لا يرتبط عادة مصطلح “مروجي الاخبار المثيرة” بمجلة “فورين آفيرز”، فهي المجلة الكبيرة التي تعلن عن نفسها، منذ العام 1922، انها المحفل الرئيسي للمناقشات الهامة فيما يخُص السياسة الخارجية الأمريكية والشأن الدولي الا ان هناك مقال خاص بالقضية الحالية باتت تسبب الذعر بطريقة كبيرة، فقد قام الكاتب بكتابة مقال بعنوان استفزازي “الثورة العربية القادمة – انهيار الاستبداد”، وأشار من خلال المقال إلى أن الدول العربية الغنية بالنفط تتجه إلى حالة من “الاضطرابات الاجتماعية التي لم تراها تلك الدول من قبل”.

وكان هدف الكاتب مروان المعشر هو العقود الاجتماعية بين قادة تلك الدول وبين مواطنيها، والتي من خلالها يقوم هؤلاء الحكام بضمان الشرعية والدعم عبر الإنفاق العام بديلًا عن عملية المشاركة السياسية، ووفقا لما يدّعي الكاتب فإن أسعار النفط وبما أنها قد فشلت في مواكبة هذا الإنفاق فإن العلاقة بين الحكام والمواطنين بدأت في الانهيار.

والواقع أن أسعار النفط قد هبطت، وأن جميع الدول لم تكن مهيأة لذلك بشكل متماثل، فالإضرابات بسبب تخفيض الإنفاق هي عملية شائعة في الجزائر، وخلال فترة انتشار الربيع العربي كانت هناك احتجاجات في الكويت بسبب الفساد المزعوم، حتى المملكة العربية السعودية تمر بمرحلة من الصعود والهبوط المتسارع فيما يخُص الحداثة، وباتت المملكة تشهد تعبيرًا عن الشعور العام بعدم الرضا، لكن “المعشر” قام بتجاهُل الجهود الخاصة التي تمت من أجل تهياة تلك الأمم ومواطنيها للتطور خلال مرحلة ما بعد النفط.

ولننظر إلى الإمارات العربية المتحدة على سبيل المثال، فلا توجد هناك تظاهرات، إلا إذا نظرنا إلى مناسبات مثل اليوم الوطني ويوم العلم، واللذان تُظهِر فيهما الإمارات الفخر والانتماء، وقد أُطلِق على هذا “عام الشيخ زايد”، وهي احتفالية الذكرى المئوية لميلاد مؤسِس الأمة، وهي تتم بفخر على مستوى العالم، والتي ينظر إليها سكان الإمارات كبارًا وصغارًا بالكثير من العواطف الحقيقية.

وفي الذاكرة الحية لهؤلاء؛ فإن أجدادهم قد عاشوا في البداية ظروفًا قاسية ومحفوفة بالمخاطر، وكافحوا في ظل حياة بدائية مرتبطة بالبحر، ومنذ لحظة ظهور النفط كان الشيخ زايد مصممًا على أن يستفيد جميع الإماراتيين من تلك الهدية الكبيرة التي كانت بمثابة نقطة تحول، وهي نزعة الخير التي أخذت شكل قيام القائد بتوفير الحماية، وتطورت بصورة طبيعية لتأخذ شكل الرعاية الصحية والتعليم وجميع مظاهر الحداثة الأخرى الخاصة بالقرن العشرين.

ومع ذلك فلم يتوقف الشيخ زايد ولا اي من خلفائه عند هذا الحد، فمؤسِس الدولة كان يعلم أن الثروة النفطية لن تستمر للأبد، وكانت لدى الشيخ زايد قناعة بأن الثروة الحقيقية للدولة تكمن في ثقة الشعب في طريقة تفكير الحكومة، وميراث الشيخ زايد لم يتمثّل في السكان المرفهين الذين يعتمدون على الغير وهي الصورة التي قام “المعشر” بتعميمها؛ الا ان هذا يعتمد على مدى تتمتع الإمارات بالمرونة والمعرفة والتنوع الاقتصادي فيما يخُص المستقبل.

ولا يمكن أن تجد مبدأ التنوع في أي مكان أكثر من دبي، وهي المدينة التي تنطلق بسرعة إلى المستقبل، تلك الرؤية التي كانت بمثابة فلسفة للحاكم السابق الشيخ راشد، الذي قام في السبعينيات من القرن الماضي بتحويل منطقة الركود إلى مركز تجاري رئيسي عبر الحركة الجريئة بتأسيس مطار وعدة موانئ كان من الظاهر حينها أن لا حاجة للإمارات بهم، تلك المنشآت التي باتت الأكثر ازدحامًا على مستوى العالم في الوقت الحالي، وخلال فترة حكم سلفه الشيخ محمد بن راشد باتت دبي إحدى أكبر مقاصد السياحة والطيران على مستوى العالم، وبعد أن فازت بتنظيم فعالية إكسبو 2020 فقد باتت دبي على طريق تحقيق الهدف الخاص بجذب 25 مليون زائر سنويًا بحلول العام 2025، وبحيث تكون المقصد الأول على مستوى العالم.

ولا تعد السياحة السبب الوحيد في التنوع الذي تشهده الإمارات، بل أيضا استضافة العديد من الاستثمارات الضخمة في العديد من القطاعات، داخل البلاد وخارجها، مثل الطيران والطاقة المتجددة، قد أدت الى حدوث هذا التنوع. ويمكن التحقق من تلك الاستراتيجية الناجحة من خلال الاطلاع على التقرير السنوي الخاص بوزارة الاقتصاد، وفي العام 2016 أسهمت الأنشطة الغير مرتبطة بالنفط بنسبة 83.3% من الناتج القومي، وقد تقلّص إنتاج النفط والغاز في الإمارات بنسبة 25%، وتم تعويض هذا النقص بنجاح عبر التنمية في قطاعات عديدة أخرى، بما فيها التعليم والرعاية الصحية والفنون ووسائل الترفيه، وفي ذات الوقت من خلال برنامج فضائي طموح انطلق الشهر الماضي عبر إطلاق قمر صناعي للرصد تم تصميمه وتنفيذه بأياد إماراتية، وتشهد الامارات تنمية متسارعة لقطاعي الفضاء والطيران.

أما مروان المعشر فقد كان يشغل منصب نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية في الأردن، وقد فشلت محاولاته الإصلاحية حين كان في المنصب، وهو الآن يشغل منصب نائب الرئيس للدراسات في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، ومن خلال المركز الجيد الذي يتمتع به في واشنطن ظهر أنه قد قبل بالأفكار الغربية التي تقول بأن الشعوب والدول العربية بحاجة إلى السعادة والسلام والنجاح، وأن ذلك لن يتحقق إلا بالديمقراطية التي عرفها ومارسها الغرب.

وبسبب الانقسام والتدمير الذي ظهر بعد صعود دونالد ترامب إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية، فإن ظهور الشعار الوضيع الخاص بالقومية في أوروبا والمملكة المتحدة بات سببًا في زعزعة الثقة في اقتصاد الاتحاد الأوروبي، وجاء ذلك لمصلحة التيار الشعبوي، وللمرء هنا أن يتعجب كيف يمكن لتلك الديمقراطية أن تخدم الغرب، أما دول الخليج، فمن ناحيتها تريد أن تجد طريقًا لها، وذلك لن يكون بالأمر السهل أو البسيط، لكن لو اتخذنا الإمارات العربية المتحدة كمثال؛ وهي في الحقيقة المثال الأفضل للشرق الأوسط أكثر من الدول التي تقع إلى الشمال والغرب من البحر المتوسط، ومن هنا يمكن عمل خريطة جديدة للحداثة عبر الطرق الفرعية في الشرق الأوسط.

AFP PHOTO/MARWAN NAAMANI

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: