باتت التكلفة “المرئية” لوباء فيروس كورونا واضحة للعيان، حيث فقد أكثر من ستة ملايين أرواحهم في حالات وفاة مرتبطة بشكل مباشر بالفيروس في جميع أنحاء العالم حتى الآن، وخسر الكثير وظائفهم، وانهارت الكثير من الشركات، فضلاً عن أزمات مالية على نطاق واسع، كما توقف تعليم ملايين الأطفال، وغيرت الحكومات مسارها الخاص بـ خطط السنوات قادمة.

ولم يظهر بعد المدى الكامل للآثار غير المرئية، لكن أسبوع التحصين الأخير لمنظمة الصحة العالمية قدم لمحة تقشعر لها الأبدان حول تداعيات محتملة للوباء.

فقد أدى الوباء إلى تعطيل برامج التطعيم في جميع أنحاء العالم، بفضل تركيز المؤسسات الصحية على تبعاته، وخاصة في البلدان الفقيرة التي كانت تكافح بالفعل لتنفيذ تلك البرامج، واعتبارًا من 1 أبريل، تم تعليق 57 حملة لقاح للأمراض التي يمكن الوقاية منها في 43 دولة، والتي كان من المقرر إجراؤها منذ بداية الوباء، مما أثر على 203 ملايين شخص، معظمهم من الأطفال.

وكان هناك 19 حملة ضد الحصبة بين تلك الحملات، ويعد الظهور الدراماتيكي لمرض الحصبة مؤخرًا علامة تنذر بالسوء وأن المستقبل يخفي مفاجئات غير سارة.

ويعد مرض الحصبة معدي للغاية، وتظهر الحالات بسرعة عندما تنخفض معدلات التطعيم. وهذا يعني أن انتشار العدوى الذي نشهدها الآن، كما تقول منظمة الصحة العالمية ووكالة الأمم المتحدة للطفولة اليونيسف وهما (أكبر مزود للقاحات في العالم) يعد “تحذير مسبق من تفشي الأمراض الأخرى التي لا تنتشر بسرعة”.

وقد انخفض عدد الوفيات الناجمة عن المرض في جميع أنحاء العالم بنسبة 73 في المائة بين عامي 2000 و2018 وذلك بفضل التطعيم ضد الحصبة، مما أدى إلى إنقاذ ما يقدر بنحو 23 مليون شخص.

وعندما تم تطعيم 86 في المئة من أطفال العالم في عام 2018، كان لا يزال هناك حوالي 140 ألف حالة وفاة بسبب الحصبة، ولكن قبل إعطاء جرعات اللقاح في عام 1963، اجتاحت الأوبئة الكبرى العالم كل سنتين أو ثلاث سنوات، وأودت كل موجة بحياة أكثر من 2.5 مليون طفل.

ومن المعروف أن حوالي 40 دولة قد أوقفت برامج التطعيم ضد الحصبة خلال الوباء، ونتيجة لذلك، ارتفع عدد الحالات العالمية المبلغ عنها بنسبة 79 في المائة في الشهرين الأولين من هذا العام، مقارنة بشهر يناير وفبراير 2021، مما شكل تهديدًا لملايين الأطفال حول عام 2022، وكان أسوأ انتشار في الصومال واليمن، وأفغانستان، ونيجيريا، وإثيوبيا.

ومن الأمراض الخطيرة الأخرى التي يمكن الوقاية منها باللقاحات هو شلل الأطفال، والذي يصيب بشكل رئيسي الأطفال دون سن الخامسة، وتؤدي إصابة واحدة من كل 200 إصابة إلى شلل لا يمكن علاجه، ويموت ما بين 5 و10 في المائة من الأطفال المصابين بالشلل، مما يشكل ضائقة لا يمكن تصورها، حيث تتوقف عضلات التنفس عن العمل.

وكان شلل الأطفال على وشك الانقراض قبل انتشار الوباء، مثله مثل الجدري في عام 1980، وانخفضت حالاته إلى أن صارت في منطقتين أثنين فقط وبعض من الحالات في باكستان وأفغانستان.

لكن أعلنت لجنة الطوارئ الخاصة بشلل الأطفال التابعة لمنظمة الصحة العالمية عن اكتشاف حالة في إفريقيا في شهر فبراير، حيث تم الإعلان عن القضاء على المرض في عام 2014، وكانت الضحية طفلة تبلغ من العمر ثلاث سنوات في ملاوي، أصيبت بالشلل بعد إصابتها بسلالة من الفيروس رصدت آخر مرة في باكستان في عام 2019.

وحذرت اللجنة من أنه في ظل المشكلات المعتادة المتمثلة في ضعف أنظمة التلقيح في العديد من البلدان، والتي تفاقمت مشاكلها بسبب تحويل الانتباه والأموال إلى جائحة فيروس كورونا، فإن خطر الانتشار الدولي لشلل الأطفال أصبح الآن مرتفعًا بشكل مثير للقلق.

وقالت: “طالما بقي طفل واحد مصابًا، فإن الأطفال في جميع البلدان معرضون لخطر الإصابة بشلل الأطفال، إن الفشل في استئصال شلل الأطفال من هذه المعاقل الأخيرة المتبقية يمكن أن يؤدي إلى ما يصل إلى 200000 حالة جديدة كل عام، في غضون 10 سنوات، في كافة أنحاء العالم.”

ولا يقتصر الأمر على مرض الحصبة وشلل أطفال فقط، فقد حُرم ما يقدر بنحو 23 مليون طفل في جميع أنحاء العالم من مجموعة كاملة من لقاحات الطفولة الأساسية في عام 2020، بسبب تأثير فيروس كوفيد -19 على النظم الصحية.

وأصدرت منظمة الصحة العالمية واليونيسف الشهر الماضي تحذيراً مشتركاً مفاده أن الظروف أصبحت الآن مهيأة لتفشي الأمراض المتعددة التي يمكن الوقاية منها باللقاحات بين الأطفال، ومع تعطل برامج التطعيم التي تفاقمت الآن بسبب التجاهل الواسع للتباعد الاجتماعي وغيره من تدابير الوقاية من العدوى.

وتقول منظمة الصحة العالمية، إن هناك تهديدًا حقيقيًا آخر يهدد حياة ملايين الأطفال في جميع أنحاء العالم وهو “فيضان المعلومات المضللة” على وسائل التواصل الاجتماعي، الناجم عن جائحة كوفيد، والذي “قوض ثقة الناس في اللقاحات”.

وهو ما يوصلنا إلى الاستيلاء الكارثي على منصة توتير من قبل إيلان ماسك، الذي يعد أغنى رجل في العالم.

وتتمثل خطة ماسك الكبيرة لمنصة وسائل التواصل الاجتماعي في إزالة جميع القيود المفروضة على جميع المستخدمين، وتحرير منظري المؤامرة المناوئين للقاحات لنشر معلوماتهم المضللة السامة دون التعرض لخطر الإغلاق. وقد أعلن ماسك عن تأييده الكامل لحرية التعبير من دون رقيب أو حسيب.

تخيل الفرق الذي كان يمكن لماسك عمله إذا، بدلاً من استثمار مبلغ 44 مليار دولار في مشروع الغرور والتباهي الخاص به، كان قد قدّمه لسبب وجيه، مثل إعطائه لمنظمة الصحة العالمية، أو اليونيسف، أو برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة.

وبدلاً من ذلك، فمع الغطرسة التي لا تُطاق من الأثرياء الطائشين، يبدو أنه يحتقر في الواقع المنظمات التي تنقذ بعملها اليومي أرواحًا لا تعد ولا تحصى.

وفي العام الماضي، غرد على تويتر قائلا أنه سيعطي 6 مليارات دولار لبرنامج الغذاء العالمي إذا كان بإمكانه أن يخبره “بالضبط كيف ستحل 6 مليارات دولار مشكلة الجوع في العالم.”

وكأن الفكرة لم تصله بعد، كما يقول برنامج الأغذية العالمي على موقعه على الإنترنت “اليوم، سينام 690 مليون شخص حول العالم وهم جائعين. لكن هديتك تعني أنه سيتم استثناء طفل واحد فقط من التعرض لخطر المجاعة الليلة ”

والسخرية من ذلك المسعى هي إشارة قاسية بشكل خاص من رجل لم يعرف الجوع قط.

والأسوأ من ذلك، هو خطة ماسك للسماح لكل مُنظِّر من منظري المؤامرة على تويتر، والذي سيكون حكمًا بالإعدام على أي طفل تعيس الحظ ولد لأبوين ساذجين مقتنعين بسهولة أن الحكومات تسعى لقتلهم، وأن بائعي المعلومات المضللة السامة على وسائل التواصل الاجتماعي يهتمون بمصلحتهم.

 

جوناثان جورنال هو صحفي بريطاني، كان يعمل سابقًا مع التايمز، وقد عاش وعمل في الشرق الأوسط وهو الآن مقيم في المملكة المتحدة.

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: