة في الولايات المتحدة؛ فإن السُلطة التنفيذية مستقلة بذاتها فيما يخُص السياسة الخارجية أكثر من السياسة الداخلية، وفي قضايا الشأن الداخلي يجب على الرؤساء الحصول على الإجماع، وموافقة المشرعين، فضلًا عن إقناع المواطنين، كما انه يجب طرح القوانين على مجلسي الشيوخ والنواب، وبسب الطبيعة الشاقة للنظام التشريعي الأمريكي فإن الرؤساء يسارعون إلى تسوية الملفات الداخلية خلال أول عامين في الحُكم، حيث يكون، عادة، الحزب الذي ينتمي اليه الرئيس هو الحزب المسيطر على الكونجرس.
وقد نجح الرئيس السابق باراك أوباما في تحقيق إنجازين رئيسيين؛ الأول هو قانون الرعاية الصحية بأسعار معقولة “أوباما كير”، و”قانون دود فرانك” الخاص بالمعاملات البنكية، وقد تم هذا في الفترة ما بين صعود أوباما إلى السُلطة في العام 2008 وبين خسارة الحزب الديمقراطي الذي ينتمي إليه أوباما لانتخابات الكونجرس التي جرت في العام 2010.
وبالمثل؛ فقد أفرط دونالد ترامب في اصدار الوعود خلال العامين الأولين للرئاسة، وخلال تلك الفترة قام الكونجرس بتمرير قانون يقضي بتخفيضات ضريبية هائلة بغرض إلغاء قانون “أوباما كير”.
وبعد خسارته للأغلبية داخل الكونجرس؛ قام أوباما بإعادة تركيز سياسته على الشأن الخارجي، وذلك لأن حصول الجمهوريين على أغلبية مقاعد الكونجرس أدّى إلى تعطيل برنامج أوباما الداخلي، وبدأ أوباما في التركيز على الحرب في كل من سوريا والعراق وليبيا، فضلًا عن التركيز على خطته الطموحة لاستعادة العلاقات مع إيران، وقد أدّت خسارة الديمقراطيين لانتخابات مجلس الشيوخ في العام 2014 إلى إسراع أوباما في السير بذات الطريق، أو ما اعتبره هو وضع بصمته على إنجازات سياسته الخارجية: وأهمها الاتفاق النووي مع طهران.
وكما حدث مع أوباما؛ فإن ترامب سوف يشعر بشكل تدريجي بإحكام قبضة الديمقراطيين على الشأن الداخلي، وكما فعل أوباما، وفي سبيل تعويض هذا العجز الداخلي؛ فإن ترامب سيقوم بإعادة التركيز على السياسة الخارجية، وخاصة الشأن الإيراني.
ومنذ انتخابه في العام 2016؛ أظهر دونالد ترامب رغبة غير مسبوقة في مواجهة إيران، والقضاء على الأنشطة التي تقوم بها لزعزعة الاستقرار في المنطقة، وقد أعلن ترامب أن طهران لم تقُم باستخدام الأموال التي تسلمتها بناءً على الاتفاق النووي في تحسين أحوال الشعب الإيراني، وإنما استخدمت تلك الأموال لتمويل الميليشيات الموالية لها التي نشرت الفوضى والتدمير في منطقة الشرق الأوسط.
وبينما اعتبر أوباما الاتفاق النووي بمثابة حجر الزاوية فيما يخُص تحسين العلاقات مع إيران؛ فقد رأى ترامب تلك الاتفاقية على أنها تدعيم لسياسة إثارة المشكلات التي تقوم بها إيران، ومن ثم فإن الاتفاق النووي وفقًا لمنظور ترامب بات عائقًا أمام إقامة علاقات جيدة بين العالم وطهران.
وإيران تعلم جيدًا أن ترامب ليس صديقًا لها، لذا فقد عمدت جماعات الضغط الإيرانية في واشنطن إلى نشر استراتيجية طهران الجديدة، ألا وهي الانتظار حتى رحيل ترامب.
وسوف تنتهي رئاسة ترامب في يناير من العام 2021، وذلك إذا ما فشل في الفوز بفترة رئاسية ثانية، بينما تأمل طهران وأصدقائها في أن تكون خسارة الجمهوريين للكونجرس مقدمة لخسارة ترامب في الانتخابات الرئاسية المقرر لها العام 2020، لكن ليس هناك دليل على وجود علاقة بين خسارة انتخابات الكونجرس وخسارة ترامب للانتخابات الرئاسية القادمة.
والواقع أن خسارة الجمهوريين لمجلس النواب ستؤدي إلى التخفيف من المسئولية الضخمة الملقاة على عاتق الرئيس فيما يخُص أية إخفاقات سياسية تحدث في عهده، وعلى العكس من العامين الماضيين الذين شهدا سيطرة ترامب والحزب الجمهوري على كل أفرع الحكومة؛ فإن الوضع الآن قد اختلف بعد أن خرج مجلس النواب من سيطرة ترامب، فعندما تسوء الأمور الآن يمكن لترامب إلقاء اللوم على الديمقراطيين داخل الكونجرس، وذلك سيؤدي إلى الحفاظ على بعض الشعبية التي يتمتّع بها ترامب وكذا سيؤدي إلى الحفاظ على ماء وجه الرئيس.
علاوة على ذلك، فإن خسارة الرئيس لمعركة إعادة انتخابه في ظل الأوضاع الحالية هي شيء نادر الحدوث في الحياة السياسية الأمريكية، خاصة إذا ما أتى صيف العام 2020 والاقتصاد الأمريكي لازال يتمتع بالنمو اللافت للنظر، وإذا ما حافظ الاقتصاد الأمريكي على تلك الانطلاقة؛ فإن إعادة انتخاب ترامب ستكون مؤكدة بدرجة كبيرة، وأغلب الظن أن الكونجرس سيظل في أيدي الديمقراطيين حتى نهاية فترة ترامب الرئاسية، وربما بعد ذلك.
وهذا السيناريو يعني أن استراتيجية طهران القائمة على انتظار رحيل ترامب ستطول، وأن هذا الانتظار سيمتد من عامين إلى ستة أعوام، مما يعني إثارة العديد من الاسئلة حول قدرة طهران على النجاة من عقوبات دونالد ترامب.
وبشكل نظري بحت؛ فإن مصلحة إيران تأتي عبر سيطرة الجمهوريين على الكونجرس حتى العام 2020، مما سيجعل ترامب مشغولًا بالشأن الداخلي كما ستجعل فرصته ضعيفة في الفوز بفترة رئاسية ثانية.
لكن وعلى العكس مما تفكر فيه طهران وأصدقائها في واشنطن؛ فإن خسارة الجمهوريين لمجلس النواب ربما تأتي ضد مصلحة النظام الإيراني.
AFP PHOTO/ATTA KENARE