جعلت حركة طالبان من اضطهاد المرأة محوراً أساسياً لحكومتها المتخبطة في أفغانستان، إلا إنه من الضروري أيضًا الإقرار بأن قمع المرأة هو أمر جوهري للقوميات في العديد من البلدان الغنية، ولا نسعى هنا إلى إجراء أي مقارنة بين الدول الغنية وهمجية طالبان القادمة من العصور الوسطى.

وليس هناك من شك في أن حركة طالبان هي مجموعة من السفاحين الكارهين للنساء، وليس لديهم خطة لحكم بلد على شفا كارثة إنسانية. وقد حجبت الدول الغربية الأموال عن الحكومة الجديدة إلى أن تضمن حقوق المرأة والأقليات وتخلق إدارة تشمل الجميع، ولكن ذلك المسعى لا يصيب كبد الحقيقة، فقهر المرأة واضطهادها هو في صميم المشروع السياسي الطالباني، وهو الطريقة التي يمكنهم من خلالها القول لاتباعهم إنهم جادون وعازمون على الوفاء بوعدهم الإيديولوجي.

ومن خلال إرغام النساء على البقاء في المنزل وحرمانهن من الرعاية الصحية والتعليم والعمل، تُحول حركة طالبان نصف السكان الأفغان إلى بشر مخفيين، وليست تلك نتيجة ثانوية عشوائية لإيديولوجية طالبان، بل هي الهدف الذي تسعى له، فمن خلال إعادة تهيئة الأماكن العامة في البلاد بهذه الطريقة، تهدف طالبان إلى إظهار مدى قوة الحركة لمؤيديها.

وبينما فرحت جماعة طالبان بالسيطرة على جميع الوزارات من الحكومة السابقة، كانت الوزارة الوحيدة التي أنشأتها من الصفر هي وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المعادية للمرأة. وبدلاً من التركيز على كيفية إخراج البلاد من الفوضى الاقتصادية الحالية، انشغلت الحكومة الجديدة بوضع قواعد سخيفة تستهدف النساء، وتشمل تلك القواعد تجهيز غرف انتظار في الجامعات حيث يجب أن تتجمع الطالبات أثناء مغادرة الرجال، لتجنب خطر التواصل البصري غير المقصود.

وأجرت حركة طالبان زيجات قسرية بين نساء وجنود لها في بعض المدن، كما أشارت بعض التقارير عن قيام جنود طالبان بجلد نساء في بعض الأماكن العامة، ويبدو أن اضطهاد النساء هو جوهر المشروع السياسي لحركة طالبان وتقوم شرعية الجماعة على استمرارية ذلك المشروع.

ومع ذلك، فإن معاناة المرأة الأفغانية يجب أن تكون دعوة تأمل للدول التي تعتبر أكثر تقدمًا لإجراء تقييم ذاتي حول طريقة تعاملها مع المرأة، وفي الدول ذات الأنظمة السياسية المختلفة إلى حد كبير عن نظام حركة طالبان، لا تزال المرأة في قلب تطور الهوية والشرعية للدولة.

وفي الولايات المتحدة، تستعد المحكمة العليا التي يهيمن عليها المحافظون لإلغاء، أو تخفيف حكمها التاريخي الصادر في عام 1973 والذي حمى حق المرأة في حرية اختيار الإجهاض، واستند حكم عام 1973 على التعديل الرابع عشر لدستور الولايات المتحدة، وهو أحد أهم التعديلات التي تضمن حقوقًا متساوية لجميع المواطنين الأمريكيين ومهد الطريق، لحق التصويت للمرأة، والمساواة مع الأمريكيين من أصل أفريقي، والزواج بين المثليين، والهجرة من الدول غير الأوروبية، فضلاً عن قضايا أخرى.

وينتمي المدافعون ضد الإجهاض بشكل أساسي إلى أتباع اليمين السياسي المحافظ والمسيحي، وهم يستخدمون القضية للتمسك بفكرتهم القائلة بأن أمريكا تأسست كأمة مسيحية ولا تزال كذلك، ومع ذلك، فقد استخدموا أيضًا بعض الدعم التكتيكي من العنصريين البيض الذكور. وإذا ألغت المحكمة العليا في الولايات المتحدة حكم عام 1973، فسيؤدي ذلك إلى إحداث فجوة في التعديل الرابع عشر وربما تجعل النساء كفئة أقل منزلة من باقي المواطنين.

كما يمكن لذلك فتح الباب على مصراعيه لأشكال أخرى من التحديات الموجهة ضد الأقليات العرقية والأقليات ذات الميول الجنسية المختلفة، وقد سنت ولايات مثل تكساس مؤخرًا قانونًا غريبًا يحفز المواطنين على أن يصبحوا مخبرين ويبلغون عن أي شخص (مثل سائقي أوبر وموظفي الاستقبال) والذي يمكن أن يحرضوا النساء على الإجهاض. وعليه فإن مستقبل أمريكا يعتمد على مصير نسائها.

وفي الصين، صدمت مزاعم نجمة التنس بينغ شواي بشأن الاعتداء الجنسي من نائب رئيس الوزراء السابق تشانغ قاولي صميم شرعية الحزب الشيوعي الصيني، حيث ترتكز تلك الشرعية على حقيقة أن الثورة الشيوعية كانت تهدف إلى البدء في فترة من المساواة بين الرجل والمرأة وأن المجموعة الحالية من القادة داخل الحزب هم رجال أسرة صارمون ومنضبطون وأخلاقيون.

وفي حين أن “ماو تسي تونغ” ربما قال إن “النساء دعائم نصف السماء” ، فإن الحقائق على الأرض مختلفة تمامًا، حيث تراجعت مشاركة المرأة في القوى العاملة في الصين على مدار العشرين عامًا الماضية، وتشكل النساء اليوم نسبة ضئيلة من قيادة البلاد، كما توجد امرأة واحدة فقط في المكتب السياسي المؤلف من 25 عضوًا و 10 نساء في اللجنة المركزية المكونة من 204 عضوًا.

وفي عهد الرئيس شي جين بينغ، أطلقت الدولة حملة ضد كل ما هو نسائي، معربة عن أسفها لارتفاع مستوى “الأنوثة” بين الأولاد بسبب معلمات رياض الأطفال، كما أن دعاية الدولة مهووسة باستعادة الذكورة لرجال الأمة مع إقصاء النساء ليصبحن ربات بيوت مثاليات.

وعلى عكس أمريكا، تم إجهاض النساء في الصين عندما اعتمدت الأسر الصينية على الإجهاض الانتقائي بسبب تفضيل جنس الجنين لضمان وجود طفل ذكر واحد، بموجب سياسة الطفل الواحد السابقة للبلاد، وكانت النتيجة هي أن نسبة الجنس (النوع) في الصين تميل بشدة وغير طبيعية تجاه الذكور، واختفت النساء الصينيات حرفيًا من أجل “تقدم” البلاد.

ولدى أفغانستان والصين والولايات المتحدة والعديد من البلدان الأخرى كراهية ضد النساء، وهي في صميم هويتهم القومية. إن التركيز على دولة، وإهمال دول أخرى، سيضمن أن تحرير المرأة، وهو مشروع عالمي، سيبقى غير مكتمل إلى الأبد.

 

 دانيش كامات هو محلل سياسي يركز على الشرق الأوسط وجنوب آسيا، كما أنه مستشار في التنمية الاجتماعية والاقتصادية للهيئات الحكومية والقطاع الخاص.

 

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: