إضافة إلى العديد من عوامل الخطر التي جعلت تشخيص الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفيروس كورونا المستجد كوفيد-19″ أمرًا لا مفر منه تقريبًا – بدءًا من استخفافه بالأقنعة وصولاً إلى استهانته بالتباعد الاجتماعي – إلى جانب عامل آخر، وهو: جواز سفره. والذي يشكل أيضًا أحد المؤشرات التي تثير التساؤلات حول الفرق بين الدول “المتقدمة” و”النامية” في القرن العشرين.
وليست مصادفة أن الولايات المتحدة الأمريكية، أحد أكثر دول العالم تفاوتًا بين مواطنيها على مستوى الدخل، وهي أيضًا موطن لمعظم حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد “كوفيد-19″، إذ بلغ إجمالي الإصابات المؤكدة “7,5” مليون حالة (20٪ من إجمالي الإصابات حول العالم).
إن ظاهرة الجائحة وعدم المساواة في الدخل ليست فريدة من نوعها في الولايات المتحدة الأمريكية. ومن بين البلدان العشرة الأولى من حيث الإصابة بفيروس كورونا المستجد “كوفيد-19″، تطبق سبع دول معامل جيني -وهو مقياس لمستوى التفاوت في الدخل على بمقياس من 0 إلى 100، حيث يمثل العدد 100 “تفاوت مطلق” – ووفقًا لتصنيف الأمم المتحدة، يمثل ما فوق 40 “تفاوت كبير جدًا”. ” (وتبلغ نسبة التفاوت بين الدخل في الولايات المتحدة الأمريكية “41,4”؛ وفي البرازيل، ثالث أكبر دولة من حيث عدد الإصابات بفيروس كورونا المستجد “كوفيد-19” بإجمالي “5” ملايين إصابة، نجد أن معدل المعامل جيني لديها هو “53,9). وللتذكرة، فإن معظم قادة العالم الذين أصيبوا بالفيروس –بمن فيهم ترامب، ورئيس الوزراء البريطاني “بوريس جونسون”، والرئيس البرازيلي “جايير بولسونارو”، ورئيس هندوراس “خوان أورلاندو هيرنانديز” – يترأسون بلدانًا بها فجوات كبيرة في الثروة.
وتتنوع أسباب العلاقة بين فيروس كورونا والتفاوت في الدخل. فعلى سبيل المثال، يدل التفاوت في الدخل على وجود الكثير من العمال ذوي الدخول المنخفضة -مثل سائقي الحافلات وعمال النظافة وموظفي الدعم الذين لا يمكنهم عزل أنفسهم والعمل من المنزل بهذه السهولة. وفي الواقع، يرتبط السلوك الوقائي ارتباطًا وثيقًا بالدخل. ووفقًا لمجموعة متزايدة من الأبحاث، فإن أحد أكبر دوافع الناس لارتداء الأقنعة، خاصة في الأماكن المتفاوتة في الدخل، ليس حماية صحتهم؛ بل ضمان الاستمرار في تقاضي رواتبهم.
ويترتب أيضًا على ارتفاع مستوى التفاوت في الدخل لجوء عدد كبير من الأشخاص للعيش في أماكن قريبة، مما قد يؤدي إلى تسريع انتقال العدوى. وهناك بيانات وفيرة تربط التفاوت في الدخل بالنتائج الصحية السيئة والمعدلات المرتفعة للأمراض المزمنة، وعوامل خطر الإصابة بمضاعفات “كوفيد-19”. وكما لاحظ باحثون في البرازيل مؤخرًا، فإن إصابة الشخص الفقير بفيروس كورونا أمرًا لا مفر منه. وكتب الباحثون أن فيروس كورونا المستجد “كوفيد -19” يشبه تلوث الهواء. “ومن الصعب أن يتفادى الناس بشكل كامل الآثار السلبية لتلوث الهواء في المكان الذي يعيشون فيه”، وينطبق الأمر ذاته على الجائحة.
والأثرياء أيضًا ليسوا بمعزلٍ عن الإصابة بفيروس كورونا المستجد “كوفيد-19″، ويتضح ذلك من انتشار فيروس كورونا في البيت الأبيض. وتقول “كيتلين براون”، أستاذة السياسة العامة في جامعة أوروبا الوسطى، و”مارتن رافاليون”، الخبير الاقتصادي في جامعة جورج تاون، يميل الأشخاص ذوي الدخل المرتفع في الدول المتفاوتة في الأجور إلى إنجاز الأعمال وجهًا لوجه، وهي عادات يصعب الانقطاع عنها. وبعبارة أخرى، ولأن “الناس في الأماكن الأكثر ثراء يتعاملون بطرقٍ لا يمكن تعديلها دون تكلفة أثناء الجائحة”، فإنهم أقل استعدادًا لتبني العادات التي قد تؤثر سلبًا على رفاهيتهم المالية (أو السياسية كما في حالة ترامب).
وفي مدينة امستردام، لاحظت مؤخرًا إحدى مسؤولات المدينة أن العوامل الاجتماعية والاقتصادية في مدينتها تحدد طريقة انتقال المرض. ولكن سواء جاءت الإصابة بفيروس كورونا أثناء التزلج في جبال الألب الإيطالية أو التكدس في الأحياء الفقيرة في “ريو دي جانيرو”، فإن من يعاني أكثر هم الأشد فقرًا. وكتبت المسؤولية: “يجلب الأغنياء الأمراض إلى الفقراء، ومن يعاني هو الفقير.
ومن غير المحتمل أن تتحسن أي من تلك التقاليد قريبًا. وتتوقع شركة “ديلويت” أن فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19” سيؤدي إلى زيادة الفجوة في الدخل في الولايات المتحدة الأمريكية، وخاصة بين البيض والآسيويين من جهة، وبين السود والأسبان من جهة أخرى. وهناك أيضًا مخاطر تواجه المكاسب في المساواة بين الجنسين. وعلى مدار عقود، ظلت معالجة الأسباب الهيكلية للتفاوت محور تركيز أهداف التنمية البشرية. وبسبب الجائحة، أصبحت معالجة تلك الأسباب الهيكلية أكثر صعوبة وإلحاحًا.
ومن المؤكد أن التفاوت في الدخل هو مجرد عامل واحد فقط في تحديد مخاطر الإصابة بفيروس كورونا المستجد “كوفيد-19” في أي بلد. وهناك عدد آخر لا يحصى من عوامل الإصابة بالفيروس والتي يجب أخذها بعين الاعتبار – بدءًا من القيادة السياسية وصولاً إلى السكان، ومن جودة نظام الرعاية الصحية في الدولة إلى متوسط العمر. كما أن التفاوت في الدخل ليس المؤشر المثالي الوحيد على سهولة الإصابة بفيروس كورونا المستجد “كوفيد-19”. وعلى سبيل المثال، لا تزال الصين من الدول التي تشهد تفاوتًا كبيرًا في الدخل، ومع ذلك كانت معدلات الإصابة بالفيروس منخفضة لعدة أشهر.
ولكل قاعدةٍ شواذ. فعلى سبيل المثال، تشهد جمهورية التشيك حيث أعيش، وتشكل واحدة من أكثر الدول الأوروبية إنصافًا في الدخل، ارتفاعًا في حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد “كوفيد-19”.
ومع ذلك، من الصعب تجاهل العلاقة بين التفاوت في الدخل ومعدلات الإصابة بفيروس كورونا، حيث تسرع الجائحة من الانتشار السريع للتشرد والبطالة والفقر، ولاسيما في الاقتصادات الأكثر تقدمًا في العالم، فمن غير المرجح أن ينتهي ارتباط الفيروس بالتفاوت في الدخل.
ووسط هذه الكآبة، من الصعوبة بمكان ألا نتعجب من البديل. في جميع أنحاء العالم النامي، حيث قليلاً ما يتم التطرق إلى مسألة التفاوت في الدخل، وهناك تحسن في نوعية الحياة، تمكنت بلدان من إفريقيا إلى آسيا إلى الشرق الأوسط من إدارة الأزمة الصحية بشكل أفضل من نظيراتها المتقدمة. وفي الإمارات العربية المتحدة (حيث معامل جيني: 32.5)، ساعدت إجراءات الحجر الصحي الصارمة وأنظمة الفحص الواسعة على إبطاء انتشار الفيروس، وفي التعافي. وفي تايوان (حيث معامل جيني “35”)، أدت الإجراءات الحاسمة التي اتخذتها الحكومة إلى إبقاء الفيروس تحت السيطرة لعدة أشهر. وفي تايلاند (حيث معامل جيني “36,4”)، وهي الدولة البالغ تعداد سكانها 69.4 مليون نسمة، تبلغ حالات الإصابة اليومية بفيروس كورونا “كوفيد-19” حالات فردية.
وعند تطبيق كل شيء، قد تفرض الجائحة علينا أن ننظر إلى العالم نظرة مختلفة، وما إذا كانت البلدان “المتقدمة” تستحق حقًا هذا اللقب. ولكن على أقل تقدير، يجب أن تفرض الجائحة تغييرًا في الطريقة التي تنظر بها الدول المتفاوتة في الدخل إلى نفسها.
جريج سي برونو، مؤلف كتاب “البركات من بكين: داخل حرب القوة الناعمة للصين على التبت”. كان “جريج” عضوًا في مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك، ومحرر عمود رأي سابق لدى جريدة ذا ناشونال” في أبوظبي، و”بروجيكت سنديكيت” في براغ.