استقبل سكان الإمارات الست الصغيرة الواقعة على الساحل الغربي للخليج العام الجديد، بمزيج من اللهفة والتخوف، في مثل هذا الأسبوع قبل خمسين عامًا، وضمت منطقتهم على مدى أكثر من 150 عامًا ​​ما أشار إليه البريطانيون بنوع من الاستخفاف باسم الإمارات المتصالحة.

ولكن خلال العام الماضي، تغير نمط الحياة بشكل كبير، ربما للأفضل، ولكن من المحتمل جدًا أن يكون للأسوأ.

فقد تخلت بريطانيا (ما بعد الحقبة الاستعمارية)، والتي كانت تعاني من ضائقة مالية، عن التزاماتها تجاه محمياتها الواقعة شرق قناة السويس وتركتها تواجه مصيرها.

وانضمت دبي والشارقة وأم القيوين والفجيرة وعجمان، وبعد ذلك بوقت قصير، رأس الخيمة إلى أبوظبي لتشكيل دولة الإمارات العربية المتحدة.

وقد كانت تلك بداية محفوفة بالمخاطر، فقبل أيام من رفع علم الإمارات العربية المتحدة لأول مرة فوق بيت الاتحاد في دبي في تاريخ 2 ديسمبر 1971، استولت إيران على جزر أبو موسى العربية وطنب الكبرى وطنب الصغرى بعد انتظارها مغادرة البريطانيين، والتي أصبحت الآن جزءًا من الاتحاد الجديد.

وكانت تلك الأيام حافلة بالتوتر، حيث تقع جزيرة أبو موسى على بعد 60 كيلومترًا تقريبًا من ساحل الإمارات، وبعد عقود من الحماية من قبل القوة العسكرية البريطانية، لم تجد الدولة الجديدة ما يحميها من العدوان الإيراني غير كشافة عُمان المتصالحة، وهي قوة شرطية شبه عسكرية أسستها وتولت مهامها بريطانيا، ثم وهبتها للاتحاد الجديد.

وفي الخليج أُثناء عشية رأس السنة الجديدة في عام1971، لم يستطع أحد القول على وجه اليقين ما يخفيه عام 1972 للمنطقة.

وبعد مرور خمسين عامًا، وجدت الإمارات ودول الخليج الأخرى نفسها في وضع مشابه لذلك الوضع، حيث بدأ القادة في التفكير في العام الجديد 2022 على خلفية انسحاب قوة عالمية أخرى من المنطقة، والتي سئمت من إهدار الدماء والثروات شرق قناة السويس.

وحتى قبل تنصيب جو بايدن في كانون الثاني (يناير) 2021، لم تُخفِ الإدارة الأمريكية القادمة نيتها في “عمل القليل، وليس الكثير” في منطقة الشرق الأوسط، وعكس الانسحاب السريع والفوضوي للولايات المتحدة من أفغانستان في شهر أغسطس الماضي ما تعنيه تلك العبارة.

ولكن، بالطريقة نفسها التي حرر بها انسحاب بريطانيا قبل 50 عامًا دولة الإمارات وجعلها تفكر وتعمل من أجل مستقبلها، وفتح الباب على مصراعيه لمرحلة من التنمية الاقتصادية والاجتماعية لا مثيل لها، فإن تقليص المصالح والنفوذ الأمريكي يمثل فرصة سياسيًة لمنطقة مجهزة تجهيزا جيدا للاستفادة منها.

ولا شك في أن وجود الجيش الأمريكي، كان بمثابة غطاء أمان مُرحب به لدولة الإمارات العربية المتحدة ودول الخليج الأخرى، مثله مثل وجود الجيش البريطاني قبل نصف قرن لأسلاف سكان الخليج، وهو غطاء أمان للتعامل مع التهديد الذي يلوح في الأفق من الجانب الإيراني.

لكن غطاء الأمان قد يكون خانقا، حيث إن الإمارات ازدهرت بصورة تفوق التوقعات بعد تحريرها من الحماية البريطانية، وبالتأكيد فأن مسؤولي الحكومة البريطانية في ذلك الوقت، شككوا سراً في نجاح محمياتهم السابقة.

والآن، بعد تحرر دول الخليج من ثقل النفوذ الأمريكي والحاجة لاتباع نهجها السياسي، بينما هي تسعى لتحقيق مصالحها في المنطقة، فما الذي يمكن لدول الخليج تحقيقه بمفردها؟

يمكن لها تحقيق الكثير والكثير استشهادا بالعلاقات الدبلوماسية التي طُورت في العام الماضي.

ففي السادس من شهر ديسمبر، زار كبير المستشارين الأمنيين لدولة الإمارات طهران لإجراء محادثات مع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي.

وتجدر الإشارة إلى أن هذه المبادرة الدبلوماسية لم تأت من موقف ضعف، حيث أصبحت القوات المسلحة الإماراتية واحدة من أفضل الجيوش العسكرية تدريباً وتسليحاً في العالم العربي، وقبل ثلاثة أيام فقط من ذلك الاجتماع، وقعت الإمارات العربية المتحدة صفقة بقيمة 19 مليار دولار لشراء 80 طائرة رافال من فرنسا.

ولم يكن التقارب الإماراتي الإيراني بالمستبعد، وجاءت الزيارة في أعقاب ما تردد عن أربع جولات من المحادثات بين السعودية وإيران في بغداد، وفي غضون ذلك، كانت المملكة العربية السعودية والإمارات وإيران متواجدين جميعًا في قمة نظمها العراق وفرنسا بشكل مشترك في شهر آب (أغسطس) وكان غياب الولايات المتحدة عن تلك القمة لافت للأنظار.

وفي يوم 13 من شهر ديسمبر (كانون الأول)، قام رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت بأول زيارة رسمية تاريخية لرئيس وزراء إسرائيلي إلى الإمارات العربية المتحدة.

وربما تكون الحكومة الأمريكية هي التي بادرت بـ “اتفاقيات إبراهيم”، لكن من الواضح أن الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل، هما اللتان وقعتا سلسلة من الصفقات التجارية، بغرض تحقيق أقصى استفادة منها.

ويعتمد أثر ذلك على المنطقة على الجهود الجارية في فيينا لإحياء الاتفاق النووي لعام 2015 مع إيران، ولا تعد الإمارات أو السعودية طرف في المحادثات، على الرغم من قلقهما من أن أي اتفاق يجب أن يشمل أيضًا إنهاء دعم إيران للميليشيات المسلحة في جميع أنحاء المنطقة.

ولكن الواضح هو أن السعوديين والإماراتيين، مدعومين من مجلس التعاون الخليجي، مصممين على التعامل مع طهران دبلوماسياً، بشروطهم الخاصة وفي إطار المصالح الأوسع للمنطقة.

وكما كان عليه الحال في عام 1971، لا يستطيع أحد القول على وجه اليقين ما يخفيه العام الجديد 2021 لدول الخليج، ومع ذلك، فإن من الواضح أن دولة الإمارات العربية المتحدة لم تكن أبدًا في وضع أفضل مما هي عليه اليوم لرسم ملامح مستقبلها، وهي مجهزة ومصممة على القيام بذلك.

 

جوناثان جورنال صحفي بريطاني، كان يعمل سابقًا مع التايمز، وقد عاش وعمل في الشرق الأوسط وهو الآن مقيم في المملكة المتحدة.

 

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: