في يناير الماضي حين تم توجيه سؤال لوزير الدولة الإماراتي للذكاء الاصطناعي “عمر بن سلطان العلماء”، حول علاقة العمل مع شركة هواوي عملاق التكنولوجيا الصيني المثير للمشكلات، كان الوزير الإماراتي حازماً: فيما يخص نزاهة دولته في التعامل، وقال الوزير الإماراتي في تصريحات لشبكة CNBCالإخبارية الأمريكية: “نحن دولة متعاونة للغاية، وقد عملنا مع جميع الأشخاص من جميع المناطق على مستوى العالم”، لكن بعد مرور ستة اشهر على تصريحات الوزير الإماراتي يحق لنا أن نتساءل: هل تحتاج تلك السياسة إلى إعادة نظر؟.

وإجابة “العلماء” – التي جاءت وسط ادعاءات بأن تكنولوجيا هواوي من الممكن استخدامها في التجسس برعاية أنظمة حاكمة – لم يكن مقصودًا منها القيام بتجربة جيوسياسية متلونة، لكنها أصبحت كذلك، وقد أدت المشكلات الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة إلى إجبار الحلفاء الأوربيين على إعادة تقييم العلاقة مع الصين وشركة هواوي، لذا فإن سياسة الحياد المفضلة لدى بعض الدول مثل الإمارات العربية المتحدة باتت أكثر تعقيدًا.

وقال محمد باقر فروغ الخبير في الشأن الصيني بجامعة ليدن الهولندية إن: “لقد رأينا التداخل بين المسائل الجيوسياسية والتكنولوجية بوضوح، وتلك المسألة أدت لإثارة مشكلات مع بعض الدول مثل تركيا ومجلس التعاون الخليجي”، وقد صرّح باقر لي شخصيًا بأن: “تلك المواجهة أدت إلى اختيار جيو اقتصادي بين الشرق والغرب، والكثير من الدول العربية اختارت الصين”.

ومنذ 30 عامًا مضت، كان الاختيار بالنسبة لدول الخليج واضحًا، ففي العام 1989 قامت السوق الأوربية المشتركة – وهي المنظمة التي حل الاتحاد الأوريي محلها لاحقًا – بتأسيس علاقات مع دول مجلس التعاون الخليجي، عبر التوقيع على اتفاقية كانت بمثابة قاعدة ل”التعاون في جميع المجالات المتعلقة بالعلاقات الثنائية”، وبالنسبة للكثيرين في أوربا كانت الأهداف من وراء ذلك واضحة: الا وهي تأمين واردات الطاقة وتسهيل الدخول إلى أسواق الشرق الأوسط، وفي الوقت ذاته كانت تلك الصفقة بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي بمثابة أداة للتنوع والدفع بالتنمية الاقتصادية في تلك الدول إلى الأمام وكذلك تعزيز التكامل على المستوى الإقليمي، وعلى الرغم من التقدم الذي حدث في البداية، إلا أن اتفاقية التجارة الحرة بين الاتحاد الأوربي ومجلس التعاون الخليجي لم يتم تنفيذها.

وقد تنوعت أسباب هذا الفشل، وبالنسبة لمجلس التعاون الخليجي فإن الخلافات الداخلية حول الأمن وقضايا أخرى عقّدت الموقف التفاوضي لمجلس التعاون، بينما كانت هناك مقاومة داخلية لتلك الاتفاقية بين دول الاتحاد الأوربي، وعلى سبيل المثال، فقد مارس منتجي البترول في دول الاتحاد الأوربي ضغوطًا شديدة من أجل منع دخول صادرات الهيدروكربونات الخليجية المعفاة من الجمارك إلى الأسواق الأوربية، أما خلال الفترة الحالية؛ فإن دعم الاتحاد الأوربي للاتفاق النووي مع إيران، وردة فعل مجلس التعاون الخليجي على الثورات العربية أسفرتا عن تعميق الخلافات بين الطرفين.

لكن هناك عنصرًا آخر لا يمكن إهماله: وهو الصعود الذي تشهده الصين، وفي يناير من العام 2016 أصدرت بيجين ما أسمته “ورقة السياسة العربية”، وكانت تلك هي المرة الأولى التي تتعهد فيها الصين علنًا بتطوير العلاقات مع العالم العربي، لكن وعلى العكس من الاتحاد الأوربي المفكك؛ فإن الصين تمتلك وضعًا أقوى يساعدها على تنفيذ رؤيتها للعلاقات مع العرب.

والسبب الرئيسي لتلك الانفراجة في العلاقات الصينية الخليجية يعود إلى مبادرة الحزام والطريق، والتي ترمي إلى الاعتماد على الموقع الاستراتيجي لدول مجلس التعاون الخليجي، لدعم الشبكة الدولية التي تعد الصين مقرًا لها، والتي تشمل طرقًا تجارية في البر والبحر والجو، وفي الأعوام الثلاثة التي أعقبت الإعلان عن ورقة السياسة العربية، شهدت الاستثمارات المرتبطة بمبادرة الحزام والطريق في منطقة الخليج ارتفاعًا صاروخيًا، ووفقًا لتصريحات جوناثان فولتون أستاذ العلوم السياسية بجامعة زايد بأبو ظبي ومؤلف كتاب “العلاقات الصينية مع ممالك الخليج”، فإن السياسة الصينية تجاه الشرق الأوسط منذ 10 سنوات كانت “بسيطة” و”سطحية”، بينما تتميز تلك العلاقات اليوم بأنها “قوية ومتماسكة”.

وبالنظر إلى الأرقام، في العام 2016 بلغ حجم التبادل التجاري بين مجلس التعاون الخليجي والصين إلى 114 مليار دولار، بعد أن كان 9.9 مليار دولار في العام 2000، وعلى الرغم من أن الاتحاد الأوربي يبقى الشريك التجاري الأكبر لمجلس التعاون الخليجي؛ إلا أن الصادرات الأوربية لدول مجلس التعاون شهدت انخفاضًا منذ العام 2015 بينما ارتفعت الصادرات الصينية لدول مجلس التعاون، وقد أشار فولتون إلى أن حجم التبادل التجاري بين الصين ومجلس التعاون الخليجي قد يصل إلى 350 مليار دولار بحلول العام 2023، والصين قد زادت أيضًا من المساعدات العسكرية للمنطقة، وقد خلص تقرير صدر مؤخرًا عن وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية إلى أن الصين باتت أكبر مورد للأسلحة إلى منطقة الشرق الأوسط، حيث أزاحت عن طريقها صناع السلاح في أوربا وأمريكا الذين يتحكمون في صادرات السلاح.

وبالنسبة للاتحاد الأوربي، فإن تلك التوجهات تعني شيئًا واحدًا الا وهو ان النفوذ الأوربي في الشرق الأوسط بدأ في الانحسار، وقد حذّر تقرير صادر عن أعضاء في البرلمان الأوربي من أن النفوذ الاقتصادي الصيني “من المحتمل أن ينجح في تعديل توجهات التجارة والاستثمار على مستوى المنطقة بشكل نهائي، وأن يقوم بتصعيد المنافسة مع الاتحاد الأوربي فيما يخص الصناعات الكبرى التي يسيطر عليها الاتحاد الأوربي حتى اليوم”، ولو أن الصين ومجلس التعاون الخليجي قاما بالتوقيع على اتفاقية نهائية للتجارة الحرة؛ كما يتوقع بعض الخبراء، فإن التقرير خلص إلى أن “الآمال الأوربية في تعزيز الديمقراطية وحكم القانون وحقوق الإنسان في المنطقة” ستصبح على المحك.

وكي نكون منصفين، فإن أوربا لم تتخلّى عن العلاقات مع مجلس التعاون الخليجي، كما أن المجلس لم يفعل ذلك، وفي ديسمبر الماضي كشف الاتحاد الأوربي عن خطط لافتتاح بعثة له في الكويت، وفي وقت مبكر من العام الحالي؛ قامت مفوضة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني بالضغط على الدول الأعضاء من أجل دفعهم إلى لعب دور أكبر في الشرق الأوسط، وخلال اجتماع جرى في بروكسل جمع بين وزراء من الاتحاد الأوربي والجامعة العربية في فبراير الماضي دعت موغيريني إلى تطوير العلاقات بين الاتحاد الأوربي والعالم العربي لأنه وحسبما قالت: “أوربا تحتاج إلى التعاون مع العالم العربي، كما يحتاج العالم العربي للتعاون مع أوربا”.

والآن، فإن الغزو الصيني للمنطقة أدّى إلى زعزعة هذا التوازن أكثر من أي وقت مضى، وعلى المستوى السياسي والتاريخي أو حتى الثقافي، فإن هناك الكثير من الأشياء المشتركة بين مجلس التعاون الخليجي والصين، أكثر من الغرب، وبناءً عليه؛ ووفقًا لآراء بعض الخبراء؛ فإن عودة العلاقات الاقتصادية بين الطرفين ستتم بصورة طبيعية.

لكن التقارب مع الصين بشكل كبير سيكون بمثابة خطأ، وهذا يعود إلى سبب واحد، وهو أن الاقتصاد الصيني في حالة تباطؤ كما أن هناك احتمال حدوث كساد اقتصادي، وعلى الأقل هناك محلل واحد يتوقع أن يكون هناك انخفاضًا في الناتج المحلي الإجمالي من 7% الآن إلى 2% خلال السنوات العشر القادمة، وإذا ما حدث هذا الانهيار سيكون بمثابة ضربة مدمرة للشركاء الاقتصاديين للصين، وانطلاقًا من تلك الرؤية، فإن الانطلاق نحو الصين على وجه الخصوص يعد قرار غير حكيم، وهناك الصمت الجماعي من قبل منظمة التعاون الإسلامي على إساءة السلطات الصينية لمعاملة أقلية الإيغور المسلمة في إقليم شينجيانغ، مما يعني أن هناك قصر نظر فضلًا عن تفضيل المصالح الشخصية.

لذا فإن الأسلوب الأمثل ربما يتمثّل في نموذج التعاون الذي دعت إليه الإمارات على لسان وزير الذكاء الاصطناعي “العلماء”، وهو العثور على طرق للتعامل مع الجميع، وعلى الرغم من أن البقاء على الحياد والتعامل مع جميع الأقطاب لن يكون بالأمر السهل في عالم يتجه إلى الانعزالية، فإن تكلفة الطريق البديل ستكون مرتفعة.

جريج سي برونو هو مؤلف كتاب “البركات من الصين”: الذي يتناول استخدام القوة الناعمة الصينية في الصراع داخل التبت، وكصحفي فقد ظهرت أعماله في نيويورك تايمز وفورين آفيرز وجارديان والعديد من وسائل الإعلام العالمية، وهو عضو سابق في مجلس العلاقات الخارجية، ومحرر للرأي في صحيفة ذا ناشيونال ومقرها أبوظبي، ومجلة بروجكت سيندكيت ومقرها براغ.

 

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: