تُعتبر الهند أكثر الدول اكتظاظا بالسكان في العالم وواحدة من أكثر الدول التي تملك شريحة كبيرة من الشباب، وذلك وفقا لبعض التقديرات، ولكن مع نمو عدد سكانها وتوسع اقتصادها، يتوقع صندوق النقد الدولي أن ينمو الاقتصاد بنسبة 6.1 في المائة هذا العام، وهو من بين أسرع المعدلات في العالم، ولكن معدل البطالة ينمو بنفس الوتيرة أيضا.

 

وبلغ معدل البطالة 7.45 في المئة في شهر فبراير، بعد ارتفاعه من 7.14 في المئة في شهر يناير، وتشير التقديرات إلى أن المعدل يرتفع إلى 7.80 في المئة في شهر مارس، بما في ذلك 8.51 في المائة في المناطق الحضرية.

 

ويعد خلق وظائف مستقرة للشباب في الهند تحديا كبيرا لحكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي، ويعمل تسعة من كل 10 عمال في الاقتصاد غير الرسمي. ووفقا للبنك الدولي، بلغ معدل مشاركة المرأة في القوى العاملة في عام 2021 – 23 في المئة، ولا يعد ذلك منخفضا مقارنة بالمعايير العالمية فحسب، بل أنه انخفض بالتزامن مع تحول الهند إلى دولة أكثر ثراء. ومن المؤكد أن الحكومة حاولت إضفاء الطابع الرسمي على الاقتصاد وزيادة مشاركة المرأة.

 

وتجد نيودلهي نفسها الآن في موقف محفوف بالمخاطر، حيث يهدد ارتفاع معدل البطالة بقلب الاقتصاد المتصاعد رأسا على عقب، وللاستفادة من إمكانات الهند الاقتصادية، هناك العديد من التحديات الجيوسياسية والمحلية الواجب تجاوزها.

 

وأولى تلك التحديات هي تحديات هيكلية، فعلى عكس اقتصادات النمور الآسيوية التي كانت تعتمد إلى حد كبير على التصنيع الموجه للتصدير، يهيمن قطاع الخدمات على الهند على الانتاج الاقتصادي، كما تشكل صادرات ذلك القطاع، والتي تمثل خدمات تكنولوجيا المعلومات المكون الأكبر فيها، على توليد فائض في الصادرات، وهو ما يساعد في تخفيف عجز الحساب الحالي في الهند. وتخلق هذه القطاعات في الأغلب وظائف رسمية مكتبية، وعليه، فهي غير القادرة على استيعاب أغلب شباب الهند. وبلغت الصناعات التحويلية، التي تهدف إلى خلق المزيد من فرص العمل 14٪ من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2021، بعد الخدمات التي مثلت (47.5٪) وقطاع الزراعة الذي شكل (16.8٪).

 

وقدمت حكومة مودي “حوافز لقطاع الإنتاج” والتي هدفت إلى تقديم ما يقرب من 25 مليار دولار من الإعانات لتحفيز التصنيع في 14 قطاعا، مثل أشباه الموصلات. ولا شك أن الدافع وراء ذلك هو الجغرافيا السياسية، حيث تحاول الهند الحصول على بعض المكاسب التي حققتها الديمقراطيات الغربية بسبب الانفصال عن سلاسل التوريد في الصين.

 

وخلق ذلك التحدي الثاني للحكومة، فخلافا لنمور آسيا، التي كانت أنظمة استبدادية، فإن الهند لا تزال ديمقراطية، وإن كانت ديموقراطية بعيدة كل البعد عن الكمال. وكما أظهرت جهود الحكومة الفاشلة في تحرير الأسواق الزراعية في عام 2021، سيكون من الصعب متابعة الإصلاحات الاقتصادية دون تحقيق توافق سياسي واسع النطاق أولا.

 

ولسوء الحظ، فإن المؤسسات التي تهدف إلى خلق مثل ذلك الإجماع في الهند، على سبيل المثال، الهيئات التنظيمية والإشرافية، ومجلس النواب، ووسائل الإعلام، تتبع الآن خطوات الحكومة.

 

وعلى الرغم من اعتراض الحكومة الشديد، فقد خفضت هيئات مراقبة الديمقراطية العالمية مؤخرا تصنيف الهند في مؤشراتها.

 

ويرتبط بذلك التحدي الثالث، وهو كيف تدعو الهند باستمرار إلى مستويات عالية من الاستثمار الأجنبي، حيث ألقت الادعاءات الأخيرة بالاحتيال المالي ضد مجموعة (اداني) بظلال من الشك على النظام التنظيمي. وتلك الادعاءات، التي تخضع حاليا للتحقيق من قبل لجنة مستقلة في الهند، لا تعزز ثقة المستثمرين، فكيف قد تجتذب الهند بعد ذلك رأس المال الأجنبي الذي تحتاج إليه بشدة لتمويل ازدهارها في قطاع الصناعة؟

 

ويتمثل التحدي الرابع في طبيعة العلاقات بين الحكومة وقطاع الأعمال، حيث مهدت تلك العلاقة الطريق لتركيز القوة الاقتصادية في عدد قليل من التكتلات. وعلى عكس النمور الآسيوية، يركز الأبطال المحليون المفضلون لدى الحكومة على السوق المحلية بدلا من الصادرات،  ولن يؤدي ذلك إلى خلق الكثير من الوظائف في قطاع التصنيع. وأرسلت ميزانية عام 2023 إشارات متناقضة إلى الشركات الناشئة الهندية: حيث مددت الميزانية فترة الإعفاء الضريبي للشركات الناشئة، لكنها وضعت رأس المال الأجنبي تحت نطاق ضريبة على رأس المال الذي جمعته الشركات الناشئة، والتي يشار إليها بسخرية في وسائل الإعلام باسم “ضريبة الملاك“، مما زاد من تقييد الوصول إلى رأس المال الأجنبي.

 

خامسا، يحتاج نمو الوظائف إلى نسيج اجتماعي مستقر، وفي ظل الحكومة القومية الهندوسية، التي تتولى السلطة منذ عام 2014، كانت هناك حوادث متزايدة من العنف وخطاب الكراهية، والذي كان معظمه موجه ضد الأقليات الدينية.

 

واضطرت المحكمة العليا الهندية في العام الماضي إلى توجيه ثلاث حكومات ولايات لإصدار أوامر للشرطة باتخاذ إجراءات ضد خطاب الكراهية. وحذر محافظ سابق للبنك المركزي الهندي في عام 2017 من أن السعي وراء القومية الشعبوية سيضر بالنمو الاقتصادي. وربما استشعر مودي ذلك مع استضافة الهند لمجموعة العشرين هذا العام، وأمر أعضاء حزبه في شهر يناير بالتواصل مع الأقليات الدينية.

 

وربما يكون معدل مشاركة الإناث المنخفض والمتراجع في القوى العاملة قد أربك الاقتصاديين، لكن علماء الاجتماع أشاروا منذ فترة طويلة إلى المواقف الرجولية المحافظة كعامل مساهم. وتذعن الحكومة لقاعدتها المحافظة في المسائل الاجتماعية المهمة، كما أظهر موقفها من زواج المثليين في قضية جارية أمام المحكمة العليا.

 

وأخيرا، تعد الهند قوة كبيرة في المنافسة الجيوسياسية الحالية بين الولايات المتحدة وحلفائها من جانب، والصين وروسيا من جانب أخر. وقيدت الهند الاستثمارات الصينية منذ عام 2020، بعد اشتباكات عسكرية مميتة على حدودهما المتنازع عليها. ويبقى أن نرى إلى أي مدى تستطيع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان حشد قطاعاتها الخاصة للاستثمار في الهند، وهذا يفسر لماذا اختارت الهند متابعة علاقات استراتيجية مع العديد من دول الخليج، بالإضافة إلى النفط الخام والعمالة.

 

ومع ذلك، واجهت خطط الاستثمار هذه في بعض الأحيان الكثير من الصعوبات بسبب السياسة الداخلية في الهند، إن حل تلك التحديات مع الحفاظ على شعبية الحزب الحاكم بين الناخبين سيكون عقدة معقدة يتعين على الحكومة حلها.

 

وطرحت الحكومة نظاما كبيرا لتقديم الرعاية الاجتماعية مرتبطا بالمنصات الرقمية وبرنامج الهوية الحيوية على مستوى البلاد، ومع ذلك، فإن إعادة توزيع الدخل على المدى الطويل لن تؤدي إلا إلى توفير الأساسيات للناس فقط.  والوظائف المستقرة ذات الأجور الجيدة هي الخيار الوحيد الذي يمكن أن تؤدي إلى تعزيز الاستقرار الاجتماعي وريادة الأعمال والابتكار.

 

ستحتاج الهند إلى إطلاق العنان لإمكاناتها الاقتصادية إذا كانت تريد الحفاظ على استقلالها الاستراتيجي كقوة كبيرة وسط الاضطرابات الجيوسياسية المستمرة.

 

وخلق فرص عمل لشعبها هو جزء أساسي من هذا اللغز.

 

دنيانيش كامات: محلل سياسي يركز على الشرق الأوسط وجنوب آسيا، كما يقدم استشارات بشأن التنمية الاجتماعية والاقتصادية للكيانات الحكومية والقطاع الخاص.

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: