ربما يكون رئيس الوزراء الأثيوبي “آبي أحمد” قد فاز بجائزة نوبل للسلام، لكنه لم يتمكن من تنفيذ اتفاق السلام مع إريتريا المجاورة، أو ضمان السلام داخل موطنه.
ومنذ اعتلاء منصبه في العام الماضي، أطلق “آبي” سراح سجناء سياسيين، ورفع الرقابة عن الصحافة، ودعا المنفيين لأسباب سياسية للعودة إلى إثيوبيا – وهي التدابير التي منحته شعبية هائلة، وخلق حالة من الهوس “بآبي أحمد“. ورغم ذلك، فقد أطلق “آبي” العنان للنعرة العرقية المقيتة، والتي قد تؤدي إلى بلقنة إثيوبيا، وتجزئة البلد إلى دويلات أصغر يتبادلون العداء فيما بينهم.
وبدلاً من السعي لتجتمع النخب السياسية على قلب رجل واحد فيما يتعلق بالقضايا المهمة مثل الفيدرالية، وتقرير المصير، والنظام الانتخابي، أفرزت الإصلاحات التي أطلقها “آبي” قوى سياسية جديدة في دولة مازالت، بعد عقود من الديكتاتورية وضعف الحكم والصراع العرقي، شديدة الضعف بحيث لا يمكنها التعامل مع تلك القضايا.
واليوم، يواجه “آبي” عداوة داخل جميع الجماعات العرقية في البلاد، بما في ذلك عرق الأورومو. ظهر جوار محمد ، الناشط السياسي من عرق “الأورومو“، البالغ من العمر 31 عامًا، والرائد في صناعة الإعلام، كمنافس قوي “لآبي” في الفترة التي تسبق الانتخابات المقرر لها العام المقبل. وعندما اتهم “جوار محمد” قوات الأمن الحكومية بمحاولة مهاجمته الشهر الماضي، أدى ذلك إلى اندلاع أعمال شغب لعدة أيام من جانب أنصار “جوار“، مما أدى إلى اشتباكات عرقية، ومقتل 78 شخصًا.
وكان “آبي” و“جوار” حلفاء في وقت ما. وفي الواقع، كان المتظاهرون من عرق “الأورومو“، وبتحفيز من الشبكة الإعلامية التابعة لـ“جوار محمد“، هم من أوصلوا “آبي” إلى منصبه كرئيسٍ للوزراء، وكانت الإصلاحات التي أقرها “آبي” هي من مكنت “جوار محمد” من العودة إلى إثيوبيا من منفاه في الولايات المتحدة الأمريكية.
ومنذ ذلك الحين، يكسب “جوار” أتباعًا بين عرق “الأورومو“، من خلال مجموعة شبابية تطلق على نفسها اسم “القيرو” [الحركة الوطنية للشباب من أجل الحرية والديمقراطية]، والتي كانت في طليعة الاحتجاجات الأخيرة. ومن المفارقات أن ظهور “جوار محمد” كزعيم لعرق الأرومو، وله القدرة على التحدث عن جماعته العرقية، يدل على نجاح الإصلاحات التي أقرها “آبي“، والتداعيات الخطيرة لتلك الإصلاحات. لقد جعل “جوار محمد” من نفسه شخصية وطنية من عرق الأرومو، وحاول باستمرار توسيع الحكم الذاتي، وتمكين زملائه من عرق الأرورو، مع مخاطر احتمال تأجج التوتر مع الجماعات العرقية الأخرى. ومع ذلك، لم يكن “محمد” سوى حالة عارضة، وليس سببًا في المشاكل التي تواجهها إثيوبيا. وفي النهاية، أصبحت المسؤولية ملقاة على عاتق “آبي“.
وكان أكبر خطأ ارتكبه رئيس الوزراء هو إخفاقه في تغيير النظام الفيدرالي العرقي في إثيوبيا. ويقسم هذا النظام الفيدرالي إثيوبيا على أساس العرق إلى تسعة أقاليم تتمتع بحكم ذاتي ظاهريً، ويمنح الجماعات العرقية الحق في تكوين إقليم جديد، بل حتى الانفصال عن إثيوبيا. وربما تكون إصلاحات “آبي” قد نجحت في تخفيف قبضة “الجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية الإثيوبية” الحاكمة على السلطة، وتوفير أرضية خصبة لظهور قوى سياسية جديدة لكنها لم تتعامل مع قضية المحسوبية العرقية داخل حكومات الأقاليم والحكومة الفيدرالية.
ونتيجة لذلك، عانت “إثيوبيا” العام الماضي من العنف العرقي، لدرجة أن البلاد شهدت أكثر من نزوح مليون شخص داخلياً – وهو واحد من أعلى الأرقام في العالم.
وفي الآونة الأخيرة، من المفترض أن “آبي” حاول إخراج إثيوبيا من سياسة العرق إلى سياسة الأفكار، وذلك من خلال الإعلان عن تحويل “الجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية الإثيوبية” الحاكمة من ائتلاف للأحزاب العرقية إلى حزب واحد كبير متعدد الأعراق والآراء، ويقوم على مبدأ “التآزر” (وهي دعوة لاتحاد اللغة الأمهرية“)، وهو مصطلح يستخدمه “آبي” لتعزيز ثقافة التعددية السياسية. ومع ذلك، رفضت جبهة تحرير شعب تيجراي – أحد الأحزاب المكونة “للجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية الإثيوبية“- هذه الخطوة جملة وتفصيلاً. واتهم نقاد آخرون “آبي” باستخدام الحزب الجديد لتركيز السلطة في يديه. وحقيقة أن أبي قد تحدث من قبل عن تفضيله للنظام الرئاسي لم تؤدي إلا إلى إثارة الشكوك حول نواياه الحقيقية.
ومن غير المرجح أن يتم حل التهديدات التي تهدد سلامة الدولة الإثيوبية حتى ولو تمكن “آبي” من استبدال “الجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية الإثيوبية” بحزبٍ آخر متعدد الأعراق. ولا يمكن “لآبي” إغفال القضايا الأساسية التي تثير التوترات العرقية، وتعرض استقرار البلاد للخطر، ويجب عليه أن يستخدم رأس المال السياسي الجديد الذي اكتسبه بحصوله على جائزة نوبل للسلام. ويجب على آبي” تأجيل الانتخابات المقرر إجراؤها العام المقبل، والبدء بدلاً من ذلك في الإصلاح الدستوري الذي سيؤدي إلى إعادة تأسيس الدولة الإثيوبية.
وهناك العديد من القضايا يقتضي الأمر التعامل معها بشكل عاجل. وينبغي استبدال النظام الانتخابي القائم على الفوز بأكبر عدد من الأصوات بنظام التمثيل النسبي الذي يمنح السياسيين الحافز لاسترضاء جميع الجماعات العرقية وليس جماعاتهم فقط.
ويجب أن تكون ثمة ضمانات دستورية لضمان حقوق الأقليات في المناطق العرقية في إثيوبيا، ويجب أيضًا تطبيق سياسات العمل الإيجابي على المجموعات العرقية ذات التمثيل البسيط على مستوى الحكومة الفيدرالية. ومن الواجب بمكان تحديد مدى الصلاحيات الممنوحة لكل إقليم على حدة، وحقوق تقرير المصير، والموازنة بينهما، في ظل الحاجة إلى الحفاظ على وحدة إثيوبيا ونزاهتها. ويجب أن تتساوى اللغات الإقليمية مع اللغة الأمهرية – وهي اللغة الرسمية الوحيدة حالياً في إثيوبيا – على المستوى الفيدرالي.
إن حصول “آبي” على جائزة نوبل هو سلاح ذو حدين للإثيوبيين. فإذا استخدمه “آبي” لإحداث إصلاحات جريئة، فيمكنه تغيير دولته لتكون نموذجًا ساطعًا على صعيد الديمقراطية والتعددية داخل المنطقة وخارجها. ولكن إذا استغل “آبي” جائزة نوبل لتعزيز هوس الإثيوبيين به، وإنجاز مشروعات لتضخيم صورته السياسية، فهو بذلك لا يقدم نفعًا لمواطني بلده البالغ عددهم “110” مليون نسمة – بل ضررًا أكبر.
دانيش كامات، محلل سياسي متخصص في شئون الشرق الأوسط وجنوب آسيا، ويقدم أيضًا استشارات حكومية حول المبادرات السياسية والإستراتيجية لدعم نمو الصناعات الإبداعية مثل الإعلام والترفيه والثقافة.