إذا نظرت إلى إفريقيا على خريطة العالم المعتادة، فستجد أن هذه القارة تضاهي في مساحتها تقريبًا جرينلاند وأصغر قليلًا من روسيا. ولكن على عكس ما توهمك به الخريطة، إفريقيا في الواقع كتلة شاسعة من اليابسة مساحتها تزيد 14 مرة عن جرينلاند، وتبلغ ضعف مساحة روسيا، كما أنها أكبر كثيرًا من الولايات المتحدة والهند واليابان وأجزاء من أوروبا والصين مجتمعةً.

 

والآن تصوَّر معيّ خريطة أخرى موضحة عليها الدول والقارات ليس بناءً على مساحتها، وإنما بناءً على إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التي تصدر منها. في هذه الخريطة، ستظهر إفريقيا صغيرة للغاية.

 

في الواقع، يشير الباحثون في مشروع «عالمنا وفقًا لبيانات» و«مركز الطاقة من أجل النمو» إلى أن إفريقيا مسؤولة عن حوالي 2.73 بالمئة فقط من الانبعاثات العالمية منذ بدء التحوَّل الصناعي في العالم.

 

وإذا استثنينا جنوب إفريقيا ودول شمال إفريقيا من البيانات، فسنجد أن بقية دول إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى — التي يسكنها نحو مليار نسمة — مسؤولة عن 0.55 بالمئة فقط من إجمالي الانبعاثات.

 

على الجانب الآخر، أنتجت أوروبا التي شهدت انطلاق الثورة الصناعية 33 بالمئة من الانبعاثات العالمية التراكمية، في حين جاءت أمريكا الشمالية وآسيا بعد أوروبا بنسبة 29 بالمئة لكل منهما. وهذه القارات الثلاثة مجتمعًة مسؤولة عن أكثر من 80 بالمئة من إجمالي الانبعاثات.

 

لقد صرنا جميعًا نعرف الآن أن تغيُّر المناخ يهدد وجود كوكبنا وأسلوب حياتنا. وينبغي أن نعرف أيضًا أن أكبر الجهات المتسببة في الانبعاثات هي الأفضل استعدادًا للتكيُّف مع هذه الأضرار، بينما القارة الأقل مساهمة في الانبعاثات هي الأكثر ضعفًا.

 

والتحديات المتعلقة بالمناخ في إفريقيا ما زالت في مهدها، بدءًا من تغير أنماط هطول الأمطار والارتفاع الشديد في حرارة المياه وصولًا إلى ندرة المياه وارتفاع مستوى انعدام الأمن الغذائي. ويُقدِّم مؤتمر المناخ (COP28) القادم في الإمارات فرصةً إلى المجتمع الدولي لإلقاء الضوء على جوانب ضعف قارة إفريقيا والاعتراف بمساهمتها المحدودة في المشكلة.

 

ويجب أن يأتي على رأس أولويات المؤتمر دعم الاحتياجات التمويلية للدول الإفريقية وغيرها من الدول الناشئة والنامية لدعم الطاقة المتجددة ميسورة التكلفة. وفي اجتماع عُقِد مؤخرًا لبنك التنمية الإفريقي، وصف رئيس مؤتمر المناخ المُكلَّف سلطان الجابر الافتقار إلى التمويل المتاح والميسور بأنه «تحدٍ كبير يُعرِّض أهداف العالم المتعلقة بالمناخ والتنمية المستدامة في إفريقيا للخطر».

 

قبل أكثر من عشر سنوات، تعهدت الدول المتقدمة بتقديم 100 مليار دولار إلى الدول النامية لتمويل المناخ سنويًّا بدءًا من عام 2020 بهدف المساعدة في سدِّ هذه الفجوة في التمويل. ولكن هذه التعهدات لم تتحقق على أرض الواقع.

 

ووصف الجابر جهود الدول الغنية في هذا الشأن بأنها «بائسة». وأضاف قائلًا: «التوقعات عالية، ولكن الثقة منخفضة».

 

هذا ويتزايد تمويل المناخ في أنحاء العالم في ظل تسارع الدول لتلبية أهداف صافي الانبعاثات الصفري واختيار الشركات للأعمال الصديقة للبيئة. لكن الأموال لا تصل إلى إفريقيا. فتقول بوجولو كينيويندو، وهي مستشارة خاصة للمناصرين رفيعي المستوى لقضية تغير المناخ في الأمم المتحدة، إن إفريقيا — التي تضم 16 بالمئة من سكان العالم و25 بالمئة من الغابات المطيرة المتبقية في العالم — تجذب 3 بالمئة فقط من تمويل المناخ. وتشير كينيويندو كذلك إلى أن ست دول إفريقية فقط تتلقى هذا التمويل.

 

ولكي يكون لمؤتمر المناخ (COP28) تأثير مهم، ينبغي أن يوجِّه القادة الإرادة السياسية لضمان الوفاء بالتعهدات السابقة وتقديم تعهدات جديدة. ويجب أن تأتي إفريقيا على رأس هذه الأهداف التمويلية.

 

لكن إلى جانب دعم الطاقة المتجددة في إفريقيا، علينا أيضًا فهم حقيقة مهمة، وهي أن الانبعاثات الصادرة من إفريقيا منخفضة ليس لضعف السياسات أو لوفرة الطاقة النظيفة، وإنما للتخلف التنموي الذي تعاني منه القاهرة. ببساطة، تخلفت الكثير من دول إفريقيا عن ركب التحوّل الصناعي المعتمد على الوقود الأحفوري الذي جعل العالم أكثر ثراءً وصحة واتصالًا من أي وقت مضى في تاريخ البشرية.

 

أما في إفريقيا، فيعاني من عدم توفر الكهرباء عدد هائل يبلغ 600 مليون إفريقي، أي نحو 43 بالمئة من سكان القارة. هذا يعني أن الوقود الأحفوري سيلزم حتمًا لتوصيل الكهرباء إلى الكثير من الإفريقيين. لا شك أنه يجب استغلال مصادر الطاقة المتجددة، ولكن الإفريقيين يستحقون الحقوق نفسها في الكهرباء والطاقة التي يعتبرها الكثيرون في العالم المتقدم أمرًا مسلمًا به. وسيلعب الوقود الأحفوري دورًا في تحقيق ذلك.

 

وقد صرَّح المدير التنفيذي لغرفة الطاقة الإفريقية، إن جيه أيوك، في هذا الصدد بأنه «إذا أردنا تحولًا عادلًا من الوقود الأحفوري إلى الطاقة المتجددة، فسنحتاج إلى كليهما. سنحتاج إلى الوقود الأحفوري لنكفل أمن الطاقة وندعم التحوُّل الصناعي في الدول النامية، حتى مع سعي العالم على توفير الاستثمارات والبنية التحتية والحوكمة اللازمة للتحوّل إلى الطاقة المتجددة».

 

وفي ظل التوقعات بتضاعف عدد سكان إفريقيا بحلول عام 2050، علينا أن نأمل في حدوث نمو أسرع لتلبية الطلب الهائل على الوظائف والبنية التحتية والتعليم وغيرها من الاحتياجات الأخرى. وستساعد زيادة إمكانية الوصول إلى الطاقة في تحقيق هذه الأهداف.

 

نحن جميعًا أبناء إفريقيا — فهي المكان الذي ظهر فيه الإنسان على وجه الأرض — ويتزايد تعلق مستقبل البشرية بها. ولذا، فإن نجاح القارة في التنمية الاقتصادية والتصدي لأزمة المناخ يصب في مصلح الجميع.

 

إنَّ معالم خريطة المسؤولية عن تغيُّر المناخ غير واضحة، ولكن بات بإمكاننا أخيرًا إعادة رسم هذه الخريطة في مؤتمر المناخ (COP28).

 

 

 

أفشين مولافي هو زميل رفيع المستوى في معهد السياسة الخارجية بكلية الدراسات الدولية المتقدمة في جامعة جونز هوبكنز. وأسس مولافي أيضًا موقع «إيمرجينج وورلد» للنشرات الإخبارية ويعمل محررًا فيه. تويتر: @AfshinMolavi

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: