سيلتقي الأسبوع المقبل في القمة الإسلامية المقرر انعقادها في كوالالمبور قادة دول ماليزيا وإندونيسيا وباكستان وتركيا وإيران وقطر، و”450″ مفكر إسلامي من جميع أنحاء العالم. ويثير انعقاد تلك القمة الدهشة أيضًا. وفي مبادرة من رئيس الوزراء الماليزي الصريح “مهاتير محمد”، تشير قائمة ضيوف القمة إلى أن القمة مخصصة للدول الإسلامية المؤيدة للإسلامي السياسي، والتي تصور نفسها كمناصر للقضايا الإسلامية العالمية.
ومع ذلك، فإن محاولة توحيد تلك المجموعة ستجد مقاومة شديدة من عالم إسلامي شديد الانقسام. كما أن مصداقية تلك الدول بصفتها مناصرة للقضايا الإسلامية العالمية، بدءًا من كشمير في الهند وصولاً إلى “شينجيانغ في الصين”، ولاسيما تلك القضايا المتعارضة مع المصالح الوطنية للمشاركين في القمة، ستكون موضع اختبار.
وبعد التخطيط لها على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك هذا العام، انبثقت تلك القمة عن حالة الإحباط الناتجة عن الرد المخيب للآمال على حملة القمع التي تمارسها الهند على شعب كشمير. حيث أعلنت الهند إلغاء الوضع الخاص بكلٍ من “جامو وكشمير”، وفرض الإجراءات الأمنية عليها، وهي الخطوة التي شجبتها منظمة التعاون الإسلامي، وبسببها دعت باكستان إلى إجراء استفتاء عام تحت إشراف الأمم المتحدة.
ومع ذلك، كان الانتقاد الصادر عن منظمة التعاون الإسلامي انتقادًا لا طائل منه بسبب عدم توافق أعضائها حول أفضل السبل للتعامل مع هذه القضية. وفي حين أن ثمة صدام وقع بين باكستان وتركيا وماليزيا من ناحية والهند من ناحية أخرى في الأمم المتحدة بسبب كشمير، زار رئيس الوزراء الهندي “ناريندرا مودي” كلاً من البحرين ودولة الإمارات العربية المتحدة، وهناك تم تكريمه. وعلى الرغم من كون المملكة العربية السعودية عضوًا أساسيًا في مجموعة الاتصال التابعة لمنظمة التعاون الإسلامي والمعنية بكشمير، إلا أن المملكة العربية السعودية تبنت نهجا ضعيفا تجاه القضية خارج المنظمة، داعية الهند وباكستان إلى حل نزاعاتهما سلميا. وما أثار استياء باكستان، هو أن أغلبية الدولة الإسلامية فعلت ما فعلته المملكة العربية السعودية.
وبعيدًا عن قضية كشمير، تعكس القمة الإسلامية أيضًا الانقسام العنيف بين مؤيدي الإسلام السياسي ومعارضيه في جميع أنحاء العالم الإسلامي. ودعمت الدول ذات الغالبية المسلمة أطرافًا متنافسة في النزاعات الأهلية والتي تشهد غالبًا صراعًا بين الإسلاميين وقوى القومية العلمانية في الشرق الأوسط.
ففي مصر، دعمت الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية تحرك الجيش في عام 2013 للإطاحة بالرئيس محمد مرسي، وهو أحد قيادات جماعة الإخوان المسلمين، وحظت حكومته برعاية قطرية وتركية. وفي ليبيا، قدمت كلٌ من مصر والإمارات العربية المتحدة الدعم “لخليفة حفتر” وجيشه الوطني الليبي في الهجوم على الجماعات الإسلامية المدعومة من قطر وتركيا. ولطالما دعمت إيران حزب الله في لبنان، وحماس في غزة، ومؤخراً الحوثيين في اليمن، وتضم الآلاف من الشباب إلى الميليشيات الدينية الشيعية لشن حرب نيابة عنها في سوريا والعراق.
وفي وسط تلك الاختلافات، تواجه ماليزيا مجموعة من التحديات في محاولتها لحشد المناصرين العالميين للإسلام السياسي.
وفي البداية، لا يمكن لهذه القمة الادعاء بأنها تمثل هذا العالم الإسلامي الكبير. وتشكل الدول الست المدعوة لحضور القمة نسبة ضئيلة من دول منظمة التعاون الإسلامي الـ”49″. كما أن القمة لا تشتمل على أي دولة إفريقية أو عربية واحدة باستثناء قطر. وفي البداية جاء ذكر دولة إندونيسيا، كبرى الدول الإسلامية، كواحدة من أبرز رعاة القمة. ورغم ذلك، اختفى اسمها من البيانات الصحفية الأخيرة، مما يلقي ظلالا من الشك على مشاركتها في القمة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الدول الإسلامية البارزة، ومنها المملكة العربية السعودية، والتي ترى نفسها بطبيعة الحال قائدة العالم الإسلامي، ومصر، ودول أخرى، ستنظر إلى القمة بعين الشك. كما أن القمة المثيرة للانقسام بطبيعتها قد تخفف في النهاية من حماس باكستان وإندونيسيا ودولة قطر. ومن المرجح أن الدول الثلاث لا ترغب في استعداء المملكة العربية السعودية.
وفي حديثي مع أحد المسؤولين الباكستانيين السابقين البارزين، قال، إن باكستان ملتزمة باحترام دعوة ماليزيا في أعقاب الموقف الواضح الذي اتخذته “ماليزيا” بخصوص كشمير. وأكد هذا المسؤول على أن الهدف من مشاركة باكستان في القمة ليس تحدي الرياض، والتي تعتبرها إسلام أباد شريكا استراتيجيا. وفي فبراير، زار ولي العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان” إسلام أباد، وهناك تعهد بضخ استثمارات قيمتها “20” مليار دولار أمريكي.
وتحرص إندونيسيا أيضًا على جذب الاستثمارات من المملكة العربية السعودية. وأعلنت الرياض عن خطط لاستثمار 6.7 مليار دولار أمريكي، وهو رقم ترغب “جاكرتا” في زيادته. وفي إشارة إلى الروابط الوثيقة بين البلدين، وقع الجانب السعودي والإندونيسي في عام 2014 أول اتفاق للتعاون الدفاعي. وترأس العاهل السعودي الملك “سلمان بن عبد العزيز” وفدًا يتألف من “800” شخص خلال زيارته إلى إندونيسيا في عام 2017، مما أضاف مزيدًا من الزخم في العلاقة بين البلدين.
وفي الأسابيع الأخيرة، حققت المملكة العربية السعودية وقطر تقدماً في سبيل إصلاح العلاقات بينهما. وعلى الرغم من أن العلاقات الدبلوماسية ما زالت مقطوعة، إلا أن وزير خارجية قطر قام بزيارة غير معلنة إلى الرياض في نوفمبر. كما أرسلت كلٌ من المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين منتخباتها الكروية إلى بطولة كأس الخليج العربي لكرة القدم في الدوحة، على الرغم من أن التوصل إلى تسوية كاملة لجميع الخلافات مازال أمرًا بعيد المنال.
وأخيراً، يواجه رعاة القمة اختبارًا مهمًا لمصداقيتهم. وعلى عكس موقفها من كشمير، تجنبت ماليزيا الحديث عن معاملة الصين لمسلمي الأويغور خوفًا من إثارة غضب بكين. وخلال رحلته إلى شينجيانغ في يوليو، وجه وزير الشؤون الإسلامية في ماليزيا، مجاهد يوسف راوة، انتقادات لوصف منشآت إعادة التعليم المثيرة للجدل في الصين بأنها “مراكز تدريب”. وفي سبتمبر، اعترف مهاتير بأن ماليزيا لا يمكنها استعداء الصين بسبب الأويغور.
وبالمثل، حففت تركيا من حدة انتقاداتها للصين بعد زيارة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان إلى بكين هذا العام. وفي هذه الأثناء، وفي مقابلة له مع صحيفة “فاينانشال تايمز” في شهر مارس، ذهب رئيس وزراء باكستان عمران خان إلى أبعد من ذلك بعدما أنكر معرفته بقضية شينجيانغ. كما تبنت إيران نهجًا هادئًا تجاه كل من الهند والصين، والتي تعتمد إيران عليها للتغلب على العقوبات الأمريكية.
وتفرض الحقائق الجيوسياسية تكاليف باهظة على المناصرين المحتملين للقضايا الإسلامية العالمية. ويشهد العالم الإسلامي انقسامًا، مصحوبًا بالعنف في كثير من الأحيان، حول مسألة الإسلام السياسي. إن استبعاد الدول المسلمة ذات النفوذ مثل المملكة العربية السعودية سيؤدي حتماً إلى كبح مطالب زعماء الدول المشاركة في القمة، في حين أن الدول ذات الأغلبية المسلمة الحريصة على الوقوف إلى جانب الهند بشأن كشمير، أو الصين على حساب مسلمي الأويغور، ستواجه تداعيات خطيرة.
حسن الحسن، باحث في معهد الهند في كلية “كجنز” في لندن، وزميل مشارك لدى المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية. وعمل “حسن” في وقت سابق كبيرًا المحللين لدى مكتب النائب الأول لرئيس الوزراء البحريني.