كان يوم 13 من تشرين الثاني /نوفمبر يومًا حافلاً بالدبلوماسية الدفاعية. وكتب وزير الخارجية الأمريكي “مايك بومبيو” إلى وزير الدفاع المصري، محذرا أقرب حليف عربي لأمريكا من العقوبات التي قد يواجهه هذا الحليف إذا استمرت في شراء الطائرات الحربية الروسية.
وفي اليوم ذاته، التقى “دونالد ترامب” بالرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في البيت الأبيض، وهناك حث الرئيس الأمريكي نظيره التركي مرة أخرى للتخلي عن نظام الدفاع الصاروخي الروسي “S-400” والذي تم شراؤه في مطلع هذا العام، وإلا سيواجه العقوبات.
واليوم، بات التهديد بالعقوبات الأمريكية معلقًا بين الحليفين – وكل ذلك بسبب الأسلحة روسية الصنع.
إن مثل تلك التهديدات العلنية هي دليل على مدى جدية الولايات المتحدة الأمريكية في حماية مصالحها في الخارج، وصناعة الأسلحة في الداخل. ورغم كل هذا، فتلك الدول ليسوا بأصدقاء. وعلى الرغم من الانهيار الأخير في العلاقات مع أوروبا، تبقى تركيا حليفًا للناتو، ومصر هي من يتلقى مبالغ طائلة كمساعدات عسكرية، وكلاهما يدور في فلك الأمن الأمريكي. ولكن الولايات المتحدة الأمريكية تواجه في تلك الأيام صعوبة في تحقيق التوازن، فهي تحاول منع المنافسين العالميين من الدخول في سوق الأسلحة في الشرق الأوسط الخاضع لسيطرة الشركات الأمريكية والأوروبية منذ فترة طويلة، مع الحفاظ أيضًا على أهدافها السياسية. وداخل المنطقة، هناك خلاف بين الولايات المتحدة وشركائها في الشرق الأوسط. وبالنظر إلى التوجه الحالي للسياسة الأمريكية، فإن تدفق الأسلحة غير المصنعة في الغرب لا يمكن وقفه.
وتأتي مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى المنطقة دائمًا بنكهة سياسية. ومن الثوابت لدى الأمريكيين دومًا هو ضمان كان أحد الأشياء الثابتة بالنسبة لأميركا دائمًا هو ضمان تفوق إسرائيل عسكريًا على جيرانها العرب. واليوم، باتت إسرائيل متفوق تقنيًا من خلال امتلاكها طائرات F-35 المقاتلة، وهي الطائرة الأكثر تقدمًا من صنع الولايات المتحدة الأمريكية. وعلى الرغم من أن أمريكا باعت الطائرة “F-35” إلى إسرائيل، إلا أنها رفضت بيعها إلى دول أخرى في الشرق الأوسط.
وفي هذا الأسبوع، قالت “إلين لورد”، مسؤولة لدى وزارة الدفاع الأمريكية، للصحفيين في معرض دبي للطيران، أن الولايات المتحدة لا تناقش حاليًا مسألة بيع الطائرة “F-35” إلى الإمارات العربية المتحدة. وعلى الرغم من ظهور الطائرة F-35 خلال أحد العروض في سماء الإمارات العربية المتحدة في معرض دبي للطيران، إلا أن الأمر سوف يستغرق بعض الوقت قبل أن تهبط على أراضي تلك الدولة.
في الواقع، كان رفض بيع طائرات F-35 هو الذي أدى إلى تهديد مصر بفرض عقوبات عليها. حيث تتطلع مصر إلى تنويع قدراتها الجوية، وترغب في شراء طائرات Su-35 روسية الصنع، وهي منافس مباشر لطائرة F-35.
واليوم، شكل التهديد الأمريكي بفرض عقوبات على مصر تعقيدًا للوضع المتأزم أصلا: فشراء طائرات Su-35 يمكن أن يعرض مصر لخطر الحرمان من المساعدات العسكرية الأمريكية، رغم حاجتها الشديدة إلى تلك المساعدات، غير أن عدم توسيع نطاق مورديها العسكريين يبقيها دائمًا في وضع غير موات، وتحت رحمة أهواء واشنطن وسياساتها.
ولم تقع مصر وحدها في هذه المعضلة. هذا الأسبوع، أخبر أردوغان البرلمانيين الأتراك أنه أخبر ترامب بأن مسألة نظام الدفاع الصاروخي S-400 غير قابلة للتفاوض، وحذره أيضًا من أنه إذا استمرت أمريكا في منع بيع طائرات F-35، فستبحث أنقرة عن الطائرات في مكان آخر. ومن المؤكد أن “أي مكان آخر” يعني روسيا وطائرات “Su-35”.
وبالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، فإن الحفاظ على التفوق العسكري لإسرائيل ليست المشكلة الوحيدة، فواشنطن عازمة على الحفاظ على تفوقها العسكري هي الأخرى. إن ما تخشاه أمريكيا هو أن نظام الدفاع الصاروخي S-400 لديه القدرة على التجسس على طائرات F-35 التي تملكها الولايات المتحدة في قاعدة “إنجرليك” الجوية في تركيا. وتستطيع لروسيا معرفة قدرات الطائرة الشبح.
دائمًا ما تكون مبيعات الأسلحة والسياسة أمران متلازمان في الشرق الأوسط. ومع انسحاب الولايات المتحدة إحداهما، فحتمًا سيختفي الأمر الآخر.
وتعلم الدول التي تشتري كميات كبيرة من الأسلحة من الولايات المتحدة الأمريكية أنه بشراء تلك الأسلحة تكون الولايات المتحدة الأمريكية ملتزمة من جانبها بالمحافظة على أمن الدولة التي تشتري منها.
ولكن بدءاً من إدارة أوباما، واليوم مع إدارة “دونالد الترامب” الحالية، بدأ حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية يشككون في رؤية أمريكا والتزامها.
إن الاتفاق النووي الإيراني مع إدارة أوباما كان بدون علم حلفاء أمريكا في الخليج. كما أن نهج عدم التدخل في الحرب الأهلية السورية، والفشل في فرض “الخطوط الحمراء” التي وضعها “باراك أوباما” بشأن استخدام الأسلحة الكيميائية السورية، قد أفضى إلى المزيد من الشكوك.
وما أدى إلى تنامي انعدام الثقة من واشنطن لدى عواصم الشرق الأوسط هو عدم تقديم الدعم الكامل للحكومة العراقية في معاناتها الحالية مع المتظاهرين، ناهيك عن التخلي الأمريكي المفاجئ عن القوات السورية الكردية وسحب قواتها من شمال سوريا.
واليوم، باتت روسيا البديل الواضح، رقم أنها أقل قدرة من أمريكا. غير أن موسكو أظهرت على الأقل اتساق في مواقفها. وعلى الرغم من أن الكثيرين في الشرق الأوسط عارضوا سياسة روسيا تجاه بشار الأسد ونظامه، فإنهم يقرون بأن روسيا أثبتت أنها حليفة يمكن الاعتماد عليها، وعلى استعداد لاستخدام الوسائل السياسية والمالية والعسكرية لدعم النظام.
ورغم ذلك، لا يمكن لروسيا أن تكون بديلاً، فالسياسية الأمريكية تفوق نظيرتها الروسية قوة، وهذا هو السبب وراء تحوط الدول الأخرى في رهاناتها بدلاً من الركون إلى موسكو، كما فعل البعض خلال الحرب الباردة. وبدلاً من ذلك، منح الانسحاب من المنطقة فرصًا للموردين الآخرين، بالأخص دولة الصين.
إن الافتقار إلى سياسة أمريكية واضحة على المدى الطويل تجاه الشرق الأوسط قد فتح بابًا مغلقًا منذ فترة طويلة أمام صناعات الأسلحة في الدول الأخرى. وبالنظر إلى المبالغ الضخمة، والالتزامات الفنية الطويلة الأجل المرتبطة بشراء أجهزة عسكرية متطورة، فإنه بابًا سيصعب الإدارات الأمريكية القادمة إغلاقه مرة أخرى.
يؤلف “فيصل اليافعي” حاليًا كاتبًا عن الشرق الأوسط، وهو معلق دائم لدى الشبكات الإخبارية التلفزيونية العالمية. عمل “فيصل” لدى وكالات أنباء مثل “الجارديان” و”بي بي سي”، وأعد تقارير عن الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية وآسيا وأفريقيا.
يمكن الحصول على صورة عالية الدقة للمؤلف عبر موقعنا

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: